مقالات

أمريكا.. الديمقراطية “المستبدة” والخراب “المفيد”..!

الكاتبة

يقول نيلسون مانديلا عن أمريكا بعبارة بسيطة واضحة :” إذا كان هناك بلد ارتكب فظائع لا توصف في العالم فهو الولايات المتحدة الأمريكية” ؛ ففي العرف التقليدي عند بعض الشعوب ومنها الشعب العربي، فإن أمريكا تمثل العدو التقليدي لهم، لكن هناك دائماً من يؤمن ويثق بعبقرية الديمقراطية الأمريكية، فهم لا يرون الوجه الآخر بقدر ما تمثل لهم أمريكا حلماً ديمقراطياً أو حلماً عادياً كحلم من عاش عمره يفكر في الهجرة إلى بلاد العم سام. لذلك لما اقتحم أنصار ترامب رمز الديمقراطية الأمريكية ” الكونغرس” سارع هؤلاء لتبرير الحدث والدفاع عن ديمقراطية عاشوا عمرهم متعلقين بأذيالها فلا يروق لهم، وهم الجاهدون ألا تظهر عورتها وتصير مصدراً للشماتة بهم وبأسيادهم أو مجالاً للمقارنات بينها وبين بلاد الشرق(المستبدة)، ولأنهم المنسلخون من هويتهم الذائبون في بوتقة الغرب يكرهون هذه المقارنة ويقرفون منها؛ فديمقراطية الغرب حالة فريدة ثابتة ينبغي ألا تتشوه صورتها. فزاد عويلهم وعلت تبريراتهم وكأن هذه الحالة عابرة أو جديدة لا تستمد وجودها وانبثاقها من صفة الامبراطورية ذاتها، تلك الإمبراطورية التي قامت بالأصل على جماجم السكان الأصليين ثم تابعت أمجادها وبناء صروحها من أشلاء ودماء واستعمار بقية سكان الأرض، وكأن اللقب الإمبريالي أو القطب الواحد جاء من العدم.

وفي كل مرة تكشف لنا الأيام حقيقة تلك ” الديمقراطية المستبدة” فالحدث المفصلي الذي أظهر لنا بوضح أكثر خفايا وخبايا هذه السياسة كان هجمات 11 أيلول 2001، وما نتج عنها من تداعيات وما أعقبها من إعلان الإدارة الأمريكية من إقامة شرق أوسط جديد، والجديد كان دائماً زيادة حدة الصراع بالوكالة أو بطريقة مباشرة، فغزو أفغانستان ثم العراق الذي أكملوا دورهم القديم بتدميره  وتمزيقه كبلد عريق عظيم، وكأنهم أرادوا القول, نحن نصنع الخراب والفوضى كي نستفيد, وهذه لم تكن مجرد مقولة أطلقتها آنذاك  وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس: “استخدام الفوضى الخلاقة لتحقيق الأهداف الأميركية المتعلقة بنشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في هذا الجزء من العالم”، وكأن الديمقراطية وفق منطق أمريكا لا تأتي إلا بالتدمير والخراب, فذاك الاستخفاف بالعقول والتحايل على المنطق السليم  يجعلك في حالة فوضى عقلية. فعلى من يكذبون؟ لننظر إلى العراق كيف تركته ديمقراطية أمريكا يطفو على بحر من الدم والفقر والطائفية وأبسط مقومات الحياة, وهو الذي قالوا عنه يوماً أنه سيصير  نموذجاً, وهذا ما جاء على  آنذاك على لسان الرئيس الأميركي جورج بوش الابن  عندما أعلن أنه ذاهب إلى العراق ليجعل منه “واحة الديمقراطية بالشرق الأوسط، ونموذجا ستحتذي به بقية الدول والأنظمة العربية”.! فكان سبيله في ذلك هو الهدم والدمار أولاً ثم وعود الإعمار لاحقاً, وأخيراً تسليمه لإيران وخرابها الذي يكمل الخراب الأمريكي.

فالفوضى الخلّاقة ؛هي خلّاقة بالنسبة لمصالح أمريكا والغرب،  ومدمرة للأوطان والشعوب ،ولا أدري كيف يمكن أن يجتمع  متناقضان هما (فوضى وخلاقة) فوضى تفرض على المجتمعات أن تسلك ممرات كثيرة للوصول إلى جزيرة الاستقرار في مقابل ذلك صعود للاقتصاد الرأسمالي ؟! كما ويمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح الاستراتيجية التي أنتجها العقل السياسي الأمريكي في التعامل مع القضايا الدولية. إنه لم يأت من فراغ، والمهمة دائماً هي استمرار تدمير البلدان والشعوب في الشرق المنكوب، ثم وضعها بين خيارين اثنين، إمّا الدمار وعدم الاستقرار واستلاب مقومات الحياة ،وإما المستبد الحاكم- الضامن كذباً للأمان- والذي تدعمه أمريكا وتريده أن يظل جاثماً على عرشه! نعم لقد قررت الشعوب أن تثور وتصنع ربيعها لكن ثوراتها سُرِقَتْ واستحالت معظمها بتصنيع متقن إلى خراب وفوضى وحروب بين الجماعات كي يبقى أمام الشعوب -في اللاوعي- خيار الحاكم المستبد.

إن اقتحام الكونغرس الذي يمثل حقيقة الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية بكل تفاصيلها، نهب وعنف ووحشية واستعداد غريزي فطري للتوحش والاستقواء والعنف. وإن الهيمنة على كل قرار سياسي في الدول الرأسمالية ” دول المال والديمقراطية” لا تكون دائماً للسياسي المنتخب أو صانع الأصوات، بخاصة إن أدركنا أن العالم بطريقة أو بأخرى محكوم من قبل جنرالات الاقتصاد والمال وأشخاص يحاولون جاهدين إيجاد غطاء شرعي  لنظام عالمي موحد ، فلا أحد ينكر دور المال في السيطرة على مقاليد الحكم والسلطة في كل زمان ومكان.

إن أسطورة الديمقراطية في أمريكا أو غيرها من بلاد الغرب مجرد منوم مغناطيسي ،وهذه الديمقراطية التي يجب أن تكون لخدمة الإنسان وتحرير قراره وبناء عالم أكثر إنسانية غرقت في مستنقع التناقضات. ففي بلادنا يدعمون المستبد القاتل الناهب لثروات الشعوب، ويتظاهرون بنبذ الحروب والصراعات بينما يلعبون دوراً في تأجيجها. يشجبون استخدام السلاح,  لكن أمريكا وأوروبا اكبر مصدر للأسلحة سواء لتأجيج الصراع في الشرق الأوسط او أماكن أخرى. ففي أمريكا  يعرف العالم تجارة الأسلحة من خلال مبدأين, أولهما أن السلاح خلق ليستعمل, فكلما زادت الحروب زاد الربح وراجت الصناعة، وكلما قلت الحروب والصراعات كان ذلك في غاية الضرر بالصناعات الدفاعية وصناعة السلاح عموماً. لذلك فإن العالم لا بدّ وأن يحتوي على بؤر معينة مشتعلة باستمرار ولا تنطفئ أو تهدأ أبداً لضمان استمرار الأرباح الخيالية لتجارة السلاح؛ فبيع السلاح وتجارته يمثل اليوم أهم سلعة دولية ويحتل مركزا متقدما للغاية في قائمة أكثر السلع تأثيراً في حراك الاقتصاد العالمي وهي تُعد دولة الانتاج والتصدير الأولى. فالصناعات الحربية الأميركية تمثل طوق النجاة للاقتصاد الأميركي  وعندها فلتذهب الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الجحيم.                                                                  أخيراً: قال هنري كيسنجر يوماً ” إن مصلحة أمريكا ليس حل الأزمات إنما الإمساك بخيوطها” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى