مقالات

بين العام الجديد والعقد الجديد.. دعوة للتفاؤل

عزت النمر

كاتب ومحلل سياسي مهتم بقضايا مصر والأمة
عرض مقالات الكاتب

يصعب على المرء التنبؤ بأحداث العام الجديد 2021 بشيء من الثقة واليقين، خاصة بعد انصرام سنة 2020 التي غصت بأحداث كبرى، ولم ترحل إلا بعدما تركت صراعات منها ما هو ظاهر وما هو مكتوم، وخلفت احتقانات والتهابات أقرب للانفجار منها الى التهدئة والتبريد.

أظن وليس كل الظن إثم، أن حجم الإحَن والقروح التي خلفتها 2020 كافية لأن تُغلِّب عند كثير من العقلاء والمحللين والساسة جانب التشاؤم على أي باب من أبواب التفاؤل والبِشْر.

حقيقة لا بأس من الإقرار بها، أن تَرِكَة 2020 شديدة البأس في كافة النواحي، حتى أنها لم تجد لها مثيل في أعمار هذا الجيل سواء الشبيبة الناشئة أو كهول المعمرين. وحسبنا منها تلك الجائحة التي فيها نبتت، ولا نعلم على وجه اليقين متى تنتهي؟.

جائحة كورونا أو كوفيد 19 وفواجعها المتعددة لم تقف فقط عن حد الخسائر الضخمة في الأرواح أو التعثر المدمر في الاقتصاد فحسب أو التعطل الحاد في حركة الحياة البشرية، لكن أثارها الوخيمة امتدت إلى أن أزالت بقايا اليقين في حياتنا لصالح الشكوك والريب، واتسعت دوائر نظرية المؤامرة حتى طالت مسائل الحياة العامة والتجارة والصحة والطب، ولم يعد الشك يتوقف عند حكومات الإقليم العميلة فحسب، بل تجاوزها، لعدم الثقة في أي منظومة عالمية، وتعدى الأمر المنظمات الدولية السياسية المعروفة بغدراتها وتآمرها، ليشمل فقدان الثقة ميادين الصحة ومقررات الثقافة ونظريات العلم.

على المستوى الشخصي؛ لا أركن كثيراً لضغوطات التشاؤم ولا أترك نفسي لمهاوي واحباطات الواقع، ورغم أني أشارك العالم كله مآسي العام المنصرم وآثاره الممتدة، إلا أن الأمر عندي لا يخلوا من نظرة أعمق تفتح باباً يفيض بكثير من البشارة والأمل.

أحب أن اتجاوز عام 2020 مع إقراري أنه ليس عاماً عادياً، بل سنة كبيسة ثقيلة الوزن كئيبة الأثر، لذا أميل الى توصيف آخر للفترة الزمنية التي نحياها، وأرى أن القراءة ينبغي أن تكون أكبر من هذه السنة الكبيسة، لتكون النظرة الأكثر واقعية أفضل وأصدق لعقد كامل من الزمن سواء ما مضى أو ما هو آت.

التحول من النظرة الضيقة المحبوسة في عام 2020 الى نظرة أوسع لعقد كامل منقضي 2011-2020، وعقد آخر نستقبله 2020-2030 له عندي ما يبرره.

وجهة نظري أن عام 2020 لم يكن إلا خاتمة طبيعية وواقعية للعقد الصعب الذي بدأ في يناير 2011، لنقول بمنتهى الواقعية أنه على الرغم أنه بدأ بآمال وطموحات وبشارات وأحلام، إلا أن كل ما سبق لم يدم في هذا العقد أكثر من عامين أو ثلاثة، لتستقبلنا بعدها سبع سنوات عجاف فيها من القروح والجروح والإحباط والألم، أضعاف أضعاف ما تبدى لنا من طموح أو أمل.

ومع كل هذا الألم في عقدنا الصعب المنصرم إلا أنه من باب الإنصاف يحسن بنا أن نسميه؛ عقد الكفاح والتضحية والتغيير والتجربة والمخاض الحقيقي لجيل جديد تنشؤه وتربيه الحوادث والمحن، وجيل قديم تكسبه قسوة الظروف نضجاً وبصيرة ووعياً ما كان ليكتسبها في حياة الاستكانة والدعة التي ألفها وتعود عليها.

نعم انقضى عقد تربية المحن ومخاض جلاء القيم بمراراته، ليترك رصيداً متجذراً – ونضجاً وزاداً وتجربة- كان ضرورياً لعقد جديد ربما يكون عقد جني الأرباح وتحقيق المكاسب وإقرار القيم الكبرى وإقامة الذات لأوطاننا والأُمَّة على السواء.

أعتقد أن العام الجديد 2021 سيمثل مدخلاً هاماً للعقد المبشر القادم، وأتأمل أن ينتج هذا العقد – في محيطنا العربي والإقليمي – تجربة النجاح والتغيير بعد تجربة الفشل التي كانت هامة ولازمة.

وأياً كان حجم الإنفراجة التي سنستقبلها في 2021، فإن كل الزوايا المنفرجة تبدأ ضيقة لكنها سرعان ما تتسع لتصبح قادرة على استيعاب حجم التغيير المطلوب وحجم الطموح والأمل وضخامة الانتصار المنتظر، وعظمة التمكن.

أكاد أرى واقعنا اليوم يمتلئ بكثير من المبشرات من مرتكزات التغيير المأمول، سواء في جانب القيم أو في حقائق مادية ملموسة على الأرض.

على مستوى القيم، تتخلق اليوم قيم وأخلاق في أجيالنا الجديدة من رفض الظلم والرغبة في التغيير وهمة الثأر وحنين إلى الحركة والبذل.

نعم لازالت كثير من هذه القيم مكتومة، كونها محكومة بأسباب تتعلق بموازين القوة ومسببات القهر، لكن هذه المعوقات والضواغط على رصيد القيم النامي قد تكسب بعض الوقت، لكنها ستتلاشى وتزول عند لحظة وشيكة تتفجر فيها تلك القيم تحت مطارق من الهمة والرغبة.

على جانب آخر أرى أن أجيال الخنوع والاستكانة والخور تولى وترحل، بل إن قطعاناً محسوبة في هذه الأجيال لكنها محبوسة فقط رهينة تحت ضغط الوقع وقسوة الظرف. هذه القطعان ستتمرد على السوء وستتجاوز انكساراها، ومن ثم تلحق بجيل التغيير عند أول انفراجه أو تحول.

وفي ذات السياق أرى مفاصلة حادة تميز الواقع، مع ميزان يعتدل تدريجيا ويتغير في صالح الوعي على حساب الجهالة والمكابرة والعند، في الوقت الذي تزيد فيه هامشية السذج والدهماء ليخرجوا من معادلة القوة بلا أثر، بعد أن استطاعت قوى الاستبداد أن تحشرهم في صفها في العقد الكئيب المنتهي وتتاجر بهم كأرقام لا أوزان، وكعرائس متحركة لزوم اللقطة والمزايدة ليس غير.

نقطة أخيرة في هذا الباب، وهي إن قوى الثورة المضادة وسدنة الاستبداد لم يعد لديها ما تغري به الجماهير، وتعرت تماماً من أي فضيلة أو قيمة، وباتت مرتبطة بكل رذيلة منكرة، فسارعت بمنتهى الفجاجة والفجر إلى المجاهرة بالسوء والانتماء والاستقواء بالفُحْش، فضلاً عن مظاهرة العدو تطبيعاً ومسافحة؛ لتخسر آخر أوراقها ويكثر التنازع والصراع والفرقة بين مراكز قواها التاريخية، ولم يبقى في رصيدها إلا البندقية والقوة المفرطة، وحتى هذه لن تنفعها إذا قامت الساعة وتحركت الجماهير وجَدَّ الجِد.

على مستوى الحقائق على الأرض؛ محلياً وإقليمياً وحتى عالمياً، ثمة تغيرات حثيثة تبشر بتغيير نوعي في موازين القوى، وتؤذن بتغير مشهد النظام العالمي ذي القطب الواحد، وظهور مراكز قوة وتأثير لها كلمتها إقليمياً وعالمياً، وربما تنشأ كيانات جديدة تخصم من أرصدة القوة العتيدة التي بدأ بعضها يتحلل ويضعف.

ولعل من الشواهد أن بدأ عامنا الوافد 2021 بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك في يومه الأول، الذي هو أول يوم في العقد الواعد المنتظر.

أري في هذا الخروج البريطاني وفي توقيته رمزية شديدة الجرس والرنين، وتزداد رمزيتها ودلالاتها باتفاقية تجارة حرة عُقدت بين بريطانيا وتركيا وصفت بالتاريخية، وذلك في اليوم الثاني من العقد الجديد.

على جانب أخر، شواهد كثيرة تؤكد أن أمريكا اليوم ليست كأمريكا الأمس، ولعل العقد المنقضي أظهر لنا أمريكا ترامب بكل ما فيها من تناقض وتخبط، ويبدأ عقدنا الجديد وأمريكا تتنازعها شيخوختين، ولعل ما حدث بالأمس -من اقتحام للكونجرس- أبعد من مجرد رمزية على مستقبل أمريكا وحالة الضباب وربما التحلل التي تنتظرها.

وليست الصورة البادية لروسيا بعيدة عن صورة الإتحاد الأوربي وأمريكا، إذ يحيط الغموض بمستقبل بوتين روسيا، التي ربما لن يكون مستقبلها الوشيك كماضيها القريب أو البعيد.

شواهد كثيرة من التحلل تترى لدى قوى الغرب العتيدة، مع تنامي مظاهر تطور إيجابي في قوانا الناشئة، ولعل بشارات كثيرة تملأ الفضاء بأن تركيا ستدخل العقد الجديد لتمثل الحصان الأسود في تغيير موازين القوى سياسياً وعسكرياً وربما اقتصادياً أيضاً.

وعلى ذكر الرمزيات لعل ما حدث من مصالحة خليجية في الأسبوع الأول من هذا العقد الواعد، تمثل أحد الرمزيات سواء على مستوى انتصار القيم على حساب القوى، أو حتى كرمزية في التئام جروحنا ومظهر من التطور الإيجابي المنتظر لدينا.

أرى أن الواقع المحيط سيزداد اشتباكاً وستتغير بذلك الكثير من المعادلات، وأعتقد أننا بصدد أيام وأحداث وتطورات يعدها الله لدينه وأمته ولشعوب الأرض المستضعفة؛ ليكون هذا العقد الجديد ميدان لخريطة جديدة تحتفل فيها أمتنا وأوطاننا براية القوة والحرية والتمكن، وتكتب تاريخ واعد لعالم تقوده الأخلاق والقيم، بعز عزيز أو بذل ذليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى