مقالات

رأي في أحداث أمريكا

د. ياسين الحمد

أكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

الحلم الأمريكي ، والديمقراطية هو ما تحتاج إلى أن تتعرف عليه  ،سواء كنت معارضًا لأمريكا أو مؤيدًا لها ، محبًا لأمريكا أو كارهًا لها . 
حثّ رئيس الولايات المتحدة ترامب مناصريه على اقتحام  مبنى الكونغرس الذي كاد يعلن أنّ الزعيم الديمقراطي بايدن الرئيس الجديد ؛ أرسل ترامب القائد الأعلى ورئيس الحكومة  أتباعه إلى إجراءات غير دستورية ،وغير قانونية ضد الكونغرس في الولايات المتحدة .

المواطنون الناشطون مستعدون وبقوة دائما للخروج ،والتعبير عن مواقفهم ،وترامب يدعمهم ، وتحول لملهم لهم ، فقط – بعد ساعة- تقتحم حشود من أنصاره الكونغرس ، ولا يخاف الأميركيون من المخاطرة بأنفسهم واقتحام  الكونغرس لأول مرة في التاريخ ، ويعيثون خرابًا في قاعاته! 
الشرطة اطلقت النار على أربعة  متظاهرين ، ولكن المهم بالنسبة لأنصار ترامب فقد تمّ أسر البرلمان ومجلس الشيوخ وتعطيل الجلسة وخروج ممثلي الأمة من الكونغرس . 
يعتقد البعض، أويبدو لهم  أن ثمة كارثة بدأت تضرب أمريكا من الداخل ، وهي كارثة سياسية في أعلى سلطة ، كارثة ستودي بالدولة ،وتذهب بالمجتمع نحو الانقسام ؟!

  لكن الحقيقة غير ذلك !
نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي يفقد السلطة بعد فوز بايدن خلال أيام ، كان أول من يعارض لأعمال الرئيس الأمريكي ؛ وتحمل مسؤولياته الدستورية بشجاعة ، بل وأمر بنشر القوات الخاصة  بحماية الكونغرس ،وطرد من دخل المبنى ،وكذلك أدان أسر الكونغرس ، كما أدان معظم  الرؤساء الأمريكيين السابقين ومنهم من أركان الحزب الجمهوري الحاكم ، ومنهم جورج بوش الابن وغيره على الفور استفزاز الرئيس ترامب ، “صرّح بوش بأنّ هذة الطريقة في الاعتراض لا تحدث إلاّ في جمهورية من جمهوريات الموز،وليس في دولة رائدة في الديموقراطية ” ، كما أنّ العديد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ الجمهوريين وقفوا بحزم ووضوح ضد سلوك الرئيس ترامب ، وعلى أثر ذلك سحبوا جميع الدعاوى القضائية ، وقد اعترفوا بشكل فوري ببايدن كفائز،والرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية . 
ودلالة رسوخ مفهوم الدولة ؛ حاكم ماريلاند ممثل الحزب الجمهوري الحاكم كان أول من أرسل الشرطة  والحرس الوطني إلى العاصمة لمنع تلك المهزلة ! 
كما قامت جميع وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسة على الفور بحظر جميع دعوات ترامب، لمنع تحريضه لاقتحام الكونغرس ،بل وصل الأمرلإزالة حساباته ،واعتبرته تجاوزًا لحرية التعبير ،ولذلك لا يسمح لأحد بخرق القانون والدستور وتهديد أمن الدولة ،ولا حتى رئيس الدولة ، فالحظر لمنع أي تشققات في الدولة أهم من رئيس الدولة نفسه!
الشرطة والحرس الوطني قاما بتطهير العاصمة في أسرع وقت ،واستمر الكونغرس في جلساته والعمل لمدة 14 ساعة متتالية وسرعان ما أعلن بايدن رئيسًا جديدًا . 
سرعة الاستجابة ، واحترام الدستور ، وقيم الديمقراطية التي تشرّب بها المجتمع الامريكي ،أبانت أن الرئيس ترامب أصبح معزولاً منبوذًا في الدولة ،وفي حزبه السياسي ،وفي شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام كافة ، والقوى الفاعلة والنخب ،واخذت مؤسسات الدولة دورها الدستوري  وتمّ ذلك خلال أربع ساعات فقط .
ولذلك خرج ترامب يناشد أنصارة الامتناع عن الاعتداء والعنف ـترامب لم يخسر فقط ،وإنما غطى نفسه بالعار!

وبناء على ما حصل نستخلص :
• بأن الحياة الديمقراطية راسخة في الولايات المتحدة ، وكان من المستحيل أن يحدث أي سلوك  خارج التقاليد والحياة الديموقراطية وخارج الدستور والقوانين ،لأن الدولة بمؤسساتها  تتحمل المسؤوليات بمهنية عالية ،وتحافظ على الدستور التي أقسمت اليمين في الحفاظ عليه ، وهذا يتبدى في السلطة السياسية التي تحترم المنافسة السياسية ، وأن الشعب يحمي الدولة ، حتى الحزب الحاكم يعمل على أن السمعة والقانون والدولة أهم من الطموحات السياسية الخاصة  للقادة السياسيين .
• كما أن كافة مؤسسات الدولة والقائمين عليها يعرفون دورهم ومكانتهم وصلاحياتهم  الدستورية والقانونية وتخضع للدستور،وإرادة الشعب  وممثليه المنتخبين . 
 • ظهرت أمريكا للعالم من جديد ،أن ديموقراطيتها قوية وراسخة ،وهي القوى العظمى الديموقراطية ، وهذه القوة  تحتاج للتعلم واستخلاص الاستنتاجات منها ،سواء  كنت تعارض التجربة والمنهج الأمريكي أو تتفق معه ، سواء كنت تؤيد أمريكا أو تعارضها .   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى