مقالات

هل حققت القرارات الدولية يومًا أحلام الشعوب ؟

رضوان الأطرش

الرئيس السابق للهيئة السياسية في محافظة ادلب
عرض مقالات الكاتب

منذ وقت طويل ،ومن اللحظة التي بدأت السياسة تتغلغل في عقولنا وتنال من اهتماماتنا الشيء الكثير، وعبر أثير راديو مونت كارلو ولندن وب ب س ، ونحن نستمع في كل نشرة وموجز إخباري شيئًا يخصّ القضية الفلسطينية، ويتم من خلالها التطرق إلى القرار 242 هذا القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22نوفمبر1967والذي جاء في أعقاب الحرب الإسرائيلية العربية، والتي أسفرت عن هزيمة الجيوش العربية ،واحتلال إسرائيل لمناطق عربية جديدة علماً أنَّ كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين الـ(15 )صوتوا على القرار ،وجاء هذا القرار كحل وسط بين عدة مشاريع مقترحة حينها، ومن أبرز فقرات هذا القرار الفقرة (أ )والتي نصّت على (انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتُلت في النزاع الأخير ) ؛وهذا البند أدخل الجميع في دوامة حذف الـ (التعريف) بعدما تم حذفها من النسخة الإنكليزية بهدف المحافظة على الغموض ،وإضافة لقضية الانسحاب فقد نصّ القرار على الاعتراف الضمني بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين ؛ويشكل هذا القرار صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي ،لتتوالى بعده المؤتمرات والقمم والجلسات المغلقة والمفتوحة ،ولتبقى كل القرارات حبرًاعلى ورق ،وتتلاشى آمال وأحلام الشعب الفلسطيني شيئًا فشيئًا وتنحسر مطالبه بملف (عودة اللاجئين ).
وربطًا بين الماضي الحزين والحاضر المؤلم ، وبين تضحيات الشعب الفلسطيني والشعب السوري التي تتشابه كثيرًا في الكثير من المواقف ،مع اختلاف شكل المحتل صوريًا فقط ومع دخول القضية السورية في دوامة القرارات الدولية ابتداءً من جنيف ثم جنيف 2012 والقرار 2118، وبيانات فيينا وبيان المجموعة الدولية لدعم سورية 2015ومجوعة أصدقاء الشعب السوري ليأتي بعد ذلك القرار الغامض جداً والذي بات محوريًا في حل القضية السورية وبخاصة في مسألة تحديد مصير الأسد ،وهو القرار 2254 الذي صوّت عليه مجلس الأمن يوم 18 كانون الأول 2015 والذي هو بالأصل (مشروع قرار أمريكي) ،وأن أخطر ما في هذا القرار هو التحول الضمني من تأييد الأسد إلى التأييد العلني وإطلاق يده في قتل السوريين على مدى السنوات الخمس الماضية ،وهذه المرة مدعومًا بقرار دولي حمل إجماع دولي من مجلس الأمن ،كما القرار 242 ،وعلة هذا القرار أن كل بند من بنوده بحاجة لتفسير واضح لأن الأطراف المعنية به والدول التي رعته فسرته كل حسب مصالحها ! علماً أنَّ هذا القرار لم يحتو جملة واحدة تدين المجرم بشار الأسد، وقد تمترس أصحاب الفيتو المستمر(روسيا والصين) خلف هذا القرار، وتحولت المطالب من انتقال سياسي إلى حرب على (الإرهاب ) ،دون تحديد واضح لتعريفه كما غاب عن هذا القرار صفة الإلزام ،وأنه كان تمييعًا للقرارات الأممية السابقة المتعلقة بالحل السياسي حسب تصريح خالد خوجة رئيس الائتلاف، ومن مطبات هذا القرار أنه ساوى بين الضحية والقاتل ،لأنه لم يدين القاتل الذي تسبب في قتل مئات الآلاف وقتها دون أي ذكر للميليشيات الإرهابية العابرة للحدود وباعتراف الصحف الدولية ومنها ال واشنطن بوست التي قالت أن هذا القرار لم يذكر شيئاً عن مستقبل الرئيس بشار الأسد كما لم يتضح المدى الذي أن تُفرض به إرادة المجتمع الدولي على الأسد أو على قوى المعارضة وأيضاً أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أنَّ قرار مجلس الأمن (حاول ) رسم خارطة طريق لإنهاء الحرب ،ولكنه لم يحل الخلافات بين القوى العالمية حول القضايا الرئيسة وتعريف جماعات المعارضة ،وأيضًا صحيفة الواشنطن تايمز التي قالت” ربما يتيح هذا القرار الفرصة لبشار الأسد للإفلات من تهمة ارتكاب جرائم حرب ” مع ترحيب به من قبل الجامعة العربية على لسان أمينها العام أبو الغيط الذي لم يقف مرة واحدة مع تضحيات الشعوب ،وكأن جامعته لحماية الحكام فقط لا لمناصرة الشعوب مع ترحيب أيضًا من هاشم رفسنجاني رئيس مصلحة تشخيص النظام الإيراني بوصفه القرار بأنه إيجابي ومقبول نسبياً شرط أن يتم تنفيذه ،وهذه إشارة واضحة أيضًا لغموض القرار كون إيران من أبرز داعمي النظام عبر ميليشياتها الطائفية ؛لتأتي بعدها أغرب مواقف التأييد لهذا القرار من الحكومة الروسية على لسان وزير خارجيتها لافروف الذي أكد على أنَّ الحل الوحيد للأزمة السورية هو قرار مجلس الأمن 2254 ،الذي يؤكد على حق الشعب السوري في تقرير مصيره وقال أيضًا إنَّ خطة ( التسوية السياسية) جاهزةً بالنسبة إلينا ،وتمت الموافقة عليها في مجلس الأمن لا في واشنطن في إشارة إلى خطة بديلة طرحها الرئيس ترامب وتعليقاً على خطة ترامب للتسوية قال لافروف ( لقد بحثنا مع ريكس تير لسون الأزمة السورية بحذافيرها وأنه لابديل عن التطبيق الصادق لقرار مجلس الأمن (2254) وهذه إشارة واضحة لتمرير روسيا هذا القرار عبر مجلس الأمن والتي تُعتبر من المدافعين عن بقاء الأسد في الحكم بالإضافة للدفاع عن مصالحها وتبرئة نفسها من جرائمها ضد السوريين، وهي إشارة أيضًا عن غموض القرار ،مع العلم منذ عام 2013 بدأت روسيا و أمريكا البحث عن حلول وسط لتسوية الأزمة ؛لكن محور بقاء الأسد من عدمه عمّق الخلاف ومازال المصير مجهولاً !
لتأتي بعدها جولات آستانة بصناعة روسية بحتة، ولتقضي على جهود هيئة التفاوض ومن بعدها سوتشي وجولاتها ،وصولاً لمؤتمر الحوار الوطني السوري في 30كانون الثاني 2018كما أسموه والذي من أبرز مخرجاته تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستو، ودعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية بعده ليدخل بذلك الملف السوري في دوامة جديدة عبر آلية تشكيل هذه اللجنة وبرامج عملها ،ولتنتهي الجولة الرابعة والتي عُقدت مؤخرًا بمخرج واحد وهو أن يكون الاجتماع الخامس – إن سَنحت الظروف في 25 كانون الثاني 2021 – ومع إصرار النظام المجرم عبر وفده على التهرب من أي مسؤولية والغوص في التفاصيل التي أغرقت الشعب مؤكدةً تصريحات وليد المعلم حين قال ( سنغرقهم في التفاصيل) ولتتحول القضية لدعمٍ لملف اللاجئين عبر مؤتمر روسي على أرض سورية عُقد في دمشق تشرين الثاني 2020 ؛ وليأخذ هذا الملف حيزًا من النقاش في اجتماع اللجنة الدستورية مع تقديم مقترح لإحداث هيئة للمهجرين ،وبذلك تتحول المطالب – إن سار المخطط كما يريدون – لذات المطالب التي وصل إليها الشعب الفلسطيني ( أزمة لجوء ) !
مؤكدين بذلك بأن القرارات الدولية لم تحقق يومًا أحلام الشعوب
فهل تخوننا القرارات أم العكس ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى