مقالات

نحو بناء الوطن الأمثل

محمد شاه قطب الدين الحامدي

باحث إسلامي
عرض مقالات الكاتب

مذ وقفت على القواعد التربوية والنفسية الصحيحة في دراستي بكلية التربية قلت إن هذه القواعد ﻻيجيدها الآباء والأمهات ،وﻻيتسنى لهم ذلك بل وﻻحتى المثقفون في كل العلوم يجيدونها إﻻ الذين اختصوا بالدراسات التربوية والنفسية ،وهؤﻻء ثلة قليلة في الناس ،وهذه الثلة القليلة هم بدورهم ﻻينفذون من هذه القواعد إﻻّ القليل …
فنحن هنا أمام معضلة تربوية، وهي تربية الأبناء بشكل كيفي ارتجالي مزاجي ،وحتى من أهل العلم الشرعي ومن الفقهاء ،حيث الاطلاع على فقه الدين ﻻيعني بالضرورة فهم قواعد التربية الصحيحة وعلى تقدير فهمها فالأغلب ﻻيتعاملون وفقها إما للانشغال بعلوم الفقه وتعليمها للناس ؛وإما لعدم الاكتراث بها لعدم تقدير خطورتها ،وإما للنمطية التقليدية في التربية الحاكمة على مجمل سلوك الناس وإما للنمطية الشخصية الخاصة بطريقة تأديب وتربية كل واحد على حدة ،وهنا يصطدم النمطي مع تنوع واختلاف أمزجة الأوﻻد والفروق الفردية التي ﻻبدّ من الإقرار بها كسنة إلهية في الخلق .
ولذلك ﻻتأخذ التربية الصحيحة دورها الفعال في أحسن الظروف والأحوال !
وهنا أتساءل كثيرًا؛ماهو السبيل الأنجع لإيجاد قواعد تربوية عامة يمكن لكل الآباء ممارستها بعيدا عن الخوض في تفاصيل آداب وقواعد التربية الكثيرة الجزئية ..؟
وأنا شخصيًا كثيرًا ما أرجع إلى الأسلوب النبوي الحكيم في اعتماد كليات التربية، والتعليم بالمبادئ الإسلامية الأصيلة والمفاهيم الأخلاقية العامة المنسجمة مع الفطرة بعيدًا عن الخوض في جزئيات السلوك خوف الفجاجة والفضاضة والسآمة ،وهذه ﻻبدّ من إدراجها في مؤسسات التعليم الأكاديمية ،وهي مسؤولية الحاكم في كل بلد والقائمين على وضع المناهج والبرامج ..وتبقى مسألة إيصالها للآباء مشكلة هامة إلى أن يندثر الجيل الجاهل ويأتي الجيل العالم بهذه المبادئ …..
★ مفهوم الحرية مثلا وهو الأكثر تداوﻻ هذه الأيام عند الكبار والصغار وعند التربويين والسياسيين على حد سواء حتى تأثر به بعض أدعياء الثقافة الإسلامية بدون تمحيص وروية وظنوه قيمة من قيم الإسلام بمعناه الواسع ،فخرجوا عن حدود الإسلام وشرائعه باسم -الحرية- هذا المفهوم طبقه الغرب على التربية الخلقية والثقافة السياسية ،ونجحوا في تخليص مجتمعاتهم من العقد النفسية والتربوية والاجتماعية والسياسية ولكن على حساب تدينهم …
وللأسف اللاهثون وراء هذا الاستغراب ،سيقعون في مصيدة الفجور والفسق والكفر بقيم الإسلام الأصيلة من باب تقليد الغرب المتحضر في نظر هؤﻻء ..
فمفهوم الحرية ؛ينبغي أن ينظر إليه في إطار آداب الإسلام المقيدة حتى يؤتي أكله ..
وتبقى المشكلة عويصة جدًا لإيجاد التوافق التربوي والأخلاقي والانسجام بين أفراد الأسرة، وهي أهم لبنات المجتمع ثم في المجتمع ثم في الدولة ثم في الأمة وفق منظور الحرية المقيدة بشريعة الإسلام..
★ قيمة الحوار وقبول الآخر مثلا هي من القيم الأصيلة والجديرة بالتعليم ،ومنذ الحياة المبكرة للأطفال لأنها تفتح الملكات وتخلق المبادرات ،وتزيل عقد التسلط وأحادية القرار، وتفتح أبواب قبول الآراء المختلفة والمخالفة، وتعلم النقد السليم الموضوعي وتخلق أناسًا واعين منصفين غير عصابيين وغير متعصبين.
لكن نمطية التربية والتعليم التقليدي تأبى هذا النوع من السلوك الحواري والنقدي بحجة أن الأبناء سيتطاولون على اﻵباء ؛،وسيحصل خرق أدبي كبير وتنقلب المفاهيم والاعتبارات لأن الأبناء ليسوا سواء في تفهم معنى الحوار الأخلاقي والنقد البناء وووالخ..وما أسرعنا في استيجاد النصوص الشرعية المؤيدة لمنهج رفض النقد والحوار،فيلغى هذا الاحتمال من أساسه لنعود أدراجنا في معضلات التربية والتأديب وأصولهما.
★ مفهوم الطاعة واحترام الكبير، صار يعتريه الارتياب والشك عند كثير من المتحررين فلابدّ من إعادة صياغته وفق منهج تربوي نفساني متين مؤيدا بالنص الشرعي الرصين …
وهكذا هي قيم التربية فكلها صار إشكاليا … وﻻبد من تظافر الجهود الفردية والجماعية الرسمية والشعبية وبخاصة ممن بيدهم صنع القرار ..
البحث طويل والمهمة شاقة ،وبإمكاننا الاسترسال أكثر في هذا الموضوع الخطير ولكن يبقى السؤال :

ما أسباب الفشل التربوي والخلقي الذي نجتر آثاره المريرة ؟

لعلنا نقف على توافقات مفيدة وآراء سديدة تصب في تنشئة الأجيال اللاحقة ،وبناء المستقبل على أيدي المخلصين ..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى