دين ودنيا

ليست السُّنة سبب الهزيمة بل الضعفاء

رائد نعمان

ناشط فلسطيني
عرض مقالات الكاتب

عبر تاريخ أمة الإسلام الحافل في التقلبات ومرور جميع ألوان الطيف من أفكار الأعداء عليها لم يأت أحدٌ بما أتى به منكرو السنة في هذا العصر، وقد تملكهم الشيطان بضرورة هدم السنة وإسقاط رموزها من العلماء الأجلاء!

لم تخطر الفكرةُ فيما مضى على بال أحد من الزنادقة ولا الأعداء الذين كانت غاية أمانيهم أن يدسوا حديثًا هنا أو هناك، والذي وقف له علماء وولاة أمر المسلمين كالجبال، فوضعوا العلوم وقعدوا لها القواعد منعًا أن يضاف لهذا الدين نص من خارجه، وتنقيحه من هذه الإضافات حتى لو ذهبت معه نصوص لعلها قيلت أو حدثت لكنها لم تصل إليهم بطريق صحيح .

ثم يأتي هؤلاء يريدون أن يجعلوا عمل الأمة بالسنة المشرفة وأخذها بها سببًا لحالة الضعف والضياع التي آلت إليها الأمة، فيدْعون إلى إسقاط السنة ونبذها وهجرها بمنهج وأسلوب يعتمد الاستهزاء والبحث عن الشبهات واجتزاء النصوص، وسوء الأمانة في النقل طريقًا للوصول إلى غايتهم، يستهزئون بعلماء أجلاء حازوا المجد من أطرافه، بغمز ولمز رخيص ترفَّع عنه حتى الأعداء،
كما ويدْعون إلى ما من شأنه تمييع الدين وضياعه وأن يتجرأ عليه كل ذي قلب مريض أكل قلبَه شغف حب الظهور فصار يهرطق هنا وهناك بكلام مصفوف ظاهره بحثٌ وفحواه هراء ..!

كان بعض هؤلاء أعضاء في جماعات وأحزاب إسلامية وكانوا فيما يبدو يذودون عن السنة ويدافعون عنها، ولا معنى لانقلابهم ومعاداة ما كانوا يحملون من مفاهيم الدين، إلا أنهم هُزموا هزيمة نكراء ليس فقط من قبل الطرف الآخر الذي كان يعاديهم ويعادي الدين كله، بل أيضا من قبل أنفسهم التي ملت طريق الحق الشاق فانتقلت الى طريق الباطل اللين .

عجبًا لهم يدافعون عن الفكرة ونقيضها، دعوة لها وبها تارة، وتنفيرًا منها تارة أخرى، وبنفس الحماس في الحالين، حماسة تشعرك بامتلاكه الحقيقة!
ألم يكن نقيضا لما هو عليه اليوم وظهر له أنه كان “على ضلال” ولعله “أضلّ” أناسا أخرين معه، كان يدعوهم لما كان عليه؟! ما المانع أن يكون الآن أيضا على ضلال مرة أخرى، ويظن من جديد أن الحق معه! ألا يعني له ذلك شيئا ؟! ألا يستحق ذلك منه أن يقف مع نفسه قليلا ليعلم أنه ليس أهلا لهذه المكانة التي يريد أن يحشر نفسه فيها، فحري به أن يعرف قدر نفسه فلا يستمر بإضلال الآخرين؟!!!!!

من مساوئ الأحزاب أنها تأتي بمغمورين وتعطيهم بعض “الثقافة الخاصة” التي لا يملكها عموم الناس في زمن التجهيل فيظن المسكين أنه أصبح من العالِمين!
الباحثون عن التصدر والشعور بالأهمية؛ أفسدوا الجماعات والحركات الصادقة التي قامت تبغي التغيير، فعطلوا مسيرتها وحرفوا توجهها وأفشلوا مسعاها، أولئك الذين تسلقوا على أكتاف هذه الجماعات يقودهم حب التصدر وشهوة المسؤولية والبحث عن منبرٍ للتنظير .
ما كان الله لينصر جماعة وفيها هذا الخَبث ..! انظر إليهم في نكوصهم على أعقابهم؛ فهذا “قرآني” وهذا “تنويري” وذاك “ربوبي” وآخر يفاخر بالإلحاد!!!

في معرض رد أحدهم على مَنْ بيَّن له بعض منهج البخاري في إعلال الحديث وقد سأله كيف يغيب عنه ذلك؟ قال : 
” أنا قليل الاطلاع على علمي الرواية والجرح والتعديل، وحين أدرس الأحاديث فكل التركيز على المتن” .. هذا قوله!
بهذه الخلفية وهذه الإمكانيات حكم هؤلاء على “فساد” السنة وأساليب نقلها، بل وطعنوا بقامات كبيرة مثل البخاري رحمه الله ،وقرروا وجوب هدم السنة حتى يتسنى للأمة أن تنهض!

يدعي منكرو السنة ،بأن ثورتهم على السنة كانت من أجل النهضة، وأنهم يعملون لإنهاض الأمة، بينما لا نرى لهم شيئًا يذكر على صعيد إنهاضها سوى الهجوم والاستهزاء بالسنة وعلماء الدين الذين جمعوها ووضعوا آليات الحكم عليها؛ وكأن هذه النهضة منوطة فقط بسقوطها!

يدْعون للأخذ من طوائف الضلال نصوصا وإدخالها الى الدين! .. يريدون إسقاط السنة التي وصلت إلينا بأعلى مقاييس الدقة والتثبت بينما يريدون الأخذ من كتب الشيعة التي يعلم أي قارئ أنها تعج بالضلال والشركيات، وأن الشيعة لا قواعد عندهم في أخذ الحديث بل إن دينهم ليس عن رسول الله، وإنما في جله أقوال نسبوها للأئمة والتي هي أيضا لا يقوم عليها دليل، بل أن ركاكتها ومخالفتها لأساسيات الدين يعلمها كل من صحت فطرته ولا أقول أهل العلم والشيوخ المجربين!!!

يردّون أحاديثًا صحيحة وردت في صحيح البخاري ومسلم ثم يروون لنا قصصا عن شيوخ في التصوف وغيره جلسوا في الهواء أو مشوا على الماء كرامة لهم، ويقسمون على ذلك دون سند ودون دليل!

أسلوبهم قائم على الهدم والرد دون حجة، ثم اتهام المخالف بالتعصب والجمود! بينما ما يفعلونه هوَ التعصب بعينه من عدم قبول الحق الذي ثبت بالدليل وبقائهم على موقفهم دون تغيير، لكن المهزوم يتشبث بالاتهام والاستهزاء هروبًا من الاعتراف بالحق.

هناك تشابه كبير بين هجوم (بني علمان) على الدين متسلحين بتهم الإرهاب والدعشنة لقمع من يقف لهم، وهجوم هؤلاء متسلحين بتهم التعصب والجمود  لمن يقف لهم، وكلاهما يعتمد لضعفه على الاتهام والاستهزاء، فهو سلاح الضعيف ليهرب من الاعتراف بضعف حجته وخطأ ما ذهب إليه، إذ يصر على ما لا حجة له فيه “عنزة ولو طارت” فكانت بذلك تهمه للآخرين بالتعصب تصف حاله تمام الوصف .

حَكَم الإسلام العالم القرون ذوات العدد – ١٣ قرنًا من الزمان – لم تكن السنة المشرفة والأخذ بها إلا سببًا في تقدمه ورفعته وعدّه منارة للعلم والتقدم والازدهار، فكان محل التقليد والاقتداء بين الأمم، وكان على رأس هذا الهرم في كل العصور علماء أجلاء عرفوا للسنة قدرها ،وحفظوها حفظًا للدين فارتفعت أقدارهم بها ،وصانوا بها الدين من الضياع .

ليست السنة هي المسؤولة عن حالة الهزيمة التي تعيشها الأمة، وإنما عدم وجود الرجال الذين يقفون للأعداء كالجبال، غابوا فغابت معهم القيادة التي من شأنها أن تغير الحال، فحل محلهم أدعياء ضعفاء لم يقدروا على اللص فكالوا الشتائم لأهل البيت والأبناء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى