مقالات

من يمسك بيضة القبّان في سورية ؟

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

بيضة القبان مصطلح مجازي يُستَخدمْ لترجيح أي الكفتين ،وهي أداة في الميزان الروماني الذي اُخترع من قبل ألفي عام تقريبًا. ما يَهُمنا في ذلك هو معرفة مَنْ يملك هذه البيضة في القضية السورية والتي طال أمد الصراع فيها بين الدول ،ولَمْ يُعْرَف لغاية تاريخه – متى – سينتهي هذا الصراع ولمصلحة من ، بالرغم من ترجيح كفة النظام والذي ثبت ارتباطه بالمجموعات الخفية التي تحكم العالم؟!

المتتبع للمشهد السوري (والذي اُعدَ مسبقًا) سيجد هناك معسكرين – الأول ــ داعم للنظام ؛ ويتمثل بروسيا وإيران (وبشكل خفي المجموعات التي تحكم العالم – الماسونية العالمية )  والمعسكر الثاني -الداعم للمعارضة -ويَتَمثل أو هكذا يبدو(بأمريكا والاتحاد الأوربي وتركيا والسعودية وقطر) وهذا بشكل علني، أما في الخفاء فالكل أصبح يَعرفُ حقيقة غالبية هذه الدول -وخير دليل على ذلك هو -مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري / كان عدد الدول المشاركة 114 دولة بعام 2012 وأصبح هذا العدد 11 دولة في عام 2013).

لنرجع إلى هذين المعسكرين ولنحلل موقف كل دوله فيهما لنعرف مَنْ يمسك بيضة القبان مِنْ تلك الدول الداعمة لكل طرف.

المعسكر الأول – الداعم للنظام – ولنأخذ المحتل الإيراني أولاً  باعتبار أنه كان السَبَاق في دعم النظام  بالاشتراك مع أذرعه الطائفية في المنطقة  ، فقد تدخل هذا النظام منذ السنوات الأولى  للثورة السورية عقائديًا أولاً ووفاء للدَيْن ثانيًا( باعتبار أن الأسد الأب وقَفَ مع إيران في حربها القذرة مع العراق وأمَدَها بكلِ شيء ولاسيما  قوتْ الشعب  السوري من الطعام، فكان يذهب إلى ملالي إيران تاركًا الشعب السوري يتقاتلون فيما بينهم على علبة من السمن أو الزيت أوحليب الأطفال أوعلبة سكائر،  مثلما هو وضع ملايين السوريين الآن والذين يرزحون تحت نير العصابة الحاكمة بزعامة الأسد الابن وشرذمة من الطائفة العلوية والقليل القليل من بقية الطوائف الأخرى)

قدّم نظام الملالي في إيران العتاد والسلاح والمال والمقاتلين الذين استقدمهم من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان بذريعة الحرب الطائفية وثارات الحسين وما شابه ذلك، كما أوعز لذراعه في لبنان للتدخل بشكل مباشر، واستطاع استرجاع بعض المناطق من قوات الثورة التي كانت تسيطر على نسبة 80% من الأراضي السورية ،وتَسَيَدَ هذه المعارك في ذلك الوقت – معركة القصير – والتي ظهر فيها الحقد الطائفي لكل متتبع للشأن السوري. إلا أن هذا التدخل لم يستطع استعادة إلا الجزء القليل من الأراضي ، وكذلك الدعم الاقتصادي وفَتحَهُ خطوط الائتمان للنظام ليستعيد عافيته الاقتصادية على حساب لقمة عيش المواطن الإيراني ، فبدعمها اقتصاديًا جعلت من مؤسسات النظام قائمة لغاية الآن ، ولو أنها توقفت لانتهى النظام ، وكذلك لو أوقَفَتْ الدعم العسكري على الأرض لما استطاع النظام الاستمرار بالبقاء،لاستنزاف الصراع غالبية عناصره عتاده العسكري ، أي أن الوجود الإيراني مع جانب النظام هو وجود مصيري وليس معرقل .  وبذلك فإن الجانب الإيراني لم يستطيع الإمساك إلا على جزء من بيضة القبان الى أن جاء التدخل الروسي وقدم الدعم الجوي والذي سهل على النظام والجانب الإيراني وأذرعه من استعادة قسم من الأراضي، وهذا الأمر أعطاه الزخم الكبير ليكون دوره فاعلاً ومؤثرًا.

وإذا افترضنا أن النظام الإيراني لم يتدخل مع أذرعه، ولم يقدم الدعم الاقتصادي ، فماذا سيكون مصير العصابة الحاكمة في سورية ؟ وهل تستطيع روسيا بدعمها للنظام بشتى صنوف الأسلحة – بعد أن أصبح لا يملك إلا جزءًا قليلاً من جيشه- أن يستعيد الأراضي التي استعادتها له القوات الموالية لإيران بدعم من الجانب الروسي ؟

المتابع للمشهد السوري سيقول لا لن يستطيع – نظرًا لأن النظام ليس لديه البُعد العقائدي مع دول أخرى للتدخل معه بشكل مباشر مثلما هو مع ايران ، وسيبقى وحيدًا في الساحة مع الدعم الروسي والذي لن يستطيع استعادة شبر من الأرض من أيدي المعارضة. وبذلك نستنتج أن الجانب الإيراني يمسك بجزء قليل من بيضة القبان بمساعدة المحتل الروسي.

أما المحتل الروسي ( الدولة العظمى ) فهو الذي دعم النظام على الصعيد الدبلوماسي – وقف بوجه المجتمع الدولي في مجلس الأمن والذي كان يُريد النيل من النظام السوري لارتكابه الجرائم البشعة بحق الشعب السوري ، واستعمل حق النقض اثنتي عشرة مرة ضد قرارات تدين النظام السوري، والتي قد توصله إلى محكمة الجنايات الدولية ( مع ملاحظة أن ذلك هو الظاهر) بينما في الخفاء فأصبح الكل يعرف الحقيقة ، والحرب التي شنت على العراق ظلمًا وعدوانًا بقيادة أمريكا خارج اطار مجلس الامن – بعد أن خرج الرئيس صدام حسين عن سيطرتهم – هو الدليل الفاضح أن المجموعات الخفية تريد بقاء نظام الأسد بائع الجولان السوري، وحامي حدود العصابة الصهيونية في فلسطين المحتلة ، ولو أرادت خلاف ذلك لما سألت عن مجلس الأمن وقراراته )  . 

 كما قدّم الجانب الروسي الدعم العسكري غير المحدود من – الطائرات والصواريخ بأنواعها المتعددة – الانشطارية وعابرة القارات – وصنوف العتاد الحديث -البري والبحري –  والتي جربها على المدن السورية  ، كما أقام القواعد العسكرية على الأراضي السورية – قاعدة حميم ومطار التيفور – وما صَرحَ  به بوتين منذ عدة أيام عن تكاليف التدخل الروسي في سورية عندما قال / لو أقمنا التجارب على الأسلحة الحديثة في روسيا لكلفتنا أكثر مما تكلفنا به في التجارب للأسلحة في سورية /  وكذلك الدعم المالي بطباعته للعملة الورقية السورية والدعم الاقتصادي .  

 نستنتج من ذلك أن الموقف الروسي هو موقف المُعرْقِل لكلِ المساعي الرامية الى إنهاء النظام سواء على الصعيد الدبلوماسي أو العسكري، وموقفه هذا يجعل منه ممسكًا بقسم ٍ من بيضة القبان أكبر مما يمسكه الجانب الإيراني. ولو افترضنا العكس وكان مع الشعب السوري الثائر لأحرَجَ كل منَ يَقفْ مع النظام السوري الذي لا يريد انهياره (عدم استعماله حق النقض وعدم تقديم الدعم الجوي) هذان البندان كانا كافيين ليجعلا مِنه حاملاً لبيضةِ القبان في سورية. ولو اتخذ هذا الموقف وفكرَ بوتين جليًا بعيدًا عن اجندات -الجماعات الخفية -لكسَبَ سورية أرضًا وشعبًا ووطدَ أقدامه في الشرقِ الأوسط أكثر مما هو عليه الآن بدعمه للنظام الذي يسير بطريق الزوال، ولجنب روسيا عَداء الشعب السوري والذي سيستمر لأجيال ، بنى جدارًا من الدماء بين روسيا والشعب السوري بالاشتراك مع الإيراني وأذرعه ؛ نظرًا لأنَ ملايين السوريين قدموا التضحيات الجِسام ولنْ يتراجعوا قيدَ أنملة عن الأهداف في نيل الحرية والاقتصاص والثأر من النظام وداعميه الذين نَكَلوا بالجميع شرَ تنكيل.

أما المعسكر الثاني -الداعم للثورة السورية -فيتمثل بالجانب الأمريكي والأوربي والخليجي والتركي.

لنأتي أولاً على الأوربيين فدورهم – كداعم – لم يبد لأوربا دور مهم في دعم الثورة السورية، وإنما الدور الإنساني ابتداءً بالدبلوماسية وانتهاء باستقبال المهجرين ، إلا أن دور الاتحاد الأوربي بشكل عام لا يرتقي إلى مستوى الإمساك بجزء من بيضة القبان؛  فإذا افترضنا أنه لم يقدم شيئًا فالحال يبقى على ما هو عليه الآن -نظرًا لأن قضية المهاجرين إلى دوله فُرِضَتْ عليه ،وتعامل معها من منطلق إنساني لأكثر ولا أقل مثلما استقبل ويستقبل اللاجئين من افريقيا والعراق وأفغانستان.

أما الدور الخليجي؛ فهو يشابه الموقف الأوربي، وسواء أكان موجودًا على الساحة أو لم يَكُن موجودًا فليس له التأثير الكبير -فبالرغم من كل الحراك وعلى كافة الأصعدة وبالرغم من كل التصريحات الرنانة التي جاءت على لسان وزير خارجية المملكة العربية السعودية (الفيصل أو الجبير ) إلا أنها عاجزة عن حسم الأمر لمصلحة الثورة، ولو افترضنا أنها وقفت الى جانب النظام فإنّ دورها لا يرقى إلى مستوى إنهاء المعارضة وإنّما إلى إضعافها، مع ترجيح قيامها – أي دول الخليج – بدور المخرّب لطريق الثورة السورية. وما جرى خلال فترة الصراع الخليجي القطري وابتعاد الجميع عن القضية السوري وما صرح به الشيخ حمد القطري – تهاوشهم على الطريدة – يؤكد ألّا دورًا لهم في الإمساك ولو بجزء قليل من بيضة القبان !

أما الأميركي فهو الممسك البيضة من – وسطها – وهو الذي رسم الخطوط للمعارضة والنظام السوري.  فلم يسمح للمعارضة بفصائلها بالإجهاز على النظام من خلال تسخير أُجرائه في المنطقة للالتفاف على الفصائل المسلحة وتَجْييرَها لأجنداته، كما لم يسمح للنظام وداعميه من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها، وما قام به بسحقه لقوات فاغنر الروسية التي تجاوزت خطوطه بشرق نهر الفرات بريف دير الزور، وسحقه لهذه القوات بعديدها وعتادها، وما يحدث من خروقات في مناطق الرقة وردود الفعل اتجاهها من جانب التحالف المتمثل بالأميركي، وكذلك للخطوط التي رسمها في البادية السورية – قاعدة التنف -وحمايته لقوات الجيش الحر. ولو أراد الجانب الأميركي تغيير الوضع في سورية لفعل – كل المعطيات تقول إنه يستطيع وفي جانب واحد فقط وهو (رفع الفيتو) عن الدعم بالصواريخ المضادة للطائرات –  أما لو تدخل وأمسك بيضة القبان كاملة لاستطاع فعل ذلك – وما حدث في العراق وعدم التزامه بمرجعية مجلس الأمن الدولي ،وتشكيل التحالف الثلاثيني لمواجهة الحكومة العراقية المتمثلة بالرئيس صدام حسين وما صرح به طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا سابقاً بخطأه في الدخول في الحرب على العراق ، وكذلك كذبة السلاح الكيماوي ، وما فعله من تحطيم مكونات الدولة العراقية وعلى رأسها حل الجيش العراقي  وقتل وتشريد شعبها ، وتدمير بنيانها وبنيتها وجعلها دولة يتناهبها اللصوص ، ومن ثم الاعتماد على خونتها لقيام دولة فاشلة بكل المقاييس لهو أكبر دليل على ذلك .

أمّا الجانب التركي؛ فدوره أساسي وعلى كل المستويات بسبب موقعه الجغرافي والقضية الكردية التي تؤرقه ،وتواجد أكراد سورية على حدوده الجغرافية ،وتهديدهم لأمن تركيا القومي إضافة للبعد الديني والأخلاقي لدى رئيسه السيد رجب طيب أروغان، مما يجعله ممسكاً ببيضة القبان بشبه كامل، فهو الذي فتح حدوده ،وقدّم للثورة كل ما استطاع إليه سبيلا، والجميع يعرف ما قدمته الحكومة التركية للثورة السورية. أمّا لو افترضنا العكس ،وأن الجانب التركي أغلق حدوده، ولم يهتم بالقضية السورية لخُنِقَتْ الثورة السورية وانتهت ولما استمرت الى هذا الوقت؛ وما شاهدناه من احتفالات النظام عندما قامت جماعة فتح الله غولن بالانقلاب عام 2016 ظناً منه – أي النظام – أن هذه الجماعة ستنهي الدعم التركي وسيمسك النظام بقبضته الحديدية كافة المناطق السورية والتي هي خارج سيطرته، إلا أن الانقلاب فشل وبقيت حكومة أردوغان في السلطة ،واستمرت بدعمها للثورة السورية إلى يومنا هذا.                                     

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تحية للأخ العزيز الأستاذ ياسر العمر على توضيح أحداث الثورة السورية بحذافيرها رغم أن الموضوع هو بيضة القبان التي هي بيد إسرائيل ومن خلفها الماسونية و#بشار_البهرزي أحد كلابها فكيف لا يكون كل هذا الدعم لهذا الكلب المدلل!

    1. الأخ مصعب الشريف. لو رجعت للمقالة وتأملتها اكثر لوجدت ماكتبته (… المجموعات الخفية تريد بقاء نظام الأسد بائع الجولان وحامي حدود العصابة الصهيونية في فلسطين) والكل يعرف من هي تلك الجماعات الخفية الممثلة بالماسونية العالمية. ولا اختلف معك بأنها هي من تمسك بيضة القان وبالخفاء. الا انني تحدثت في مقالي عن الدول الظاهرة ودورها في مسك تلك البيضه. شكرا لمرورك وتقبل تحياتي

    2. إسرائيل ليس لها شأن في المعادلة السورية وأمريكا لاتستطيع الوقوف في وجه روسيا.. أمريكا نمر من ورق ليس إلا..

اترك رداً على Yaser Alomar إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى