بعد عشرة أعوام من اندلاع الثورة السورية العظيمة، و تحقيق انتصارات العزِّ، و الفخار على جيش آل الأسد، و ميليشاته. رغم قلة السلاح، و رداءته بأغلب الأحيان، و لا مركزيتها بقيادتها في خوض معارك العزة، و التحرير، و ما مورس بحقها من حصار من قِبل أصدقائها، قبل أعدائها؛ كانت الأحداث، و المحن التي مرَّت بها كفيلة للشعب السوري بأن تعطيه الثقة بالنفس، و تعزز له الإيمان أكثر بأن لا خلاص بحلول سياسية، أو مؤتمرات إقليمية، و دولية. و لن تتحقق أهداف الثورة، و تتحرر سورية إلا من خلال سواعد الثوار. الأمر الذي يطرح هذا التساؤل علينا؟ ما هو مستقبل سورية؟ و لمن القول الفصل في نهاية الصراع الذي لا زال مستمراً حتى حينه رغم كثرة اللاعبين الإقليميين، و الدوليين، و الملعوب فيهم من المحليين؟
الجميع يعرف بأنه يوجد قوتان متضادتان في سورية. قوة آل الأسد المتمثلة بجميع المؤسسات التي اغتصبوها أثناء انقلاب المقبور حافظ الأسد، و جيَّروها، و سخروها لخدمة أطماعهم، و استغلوها لتحقيق مصالحهم الخاصة في الحفاظ على السلطة، و عدم السماح للآخرين بالوصول إليها. و هذه القوة مشرعنة، و مدعومة في وجه الثورة من قبل المجتمع الدولي على جميع الأصعدة العسكرية، و السياسية، و الإعلامية، و الاقتصادية، و القضائية، و الاستخباراتية، و المالية، و حتى في مجال الخبرة لقمع المظاهرات، و الثورات. و هذا ما ظهر حقيقةً للشعب السوري، و للرأي العام العالمي بأنَّ حجم التعاون الوثيق ما بين آل الأسد، و مؤسسات المجتمع الدولي فاق كل تصور، و توقُّع.
وفي المقابل نجد أنَّ هناك قوة أخرى مضادة لقوة آل الأسد، و من يحالف هذا الأخير، و يقف معه. و التي لا تزال موجودة على الساحة الثورية السورية و بثبات، و هي قوة الثورة، و من يحتضنها من الأهل، و الأخوة، و الأبناء. و إن لم يكن لها الدينامية القوية التي ترغبها لحسم الصراع لصالح الشعب الثائر. و هذه القوة تمتلك الإرادة الصلبة، و العزيمة القوية، و العناد في الحفاظ على مكتسبات الثورة، و عدم الإفراط بما حققه الثوار من إنجازات، أو تضييع، و هدر لدماء الشهداء.
فعن طريق الصراعات الدائرة في سورية ما بين الثوار من جهة، و آل الأسد من جهة أخرى؛ تعرى المجتمع الدولي بجميع مؤسساته ليُظهر للعالم أجمع حجم النفاق، و الوقوف إلى جانب الإجرام، و الإرهاب الذي يمارسه آل الأسد بحق شعبٍ كاملٍ طالب باستعادة حريته، و كرامته المسلوبة منذ عقود. و هنا تظهر أهمية سورية كموقع، و دولة. كما يظهر ثقل، و وزن آل الأسد في المنظومتين الإقليمية، و الدولية. و عظم الخدمات المتبادلة ما بين الطرفين المذكورين التي قدمها كل منهما للآخر على حساب عشرات الملايين من السوريين دماءٍ، و تضحياتٍ، و عذابات. ولأجل الحفاظ على عرش آل الأسد، و لتتويج الهزائم العسكرية بنصر سياسي؛ فقد سيطرت القوى الإقليمية، و الدولية على ظلِّ الثورة أو ( خيالها إن صحَّ التعبير )، و هرعت لإنشاء هياكل قامت بتسميتها بمسميات تتسم بالصفة الثورية، و أبعدوا عنها كل حرٍ، و شريف يعمل على إسقاط حكم الأسد. كما زرعوا المئات من الجواسيس فيها. ناهيك عن تعيين رؤساء، و أعضاء يعملون لصالح الطرف المعادي للثورة. و رغم ذلك لم يستطيعوا نزع اعتراف من الشعب السوري بهذه الهياكل، أو فرض تلك الرؤية، و القرارات التي تصدر عنها على الثائرين بوجه الظلم، و الطغيان، و الاضطهاد المحلي، و من يقف معه، و يدعمه إقليمياً، و دولياً. الأمر الذي ينتج عنه أنَّ مستقبل سورية بيد السوريين الأحرار، و ليس باتباع ، و فرض سياسة الأمر الواقع.
السنوات العشر المنصرمة كانت كفيلة للشعب السوري الثائر على حكم آل الأسد، و الموالي له بإظهار خيانة الأخير، و كشف فساده، و استغلاله للطوائف للعب بها من أجل تثبيت حكمه. و هذا ما لمسه مؤخراً مؤيدوه في معاقل حكمه، فانقلبوا لمعادين له، متمردين عليه. الأمر الذي ربما يجد تلاقياً بين مختلف أطياف الشعب السوري و الذي نعتبره كثائرين يصب في مصلحة الثورة في الحفاظ على سورية، و إضعاف حكم الأسد، مما قد يعجل بقلب الموازين، و خلط الأوراق في المنطقة من جديد.
وعلى الرغم من وقوف العالم أجمع بوجه الثورة، و رغبته بعدم تغيير نظام الحكم فيها، و تطويق الثوار، و محاصرتهم، و تجريدهم من أسلحتهم، و ممارسة التضييق، و الخناق عليهم حتى في أماكن نزوحهم، و مخيماتهم التي يقطنون فيها؛ إلا أننا نرى أن وعي، و إدراك الحاضن الثوري يتسم بالنضوج، و الإلمام بالأحداث و تحليلها. الأمر الذي يسرع بإفشال المخططات. وبالتالي؛ الإسراع بالتحرر من الهيمنة، و الوصاية الخارجيتين، و عدم الرضوخ لهما. و الالتفاف حول الثوار. و أن القول الفصل في الثورة السورية هو للأحرار الذين قدَّموا التضحيات، و بذلوا الأرواح، و الدماء رخيصة في سبيل نيل الحرية، و الكرامة. فلا حلَّ سياسي بعد أن فشلت جميع الجهود الإقليمية، و الأممية بنزع اعتراف شرعي من الحاضن الثوري بالهياكل التي شُكِّلت بأصابع استخباراتية، أو ما نتج عنها من مفرزات. و لا حسم عسكري بعد استخدام، و استنفاذ كل ما يملكون من الترسانة العسكرية التقليدية، و المحرمة دولياً بحق المدنيين السوريين.
فلا الإرهابي بشار الأسد استطاع السيطرة على الثورة، و لا المجتمعين الإقليمي، و الدولي استطاعا إفشالها، و الأكثر من ذلك، و الذي يبعث على الطمأنينة؛ بأنَّ اليأس لم يتسرب لنفوس الثوار، أو ينالهم التشاؤم، و القنوط، أو يصيبهم الإحباط لما حلَّ بهم، و ارتحل معهم. فلا حلَّ في سورية سوى بالنصر الذي ينتظره شعب سورية من قبل الثوار، و ليس من قبل الوصايات، و الإملاءات، و الحلول الخارجية المفروضة عليهم. و أن الثورة ستتوج بالنصر، و أنَّ الذين حاولوا السباحة في المستنقع السوري سيغرقون فيه إلى غير رجعة.