مقالات

واتساب .. ومعركة “زوكربيرغ” !

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

كثر النقاش والقيل والقال  في الآونة الأخيرة حول التحديث الأخير لبرنامج “واتساب” و الطريقة التي فَرضت من خلالها الشركة على المستخدمين قبولهم بما تمليه عليهم من شروط تمس خصوصياتهم .
من الناحية التقنية إن جميع التطبيقات الذكية والبرمجيات ؛وبخاصة تلك التي تتعلق ب”السوشال ميديا” (وسائل التواصل الاجتماعي) والبرامج التفاعلية يمكنها التجسس علينا كمستخدمين لتلك البرمجيات التي تُدعى بالتطبيقات الذكية، وهذا أمر قديمٌ قدم تلك التطبيقات.
نعم فالمسألة ليست جديدة كما يظن البعض ويروّج، ولا شك أننا مخترَقون -أصلاً- حتى النخاع جميعنا وبلا استثناء .
لكن الجديد هو حين يتحول الأمر إلى أن يسمح السيد مارك لنفسه أن يستخدم كامل بيانات المشترك في “واتساب” و “فيسبوك” و ” ماسينجر” و ” اينستغرام” كرقم الهاتف ونوع الجهاز والبريد الالكتروني وال İD الخاص بالشبكة وطبيعة الاهتمامات والأصدقاء وكل ما يخص الناس من معلومات شخصية، ومنح تلك الملفات للشركات المعلِنة بغية فرز المستخدمين واستهدافهم بالإعلانات التجارية بعد أخذ “الموافقة القسرية” من أولئك المشتركين -تحت التهديد بإيقاف التطبيق- وإبطال الحق بالاعتراض .. وماخفي أعظم .. فإن الأمر يتعدى الحدود المعقولة التي نعلمُها وتغاضَينا عنها سابقاً .. ليصل إلى حدود الرِّق و الاستعباد التقني الكامل.!   
وهذا أحد أهم السلبيات الناتجة عن تملك واحتكار جهة ما  لزمام المال والإعلام.
والثابت أنه لا يوجد شركة في العالم تقدم خدمات مجانية .. وعلى الجميع أن يدركوا ذلك وهذا أمر مفروغ منه تماماً، وكي أبسّط الموضوع أكثر .. إن لم تُلزمك هذه الشركة أو تلك بدفع مبلغ مالي لقاء الاستفادة من خدماتها فلا يعني ذلك أنك تستخدم منتجاتها بشكل مجاني . وبالنسبة لهم أنت كمستخدم بحد ذاتك سلعة تجارية بالنسبة لأصحاب تلك البرامج والتطبيقات وهم لا يشاركون بياناتك الشخصية مع الشركات الإعلانية والترويجية بالمجان فهم يتلقون مبلغاً محدداً منهم عن تلك البيانات التي تستخدمها الشركات الإعلانية في الترويج لمنتجاتها واستهداف المهتمين بتلك المنتجات .
وبالتالي فإن الابتعاد عن برنامج واتساب مع الابقاء على الفيسبوك أو الماسينجر أو الاينستغرام لا معنى له وهو أمر غير مجدٍ على الاطلاق .. لأن الإدارة واحدة والسياسة واحدة والمشغل واحد ، وفي الوقت ذاته من الممكن الاستغناء عن الواتساب واستبداله ببرنامج “تيليغرام” الروسي أو برنامج “بيب” التركي أو برنامج “سيغنال”  -الذي يحظى بدعم من مؤسس تطبيق واتساب “براين أكتون” والذي ترك فيسبوك في عام 2017 بعد خلافات مع الإدارة- أو غيرها من برامج يمكنها تأدية الغاية ذاتها.. أما قضية الاستغناء عن واتساب .. وفيسبوك .. وماسينجر .. وتويتر .. ومنتجات غوغل كبرنامج البريد الالكتروني g.mail  أو مخزن “غوغل درايف” الذي يخزن أوتوماتيكياً وبشكل افتراضي كل ما تقوم بتصويره على جهازك الشخصي من صور فوتوغرافية وفيديوهات وكذلك أسماء وأرقام ، وأيضاً خرائط غوغل الذي يعتمد عليه الكثيرون كدليلٍ للتنقل والسفر ، والذي يراقب جميع حركاتك وسكناتك ويسجل المواقع التي زرتها والأماكن التي مررت بها أو توقفت عندها، وكذلك متصفح “غوغل كروم” المعروف ومحرك البحث العالمي الشهير “غوغل” .. وغيرها من برامج كثيرة اخترقت خصوصياتنا ولازمتنا كظلنا وتدخلت حتى فيما نحب وفيما نكره ..  للأسف أقول : بات الاستغناء عن كل تلك التطبيقات أمر صعب بالنسبة للكثيرين لأن البدائل الآمنة عن كل تلك البرامج غير متوفرة حالياً، وبالتالي فإن تأثير المقاطعة إن حصلت سيكون ضعيفاً جداً برأيي لأن الناس اعتادت على الاعتماد عليها ومن غير السهل التخلي عن كل تلك التطبيقات . وخاصة أنها في كثير من الأحوال أضحت صلة التواصل الوحيدة المتوفرة وغير المكلفة بين من هُجّروا من بلدانهم وبين ذويهم داخل وخارج تلك البلدان.
أما في الجانب الآخر .. وهنا أتحدث عن الشق السياسي فلا يمكن استبعاد الدور المخابراتي لأنظمتنا القمعية، وخاصة في هذه الأيام  بتهويل الأمر و استغلاله ومحاولة إقناع الشعوب بالتخلي عن هذه التطبيقات التي أزعجتها ولازالت ..والتي فعلت ما عجزت الشعوب عن فعله بالوسائل التقليدية من سرعة تواصل وتنسيق فيما بينها  وقد لمسنا ذلك في التحضير لثورات الربيع العربي وخلالها حيث لم تستطع تلك الحكومات أن تحجب تلك المواقع من خلال “سيرفراتها” ورأينا كيف تحولت الشعوب إلى “النت الفضائي” حين كان يُحجب عنها “النت الأرضي”
وقد أوضحت شركة واتس آب، من خلال بيان لها مؤخراً أنه لا يجب على المستخدمين القلق كثيرًا لأن التغييرات ستؤثر بشكل أساسي على التواصل مع WhatsApp Business حصراً للتسهيل على الأشخاص في إجراء عملية الشراء والحصول على المساعدة من الشركة مباشرة عبر “واتس آب” ، ولفتت الشركة إلى أن البيانات التي قد يجري تشاركها بين “واتساب” ومنظومة تطبيقات “فيسبوك” بينها “انستغرام” و”ماسنجر” تشمل جهات الاتصال ومعلومات الملف الشخصي، وهي لا تشمل مضمون الرسائل التي ستبقى مشفرة.
إذاً فالمسألة شائكة .. ولم تتوضح معالمها بعد لكن الملفت أن فيسبوك تحاول فرض سياستها علناً وقسراً دون أن تترك خيار الرفض أو القبول لمشتركيها.. ما أثار حفيظة معظم المستخدمين.
إذاً لا خيار لنا سوى الانتظار حتى الثامن من شباط المقبل لمعرفة مدى وماهية تأثير هذا التحديث على مجموعة برامج السيد (مارك زوكربيرغ) وإن بدا الأمر مزعجاً للمستخدمين فلا بد من البحث عن البدائل الأقل ضرراً لأننا بالاساس شعب مستهلك لتلك البرمجيات ولسنا منتجين لها حالها حال معظم المنتجات الأخرى التي نستوردها ونستهلكها .. وما أكثرها.!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى