مقالات

أسبوع أمريكا العصيب 3 سيناريوهات منتظرة

محمد علاء الدين

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

نجاحٌ إجرائي وفشلٌ تنفيذي، كان عنوانَ محاولة الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي لعزل الرئيس الحالي دونالد ترامب قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ تسليم مفاتيح البيت الأبيض للرئيس المنتخب جو بايدن . خطوة الديمقراطيين في مجلس النواب الذي يحوزون أغلبيته كانت محاولةً أخيرة لقطع الطريق على ترامب الرافض حتى الآن التسليم بخسارة الانتخابات ، والذي قام بتحريض أنصاره في السادس من الشهر الجاري ، في محاولة من طرفه لتعطيل المرحلة القانونية الأخيرة من مراحل تثبيت فوز خصمه الديمقراطي ، بعد سلسلة فاشلة من الاعتراضات القانونية ألجأته إلى محاولة استثارة تياره الشعبوي الذي سجل بدوره – أسوةً بزعيمه – سابقة تاريخية امريكية، باقتحام مبنى الكونغرس ، في محاولة منع إتمام الجلسة بالقوة ، ما حدا بالديمقراطيين إلى طلب اللجوء إلى اجراءات العزل بدعوة نائب الرئيس مايك بنس إلى تفعيل التعديل 25 من الدستور .

نجاح الديمقراطيين في التصويت بأغلبيتهم على القرار غير الملزم جاء الرد عليه من نائب الرئيس خلال التصويت ، عبر رسالة وجهها للديمقراطية نانسي بيلوسي التي ترأس مجلس النواب ، رفض فيها الاستجابة للقرار واصفاً إياه بألعاب سياسية لن تجعله يستجيب لغاياتها بضغوط لا تنسجم مع الدستور ، بحسب تعبيره ، لأن التعديل الدستوري ينص على العزل في حالات مرض أو عجز مانعة من أداء المهام .

إغلاق باب العزل أمام الديمقراطيين يجعل كل دعواتهم لمحاكمات نيابية وجنائية بحق ترامب لاحقة لموعد نهاية ولايته الرئاسية ، فيما يبقى الأسبوع المتبقي له في السلطة عصيباً ومفتوح الاحتمالات على ثلاثة سيناريوهات رئيسة محتملة  في خضم معركة رئاسية مستعرة ،انتهت قانونياً ، لكن الرئيس الخاسر لنتيجتها ما زال غير مقرٍّ بنتيجتها .

أول السيناريوهات المحتملة هو لجوء الرئيس الحالي ترامب لخيار خارجي بإعلان حالة الحرب، وفي رأس قائمة الأهداف إيران وحليفاها حزب الله والحوثيون، وعلى نحو يتجاوز الضربات الخاطفة، ليفتح أمامه أفقاً يتيحه له الدستور الأمريكي للاستمرار في الرئاسة كون البلاد في حالة حرب. ما يدعم احتمال هذا السيناريو قيام ترامب، وعلى نحو غير معهود بعد الانتخابات، بتغييرات في وزارتي الدفاع والعدل، وسعيه لمصالحة خليجية عاجلة، إضافةً إلى تحريكات عسكرية مضطردة ومتسارعة، مؤازرة لقوات مسبقة التموضع، تتحرك وتناور في مياه الخليج و أجوائه.

السيناريو الثاني المحتمل الذي قد يتيح لترامب البقاء في الرئاسة هو داخلي، في حالة حدوث فوضى واضطرابات يبدو الشارع الأمريكي المحتقن متخوفاً منها بعقلائه، ومتأهباً لها بحمقاه، وهم غير قليل من تيار شعبوي ضمن حوالي 75 مليون ناخب اختاروا ترامب، ويملكون من قطع الأسلحة النارية المختلفة ما يقدره الخبراء بأكثر من عدد سكان الولايات المتحدة برمتها ( 500 مليون قطعة سلاح ناري ). ولذلك فإن تحرك التيار الشعبوي سيجعل الشارع الأمريكي أمام منزلق خطر يتيح للرئيس إعلان حالة الطوارئ والبقاء في الحكم بموجبها وبمقتضى الدستور أيضاً. وقد بات هذا الاحتمال أكثر إثارة لقلق الأمريكيين بعد التصريحات الأخيرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بوجود معلومات مؤكدة عن قيام مجموعات كبيرة ومسلحة بالتخطيط والتحرك لإحداث أعمال شغب في عدد من الولايات وفي العاصمة حيث ستحاول تطويق مبان حكومية غاية في الأهمية مع إمكانية قيامها باغتيال عديد من المشرِّعين و  السياسيين.

قد يجادل كثيرون في صلاحيات الرئيس الأمريكي بأنه محكوم بهكذا قرارات بالعودة إلى الكونغرس لتصبح نافذة ، وبأنه لم يسبق في تاريخ الرئاسة الامريكية أن أعلنت هكذا حالة دون موافقة الكونغرس . ذلك صحيح إلى حد بعيد ، ولكن أمام الحالة ال (ترامبية) غير المسبوقة في تاريخ الرئاسات الأمريكية، فإن امكانية الذهاب إلى آخر الشوط وأقصاه واردة اعتماداً على بند يتيح للرئيس اتخاذ القرار منفرداً في الحالات عالية الخطورة والمتطلبة سرعة القرار ، وعندها يتوجب على الكونغرس خلال مدة اسبوعين تأمين أغلبية ثلثي أعضائه لإلغاء قرار الرئيس . ولأن مثل هذه الأغلبية نادراً ما يمكن التوافق عليها في قضايا خلافية بين الديمقراطيين والجمهوريين ، ما يبقي الفرصة محتملة أمام ترامب للعب هذه الورقة (الانتحارية) الأخيرة في أمل أخيرأمام شهوته غير الخفية للتشبث بالسلطة ، وبما عرف عنه من تهور وعدم امكانية التنبؤ مسبقاً بخطواته وقرارته ، وفي أدنى الحدود لإدخال خصومه الفائزين في دوامات واشكالات مربكة انتقاماً لسلبهم منه مرحلة رئاسية ثانية، كما يدعي، وإن أفقدته لاحقاً مستقبله السياسي الذي يعرف أنه بدأ يفقده حقيقة ، بحكم كمِّ القضايا (السياسية والجزائية والجنائية) العديدة والخطيرة التي ستلاحقه، فور انتهاء رئاسته، والتي باشر الديمقراطيون في الكونغرس منذ أيام بعضها،ونجحوا بمرحلتها الإجرائية الأولى، وسيتبعها مزيد .

السيناريو الثالث المحتمل معاكس لسابقيه ولتوجهات ترامب و أنصاره، وهو أن ينجح الديموقراطيون، بتعاون مع عقلاء الجمهوريين غير المؤيدين لنزعة ترامب السلطوية، وبتفاعل من الدولة العميقة خاصة في مؤسستي الجيش والأمن ، من كبح كل جموح أو جنوح من ترامب وأنصاره في القيادات والقواعد وتياره الشعبوي ، وضبط آلية انتقال الرئاسة من ترامب إلى بايدن ، بكل الوسائل المانعة لحدوث اضطرابات خارج السيطرة . هذا السيناريو(الثالث)  بدأت مؤشراته عبر الانتشار الأمني والعسكري المكثف والملموس في أكثر من ولاية، خاصة في العاصمة واشنطن، في محاولة لتطويق أي تحرك لمجموعات منظمة تحاول فرض السيناريو الثاني أو فرض عدم قبولها بالنتائج وتنصيب بايدن رئيساً ، لكن مفاجآت ترامب وفريقه الموالي ، وكذلك تياره الشعبوي والمتعصبين منه ، لم تزل قائمة وفق أحد السيناريوهين الأول والثاني . كذلك تبقى مخاطر تداعيات

 الانقسام في الشارع الأمريكي قائمة في مرحلة لاحقة ما لم يتم علاجها جذرياً بكل ما فيها من تأزمات واحتقانات باتت تشير إلى مرحلة نكوص أمريكي متسارع، غير مُدْرَكَةٍ عواقبه، ما لم يتم العمل حثيثاً على رأب تصدعاته وشروخه التي تعمقت خلال عهد ترامب وباتت تنذر بانقسامات عمودية وأفقية حادة ، في البنية السياسية والمجتمعية ، لعلها الأخطر على الولايات الأمريكية منذ اتحادها .

أمريكا في خطر وقلق، والعالم يترقب وينتظر.

 فأي السيناريوهات سيكون في الأسبوع الأمريكي الصعب و العصيب ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى