الفتوحات الناعمة!
من يتأمل تأريخ الفتوحات الإسلامية يجد أنها فتوحات ناعمة في الأساس، حيث تولى أمرها أولو الأيدي والأبصار، فأولو الأيدي من الأمراء أزالوا العوائق التي تمنع الناس من حرية الاختيار، بينما تولى أولو الأبصار من العلماء فتح العقول والقلوب بالإيمان.
وكم يحتاج الناس في زماننا لمن يفتح عقولهم بالحكمة ويفتح قلوبهم بالحب والقدوة الحسنة، ولكن كيف يمكن أن يفتح العقول والقلوب من يعانون من عقول منغلقة وقلوب موصدة؟!
حينما خرج الحكام عن سكة الخلفاء الراشدين فقدت الأمة الإسلامية جزءً مقدراً من رشدها السياسي، لكن النسبية ظلت حاضرة، بمعنى أن المسيرة لم تنقطع تماما والأمور لم تتغير بشكل جذري، غير أنه كان من الواضح أننا كلما عدنا للخلف أكثر كانت القيم الإسلامية أشد حضورا وأقوى تأثيرا.
ومن ثم فإن الشعوب التي اعتنقت الإسلام في أيام بني أمية كانت أفضل حالاً ممن أسلمت في عهد بني العباس، أما في أيام العثمانيين في أوروبا والمغول في الهند؛ فإن الشعوب قد أبقت على غالبيتها غير الإسلامية؛ لأن القدوة الحسنة كانت غائبة لدى الأمراء، وفي ذات الوقت لم يقم العلماء بدورهم المفترض في فتح العقول والقلوب، ولا سيما أن الأوضاع السياسية لم تساعد على ذلك، بعد أن اتسعت المسافة بين ما هو كائن في واقع التدين وما ينبغي أن يكون في الواجب الذي يتطلبه الدين.