ثقافة وأدب

رواية باب الأبواب لـ (يوسف دعيس) بين عبق التاريخ وغنى التوثيق

د. مصطفى عبد القادر

أديب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

انطلق السارد في رواية باب الأبواب للكاتب يوسف دعيس من أرضية تاريخية قادنا فيها إلى عوالم وفضاءات أدبية ماتعة ذكرتنا بروايات أمين معلوف،ويوسف زيدان وأضرابهما من الكتّاب الذين أضافوا لبنات سردية حاكت التاريخ بروح عصرية مقاربة أو إسقاطًا.

لقد افتتح الدعيس أبوابه الأربعة عشر بباب الجذور،وانتهى بباب الله حيث يعدّ كل باب عتبة نصية متطابقة مع ما هو آت من مضمون، أراد إيصاله للقارىء وفق تسلسل منطقي مقنع ،انتظمت فيه خيوط الرواية لتتشابك مع الخط العام بسير(دراماتيكي) فيه من الشدّ والجذب، والتصاعد المدروس بعين خبير بعيدًا عن التزييف،أو غلبة الجانب العاطفي على الواقع التاريخي،وذلك ضمن بناء سردي معماري أظهر جمالية الأدب النابع من صدق في الإحساس والمحسوس…مايشي بامتلاك الكاتب لأسلبة تقنية سردية استطاع توظيفها في خدمة مسروده المشغول بدراية وحرفنة،واللافت في باب الأبواب أنها سارت سيرًا (مونوتونيًا) فيه من المغنطة مايكفي لطرد كل أنواع القراءات(التثاؤبية) الفاترة.

( شامل تنكيز) جد السارد لأمه المولود في مدينة(دربند) من أعمال داغستان إبان سيطرة الأتراك عليها في القرن الخامس عشر،شاب طموح عشق المغامرة والانعتاق…عمل حائكًا،وتعلم أصول الدين،وعلم الأبراج بسن مبكرة،وتعلم السحر والشعوذة في المغرب…هاجر إلى اسطنبول…وقضى نحبه بأمر من السلطان سليمان القانوني الذي أحس بخطر وصول السحر إلى قصره.

تدور عجلة الرواية ؛ فيتناسل الأحفاد من الأبناء، ليتوزعوا في البلدان والأمصار،وصولاً إلى مدينة الرقة ذات الأبواب العباسية الشبيهة بأبواب(دربند) مع اختلاف الجغرافيا والزمان ،حيث يولي السارد هذه المدينة الغافية على كتف الفرات المساحة الأوسع في سيرورة أبطاله وتحولاتهم الفكرية من(النارسييوسية)الذاتية الضيقة،إلى (الكافكوية الوطنية)العامة مع بداية اشتعال الثورة السورية،فنجد شخصية (الحسني) الفاعلة بمحيطها بكل تناقضاتها ،تتأرجح بين التدين الموروث،والفجور الصارخ،ببن شهوة الانتقام ووله الأنس والغرام،بين الرجولة المستفحلة ورقة المشاعر في حالات الوجد و التوحد.

لقد وثّق الدعيس في أبوابه أهم ماجرى بمدينته الرقة من قتل وتنكيل وتجويع ودمار سلطوي لم يشهد له التاريخ مثيلًا سواء على لسان سارده،أو عبر شخوصه وتفاعلهم بمونولوجات كاشفة للكثير من الزوايا والخبايا كشخصية (عطاالله)و(أدهم) وغيرهما.

باب الأبواب رواية احتشد فيها الرعب والاستلاب والقهر الإنساني بقالب أدبي رشيق ، كتبت بلغة سلسة مطواعة فصّلت على مقاس أبطالها جذرًا وتناميًا؛ تجولنا في أزقة الرقة وحواريها،ووقفنا مطولًا أمام معالمها قبل وبعد محوها بكل ماحملت من ضجيج سابق،وانكسار لاحق.خرجنا من أبوابها المشرعة لاستقبال الغرباء لنترك(أدهم) الذي اتجه إلى أورفا طلبًا للخلاص، بعد أن أوصدت دونه كل الأبواب ماخلا(باب الله) دائم الانفتاح.

القاص والروائي يوسف دعيس

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. اجدت ابا نهاد في تعليقك على احداث باب الأبواب وباقة قرنفل للكاتب يوسف دعيس على روايته الجميلة .. شكرا” لكما بوركتم

  2. هل هناك باب يفضي إلى كل الأبواب ؟ سؤال حير كل الذين أوصدت في
    وجوههم الأبواب فالعدو يحاصرهم من كل جانب ولو رفع رأسه ليدعو
    الله أن يفتح له باباً قد يسقط في فمه جحيما يسكته إلى أن يلقى ربه .
    كنت سعيداً جداً في قراءة النقد الجميل الذي كتبته يادكتور مصطفى حول هذه الرواية وأنت تصعد بنا هضابا وتنزل بنا أودية مع من يبحث
    عن باباً تهب منه نسائم الفرج والخلاص….تحيتي لك

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأستاذ الفاضل يوسف دعيس أبو محمد يحفظه الله.
    الدكتور أجاد في المقال .. مقال جميل له قيمة لكن عتبي عليه أنه أثقل المقال وأفسده باستخدام مصطلحات النقد بكتابتها بالعربية بنفس طريقة نطقها بالإنجليزية ظنا منه أن المقال سيكون أكثر(شياكة) ، وهذا ديدن معظم الذين لا يجيدون اللغة الإنجليزية من المثقفين، يظنون انهم بذلك يبهرون القارئ. مع العلم أن لكل مصطلح في النقد ورحمة عربية جميلة تناسب ثوب النص او المقال ولاتبدو نشازا.
    *انا لا أجامل أبدا في موضوع النقد .. أرجو أن تنصح الدكتور بذلك، وإن يكون على طبيعته عندما يكتب أو يدرس النصوص.
    لك وله شكرا وتقديري

    1. أ. حسين ، قرأنا مقال د. مصطفى , وعشنا الراوية باختزال غاية في الروعة، وما استخدمه الناقد من مصطلحات نقدية تعد عالمية ولا أظن أن ناقدًا أو من يعمل في مجال النقد يجهلها؟! إلا إذا كان متنطعًا لفن لا يجيده ! كما أنت في النقد لا تجامل فنحن في الحق لا نجامل.

    2. أدنتنا بأننا(أفسدنا المقال عبر استخدامنا لبعض المصطلحات الغربية ….ظنا منا بأنه سيكون أكثر شياكة بحثا عن إبهار القارىء ونصحتنا بالابتعاد عن ذلك…الخ).
      نفيدكم بأننا لسنا من الباحثين عن شياكة عرجاء،ولابطلاب مجد أدبي بالوني تحت الأضواء،ولايشدنا كبر استعلائي فنسلم قيادنا للأهواء،فحين تميل النفس إلى هذه أو تلك نلجمها فنخرج مما اتهمتنا به براء،فإن كان لك بالأدب رأي تذكر أن للناس آراء. إن الإبهار الذي عنيته لايتأتى من الاستعراض الأجوف المسطح،بل ينبع من حرارة الكلمة وتوهج صدقها لتنير المعتم،وتستقرىء الملتبس،وتظهر ماخفي من جمال وتستر…نحن نقتدي بنقاد لهم وزنهم على الساحة الأدبية،جرينا على جريهم، ونهلنا من منابعهم، وتعلمنا منهم،وبنفس الوقت لانحب اللعب إلا في ملعب خصص لنا،نعرف مساحته،ونحفظ أبعاده،ولانتجاوز حدوده. أما نصحك لنا أرجو أن تكتمه في سرك،وتحتفظ به لنفسك،فربما يحتاجه أحد الناشئة فتجد من يسأل الله لك أجر صواب المسعى ،وسداد الرأي. تحيتي

اترك رداً على مصطفى عبدالقادر إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى