بحوث ودراسات

قانون الأنهار الدولية وسد النهضة رؤية قانونية 1من 2

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

فى خطوة مفاجئة عقب زيارة الرئيس الراحل محمد مرسي لاثيوبيا لحضور مؤتمر الاتحاد الإفريقى أعلنت أثيوبيا عن البدء فى خطوات إنشاء سد النهضة؛ بتحويل مجرى النيل الأزرق وقد أثار ذلك ردود فعل من كافة القوى والتيارات السياسية فى مصر، من هذه الردود من وضع مصر كلها كدولة نصب عينيه ومنها من حمّل نظام مرسي مسئولية ذلك رغم علمه أنه لا يتحمل مسئولية ما حدث من أثيوبيا لأنه من ضمن تركة النظام الفاسد السابق لذلك عليه عبء إصلاح ما أفسده النظام الفاسد السابق الذى كان يعتقد أنه طالما أنه فى حماية الولايات الأمريكية وأسيادهم الصهاينة فلن يجرؤ أحد على الإضرار بمصر.

سد النهضة يمثل خطرا كبيرا على مصر ،حيث يؤدى لانخفاض حصة مصر من المياه لأكثر من 20% أى حوالى 12 مليار متر مكعب من المياة وأكثر، فضلا عن تخفيض الكهرباء الناتجة عن السد العالى بنسبة لا تقل عن 20% حيث تشكل المياة الواردة لمصر من أثيوبيا أكثر من 80% من حصة مصر البالغة 55 مليار متر مكعب من المياه لذلك فإن اتخاذ أى إجراء من أثيوبيا  فى نهر النيل يؤثر على حصة مصر من المياه ومن الكهرباء لذلك يجب التحسب لذلك جيدًا لأن هذا الأمر يمس الأمن القومى المصرى بل يصل الأمر لتهديد وجود واستمرار مصر كدولة.

مياة الأمطار التى تسقط على منابع النيل تبلغ حوالى 1600مليار متر مكعب يتم الاستفادة فقط من 80 مليار متر مكعب أى 5% فقط منها فالفاقد والمهدر كبير للغاية ،وتطل على نهر النيل عشر دول إفريقية تمثل مصر أكبرها مساحة وأكثرها سكانًا حيث يزيد عدد سكانها عن أكثر من نصف عدد الدول التى تطل على النهر مما يجعل لها وزنا وثقلا كبيرا ترفضه الدول التى تحركها الأصابع الصهيونية والأمريكية وخاصة أثيوبيا التى تتزعم التمرد على الاتفاقيات الدولية التى عقدت بشأن نهر النيل وهى أكثر من ( 16) اتفاقية بداية  من البروتوكول عام 1891م  بين بريطانيا وإيطاليا بشأن تحديد نفوذ كل منهما فى شرق أفريقيا وحتى اتفاقية عام 1959م بين مصر والسودان.

وتعترض أثيوبيا على اتفاقيتى عام 1929م واتفاقية 1959م تحت زعم أن الاتفاقية الأولى لعام 1929م تمت أثناء الأحتلال وتعتبر اتفاقية إذعان لا تلتزم بها الحكومات الأثيوبية بعد الاستقلال كما أن اتفاقية عام 1959م كانت بين مصر والسودان ،ولم تكن أثيوبيا طرفًا فيها لذلك فهى لا تلتزم بها لذلك عمدت أثيوبيا على تجميع دول منابع النيل دون مصر والسودان، وأبرمت فيما بينهم اتفاقية عنتيبى فى مايو 2010م وسوف نعرض هذه الاعتراضات والأسس التى تعتمد عليها أثيوبيا فى إنشاء سد النهضة على القانون الدولى عامة ،وقانون الأنهار الدولية خاصة فى البنود التالية.

أولا: الرد على أعتراضات أثيوبيا على اتفاقيتى 1929م وعام 1959م:

= اتفاقية عام 1929م بين مصر وبريطانيا نيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا  وتنزانيا  ووأوغندا ، وتنص على تحريم إقامة أى مشروع من أى نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التى تغذيها كلها إلا بموافقة مصر، إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر على كمية المياه التى كانت تحصل عليها مصر، أو على تواريخ وصول تلك المياه إليها، ونص أيضاً على حق مصر فى مراقبة مجرى نهر النيل من المنبع إلى المصب، وتوفير كل التسهيلات اللازمة للحكومة المصرية للقيام بدراسة ورصد الأبحاث المائية لنهر النيل فى السودان ،وهذا يعنى اعترافًا بالحقوق التاريخية لمصر فى مياة النيل.

وترفض أثيوبيا الأعتراف بهذه الاتفاقية تحت زعم أنها أبرمت تحت الاحتلال فهى اتفاقية إذعان لا تلزمها بعد استقلالها ،وهذا الزعم باطل من الناحية القانونية لمخالفته المادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولى فى مجال المعاهدات لعام 1978م  ؛حيث قررت المادة الحدية عشرة أنه لا تؤثر خلافة الدول فى حد ذاتها على( أ- الحدود المقررة بمعاهدة . ب-الالتزامــات والحقـوق المقررة بمعاهدة والمتعلقة بنظام الحدود.) ويؤكد ذلك الفقرة الثانية من المادة الثانية والستين من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م ،والتى نصت على أنه لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهرى فى الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها إذا كانت المعاهدة من المعاهدات المنشئة للحدود، وعلى هذا فإنه لا يجوز للدولة الجديدة الناشئة عن الاستقلال أن تحتج بأن واقعها الجديد يمثل تغيراً جوهرياً فى الظروف يبرر لها إنهاء العمل بالمعاهدات المتعلقة بالحدود أو المرتبطة بها، والتى سـبق أن أبرمتها الدولة السلف، لذلك فالزعم الأثيوبى باطل ومخالف للقانون الدولى.

وقد نصّت المادة الثانية عشرة في نصها على أنه (1- لا تؤثر خلافة الدول فى حد ذاتها على: أ- الالتزامات المتصلة باستخدام أى إقليم، أو بقيود على استخدامه والمقررة بمعاهدة لصالح أى إقليم لدولة أجنبية والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيين.
ب-الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح أى إقليم والمتعلقة باستخدام أى إقليم لدولة أجنبية أو بقيود على استخدامه والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيين”.2- ولا تؤثر خلافة دولة ما فى حد ذاتها على: أ- الالتزامات المتصلة باستخدام أى إقليم أو بقيود على استخدامه والمقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول، والمعتبرة لصيقة بذلك الإقليم. ب-الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول المتصلة باستخدام أى إقليم أو بقيود على استخدامه والمعتبرة لصيقة بذلك الإقليم. جـ- أن نص هذه المادة لا يطبق على الالتزامات التعاهدية لدول سلف، تنص على إقامة قواعد عسكرية أجنبية فى الإقليم موضوع التوارث بين الدول وتتعلق نصوص هذه المادة بالارتفاقات الدولية، أى الالتزامات الإقليمية التى تجد أساسها فى العرف ،أو الاتفاق وتتحملها دولة الإقليم لصالح دولة أو مجموعة من الدول الأخرى ،وقوامها السماح للأخيرة بالانتفاع بإقليم الدولة المحملة بالارتفاق أو جزء منه. ومؤدى الأحكام التى أوردتها هذه المادة أن خلافة الدول فى حد ذاتها لا يكون لها تأثير على انتقال الالتزامات والحقوق المتصلة والمقررة باستخدام الإقليم، وعليه لصالح دولة أو دول أخرى، ولا يستثنى من ذلك إلا الاتفاقات الخاصة بإقامة قواعد عسكرية أجنبية فى الإقليم، فهذه لا تلتزم بها الدولة الخلف.).

ترتيبًا على ما سبق؛ فإن اتفاقية عام 1929م من المعاهدات الخاصة بتحديد ورسم الحدود أو بالوضع الإقليمي والجغرافى التى لا ينال منها التوارث الدولى أو يمسها فى شيء، وتظل سارية المفعول وتمثل التزاماً وقيداً على عاتق الدولة الوارثة، كما لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا باتفاق الدول الموقعة عليها أو وفقاً للإجراءات المنصوص عليها فى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام1969م ،وقد أكدت محكمة العدل الدولية ذلك فى أحدث أحكامها بشأن الأنهار الدولية فى النزاع بين المجر وسلوفاكيا وفي النزاع بين أوروجواي والأرجنتين بشأن نهر أوروجواي عام 2010، وقالت المحكمة إن الاتفاقات المتعلقة بالأنهار الدولية، سواء فيما يتعلق بالملاحة فيها، أو استخدام مياهها فى غير أغراض الملاحة، من المعاهدات التى لا يجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولى، أى أنها من قبيل المعاهدات الدولية التى ترثها الدولة الخلف عن الدولة السلف، ولا يجوز لها التحلل منها لأى سبب من الأسباب، والمادة الثانية عشرة من اتفاقية فيينا لعام 1978، بشأن التوارث فى المعاهدات ،هى قاعدة من قواعد العرف الدولى الملزمة لكافة الدول ،والتى لا يجوز التحلل منها أو الخروج عليها.

واتفاقية عام 1929م تتناول بالتنظيم مسائل تتعلق بالتزامات ذات طبيعة إقليمية وجغرافية، لذلك فإنها لا تتأثر بانتقال السيادة على الإقليم المحمل بالالتزامات الإقليمية (أى الإقليم محل الارتفاقات الإقليمية) من الدول المستعمرة (السلف) إلى الدول الجديدة (الخلف) وأن آثارها تنتقل إلى الدولة الخلف بحكم الواقع والقانون، ولا يمكن تعديلها إلا باتفاق جديد تقره كافة الدول المعنية، كما أن لجنة القانون الدولى قد اعتبرت عند بحثها لمشروع اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولى فى مجال المعاهدات، أن المعاهدات المتعلقة بالأنهار الدولية هى من قبيل النظم الإقليمية وفقاً للمادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الاتفاقية سالفى الذكر، وأشارت على وجه الخصوص إلى اتفاقيات نهر النيل، واتفاقية الأزروم بين العراق وإيران حول نهر الحدود بينهما فى منطقة شط العرب، والاتفاقية الموقعة بين فرنسا وسيام (تايلاند حالياً) حول الملاحة فى نهر الميكونج.

وقد تم التأكيد على حصص المياه التاريخية التي تحصل عليها الدول التي تتلقي مياه النيل بعد مرورها من الحبشة بالبروتوكول الموقع بين إيطاليا – صاحبة الولاية علي الحبشة آنذاك – وبريطانيا عام 1891م، التزمت إيطاليا بضمان وصول حصص المياه التاريخية، وأيضًا فى اتفاقية 1902م، التي وقعها إمبراطور الحبشة منيليك الثاني، مع كل من بريطانيا وإيطاليا، حيث تعهد بمقتضاها بألا يصدر أية تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأية أعمال علي النيل أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنها اعتراض سريان مياهه إلي النيل إلى الدول المطلة على النهر وخاصة مصر.

وقد تمسكت  إثيوبيا بالمادة الثانية عشرة من اتفاقية فيينا لعام 1978 م، سابقة الذكر عندما طالبت الصومال تعديل بعض النظم العينية فى علاقتها بإثيوبيا، وعلى الأخص فيما يتعلق بالحدود، وطالبت أثيوبيا تطبيق المادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من اتفاقية 1978م سالفة الذكر، وأكدت على ضرورة احترام الدولة الخلف للالتزامات العينية التى قررتها الدولة السلف، وهو ما يعنى أن إثيوبيا تؤيد احترام الاتفاقات العينية التى تضع التزامات بشأن الحدود. ومن ثم فإنه لا يجوز أن تنكرها فى حالة تمسك مصر بها تأكيداً على حقوقها التاريخية فى مياه النيل، وذلك يؤكد على شرعية اتفاقية عام 1929م سالفة الذكر وبطلان ومخالفة مزاعم أثيوبيا أو بقية الدول المطلة على نهر النيل للقانون الدولى، ويؤكد أحقية مصر فى حصتها التاريخية فى مياه نهر النيل.

اتفاقية عام 1959م بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي، وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما: زعمت أثيوبيا أن هذه الاتفاقية لا تلزمها لأنها لم تكن طرفا فيها، وهدفت لتحقيق الفائدة المشتركة لكل منهما دون إضرار بالحقوق التاريخية لكل منهما، أو الإضرار بحقوق باقي الدول المطلة على نهر وأكدت هذه الاتفاقية احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها، هذه الاتفاقية كانت لتنظيم الاستفادة من حصة كل منهما فى ماء النيل بين الدوليتن دون التعرض لحصص باقى الدول المطلة، في الأول من يوليو 1993م وقع الرئيسان المصري والإثيوبي اتفاق القاهرة، الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل، وتعزيز المصالح المشتركة، ونص على تعهد الطرفين بالامتناع عن إجراء أي نشاط يلحق ضررا بمصالح الطرف الثانى فى الاستفادة بمياه النيل، مع التعهد بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، والعمل سويا علي زيادة حجم التدفق، وتقليل الفاقد من مياه النيل في إطار خطط تنمية شاملة ومتكاملة. واتفقا الطرفان علي إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك منها مياه النيل، وتعهدا بالعمل علي التواصل وللتعاون بين دول حوض النيل لزيادة الاستفادة من مياه النهر.

ثانيا: سد النهضة فى قانون الأنهار الدولية: يقوم قانون الأنهار الدولية على عدة مبادئ وردت فى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تنظيم أستخدام المجارى الدولية لغير أغراض الملاحة لعام 1997م، منها ما يخص موضوع سد النهضة منها مبدأ حسن الجوار ،ومبدأ الانتفاع والمشاركة المنصفان والعادلان الوارد فى المادتين الخامسة والسادسة من الاتفاقية،  وطبقا لهذا المبدأ يكون لكل دولة مطلة على نهر النيل حق أستخدامه استخداما منصفا ومعقولا مع عدم الأضرار بباقى الدول المطلة على النهر ويطلق عليه أيضا الانتفاع البرئ أو النظيف ويعتبر إنشاء سد النهضة فى أثيوبيا مخالفًا لهذا المبدأ وذلك لإضراره بحصة كل من مصر والسودان من مياه نهر النيل، ويخالف أيضا إنشاء سد النهضة، مبدأ الالتزام بعدم التسبب فى ضرر جسيم للدول الأخرى المطلة على النهر الوارد فى المادة السابعة من الاتفاقية، وهذا السد سوف يضر بكل من مصر والسودان، كما يخالف مبدأ الألتزام بالتعاون بين دول المجرى المائى الدولى المادة الثامنة من الاتفاقية سالفة الذكر، حيث أنفردت إثيوبيا بتقرير إنشاء هذا السد دون التشاور والتباحث بين بقية الدول المطلة على النهر.

وقد ألزم قانون الأنهار الدولية الدولة المطلة على نهر دولى التى تريد أتخاذ أى إجراء يتعلق بالنهر بالإخطار المسبق لبقية الدول المطلة على النهر تبين فيه بوضوح تام ماهية الإجراء الذى تنوى اتخاذه ويجب أن يتضمن هذا الأخطار المسبق كافة البيانات والمعلومات عما تنوى عمله، مع ضرورة التشاور والتفاوض مع بقية الدول المطلة، بيان مدى تأثير هذا الإجراء على مياه النهر الدولى، وفى حالة التأكد من عدم إضرار هذا الإجراء بأحدى الدولة المطلة يجب على الدول المطلة الموافقة على إتخاذ هذا الإجراء، ولكن حال تبين وقوع ضرر من هذا الإجراء يجب على الدولة الامتناع عن أتخاذ أى خطوات للقيام بهذا الإجراء. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى