منوعات

أحداث لا تُنسى

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

قبيل نهاية العام 1990 وبينما كنا أنا وزملائي أفراد الدورة 59/دفاع جوي نتحضر للتسريح من الخدمة الإلزامية وقد أنهينا إجراءات “براءة الذمة” وسلمنا أمتعتنا وأدواتنا العسكرية ولم يبقى لنا سوى انتظار صباح اليوم التالي كي نتسلم الهوية المدنية ونغادر قيادة “اللواء 38” دفاع جوي
الواقع في منطقة تابعة لمحافظة درعا على طريق بصرى الشام والذي كان مسؤولاً عن حماية “مطار الثعلة” والمنطقة الممتدة من داعل حتى الحدود الفلسطينية، لكن برقية معاكسة وصلت تلك الليلة مفادها الاحتفاظ بنا كإحتياط عسكري بسبب الأحداث التي استجدت جراء دخول القوات العراقية إلى الكويت والتطورات التي تبعتها .
وفي الثامن عشر من كانون الثاني/يناير من العام 1991 بدأ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بإطلاق صواريخه نحو إسرائيل مع انطلاق عملية “درع الصحراء” حيث كانت المناطق المستهدفة تتمركز في “تل أبيب” و “ميناء حيفا” و “صحراء النقب”، ما خلف عشرات الضحايا و حالات من الهلع والفزع في صفوف الاسرائيليين .


لم تكن القنوات الفضائية قد توفرت حينها ولا الشبكة العنكبوتية ولم يكن لنا من مصدر إعلامي للمعلومات سوى الإذاعة والقنوات الأرضية الاسرائيلية التي نشرت كاميراتها ووحدات بثها المباشر في الشوارع و التي كان يصل بثها التلفزيوني إلى منطقتنا وكنا نلتقط ترددها عبر الهوائيات المعدلة التقليدية حيث استمر بثها في تلك الأيام على مدار 24 ساعة لتغطية الأحداث وتوجيه الإسرائيليين إلى كيفية حماية أنفسهم من تلك الهجمات، فكانت تقطع بثها وتطلق صافرات الإنذار قبيل كل دفعة من الصواريخ العراقية وكنا نهرع بالصعود إلى سطح المبنى ليلاً كي نشاهد وميض الصواريخ القادمة من غرب العراق باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث كانت تستقبلها العشرات من صواريخ الباتريوت لتلتف بعض تلك الصواريخ الدفاعية وتسقط معها لتضاعف الأضرار حيث ثبت فشلها في اعتراض معظم الصواريخ العراقية ، وما لفت انتباهي أن معظم ضباط اللواء وبخاصة المجندين منهم لم يتمكنوا من إخفاء ابتهاجهم بوقع تلك العملية رغم سوء العلاقة بين نظامي دمشق وبغداد ..  نعم شهدنا ذلك بأنفسنا فقد كنا في منطقة المثلث الحدودي القريب من الحدود الفلسطينية والحدود الأردنية، ولطالما تساءلت حينها كيف يمكنني توثيق تلك اللحظات عدا ما تم تخزينه في ذاكرتي من تلك الصور، فلم تكن الهواتف المحمولة قد توفرت بعد ولا الكاميرات الرقمية الحديثة.


وما دعاني اليوم إلى تذكّر تلك اللحظات هو الإفراج عن بعض الفيديوهات والصور التي وثقت تلك المرحلة والتي بثتها بعض القنوات العبرية و”قناة RT الروسية” مؤخراً حيث أعادتني بالذاكرة إلى ما قبل أكثر من ثلاثين عاماً لأحداث شهدتها بنفسي وتم التعتيم عليها إعلامياً لثلاثين عامٍ مضت ، بل ادّعت الكثير من القنوات الإعلامية فيما بعد أن تلك الصواريخ كانت خلبية ولم تؤثر على الإسرائيليين وهذا كذب وافتراء محض أريد منه التقليل من هول تلك الواقعة التي أثبتت وفضحت هشاشة الوضع الإسرائيلي وأن قوة إسرائيل الحقيقية لا تكمن في تفوقها العسكري بل تكمن في عدد عملائها من أنظمة وظيفية مقيتة تحولت اليوم من مرحلة خداع شعوبها إلى مرحلة الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي بعد أن كُشفت أوراقهم وبانت سوءاتهم ولم يعد لهم من ملجأ سوى من سلّطهم على رقاب شعوب المنطقة وحماهم من السقوط.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى