القول الصحيح في وسائل الإعلام سلسلة مقالات تهدف إلى تقويم اللسان وتصحيح الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام 19
أحسن الله بك و أحسن الله إليك
ما الفرق الدلاليّ بين العبارتين المذكورتين؟
للإجابة عن هذا السؤال يحضرني ما كتبه أ.د أحمد محمود عبد القادر درويش بعنوان : “من تجليات البيان القرآني” ، قال فيه:
يُرسل لي بعض الأحبّة تعليقًا على ما أكتب فيقول : ( أحسنت ) فأردّ عليه ً: ( أحسن الله بك ) ، فيتساءل:
أهي أحسن الله ( بك) أم ( إليك) ؟
قلت : لا مانع منهما ، ولكن كيف استخدمهما القرآن ؟
جاءت ( أحسن الله بك ) في قصة سيّدنا يوسف عندما قال تعالى:
﴿ وَقَد أَحسَنَ بي إِذ أَخرَجَني مِنَ السِّجنِ وَجاءَ بِكُم مِنَ البَدوِ مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوَتي إِنَّ رَبّي لَطيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ العَليمُ الحَكيمُ﴾ [يوسف: ١٠٠]
فالإحسان (بالباء) يدل على شدة الملازمة والصحبة والالتصاق، أو الإلزاق ( بتعبير سيبويه ت: ١٨٠ ه) وكأن الإحسان لم يتركه قِيد أنملة ، صاحبه في حياته كلّها منذ رؤيته أحد عشر كوكبًا ، وسجود الشمس والقمر له ، وإلقائه في الجُبّ ، وبيعه بثمن بخس ، وعمله في بيت العزيز ، وإنجائه من مكيدة امرأة العزيز ، وحتى في دخوله السجن إلى أن صار هو العزيز وقد جمعه الله بإخوته ، وبأبيه وأمه ، ومن ثم فـ ( أحسن بي) تدل على قرب المحسِن ( الله) من المحسن إليه ( يوسف )…
لذا جاءت الباء في الإحسان بالوالدين فقال ربنا : ” وبالوالدين إحسانا” ؛ إشعارا إلى ضرورة مصاحبة الإحسان الوالدين في كل وقت ، وبخاصة عند بلوغهما الكبر…
أما ( أحسن إليك ) فتشعر بتباعد ما بين ( المحسِن) و( المحسَن إليه) كما يقول الشيخ رشيد رضا ، لذا استخدمها مع قارون ذلك المنكر نعمة الله ، فقال:
﴿وَابتَغِ فيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا وَأَحسِن كَما أَحسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسادَ فِي الأَرضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ﴾ [القصص: ٧٧]
ليدلّ على البعد ما بين الله وبين قارون ، وكأن النعم التي أولاها إيّاه كانت من قبيل الاستدراج لا الإكرام.
فظهر الفرق ما بين التعديتين والعلم عند الله.