دين ودنيا

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في محبته – 21 من 27 – ثمار محبته

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

ولمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ثمار تجنى، وأزهار تقطف، ومنافع يحصلها العبد في الدنيا والآخرة، وسأكتفي بذكر عدد منها:

  1- حب الله لنا:

وأول هذه الثمار هي حب الحق سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ واللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْم}(آل عمران:31) فمحبته جلّ وعلا لأي عبد من عباده مرتبطة بمحبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم بمعناها الحقيقي الذي يستوجب طاعته ومتابعته صلى الله عليه وسلم.

2- حب الرسول لنا:

فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بادله الرسول صلى الله عليه وسلم حبا بحب، ومن أعجب ما جاء في ذلك ما ذكره عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[1]».

3- مرافقة النبي في الجنة:

ومن ثمار هذه المحبة: مرافقة النبي في الجنة. فالمرء يحشر مع من أحب، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ[2]».

وقد نزل القرآن ليبشر ثوبان بهذا، ذكر القرطبي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ، فَقَالَ لَهُ: “يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ” فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي ضُرٌّ وَلَا وَجَعٌ، غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ وَأَخَافُ أَلَّا أَرَاكَ هُنَاكَ، لِأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ هِيَ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ فَذَلِكَ حِينَ لَا أَرَاكَ أَبَدًا، فأنزل الله عز وجل قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}(النساء:69)[3].

4- حب المسلمين:

ومن ثمار هذه المحبة: حب المسلمين، فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحصل على محبة المسلمين، وما رأينا أحدا أبغض رسول الله ومال الناس إليه.

بل كان الصحابة يحبون من أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلب حبه صلى الله عليه وسلم للبعض حب المسلمين لهم. روى الطبراني أن عمر كان يقول للعباس: فَوَاللهِ لَإِسِلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ[4].

وما أفقهه عمر حين أصاب الناس القحط، فلم ير أفضل من العباس عم الرسول ليستسقي به -أي بدعائه – فيقول: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» ، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ [5].

5- تذوق حلاوة الإيمان:

ففى الصحيحين عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ “ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ [6]“، قال النووي: قال العلماء رحمهم الله معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا، ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم[7].

وقال القاضي عياض هذا الحديث بمعنى حديث “ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا[8]“، وذلك أنه لا يصح المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة وحب الآدمي في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوى بالإيمان يقينه واطمأنت به نفسه وانشرح له صدره وخالط لحمه ودمه وهذا هو الذي وجد حلاوته[9].

6- كمال الإيمان:

ومن ثمار هذه المحبة: كمال الإيمان:فالعبد مهما حصل من الأعمال الصالحة؛ فلن يصل إلى درجة الكمال في إيمانه حتى يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل يستوجب عليه أن يكون هذا الحب مقدم على كل حب، وفي البخاري أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ” فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ»[10].

قال ابن حجر: قال بعض الزهاد تقدير الكلام لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه الهلاك[11]. قال ابن حجر: قوله “الآنَ يَا عُمَرُ” قال الداودي: وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه إنما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف بالله كاذبا، فلما قال له ما قال؛ تقرر في نفسه أنه أحب إليه من نفسه فحلف[12].

قال الخطابي: حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار، إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه، لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله “الآنَ يَا عُمَرُ” أي الآن عرفت فنطقت بما يجب. وأما تقرير بعض الشراح الآن صار إيمانك معتدا به، إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب في العبارة[13].

  7- الحصول على كمال الأخلاق:

ومن ثمار هذه المحبة: الحصول على كمال الأخلاق. فكمال الأخلاق لن يتأتى للعبد إلا إذا تابع النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به، والحق سبحانه وتعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم لن يكون إلا بعد الحب له، والاقتناع بكل ما جاء به. وهنا يحصل العبد على كمال الأخلاق.

8- ذهاب الهم ومغفرة الذنب:

ومن ثمار هذه المحبة: ذهاب الهم: فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم تستوجب الصلاة عليه، والإكثار منها،  وفي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ”. قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: “مَا شِئْتَ”، قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ” قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: “إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ[14]“.


[1]  رواه البخاري في الحدود (6780).

[2]  متفق عليه، وقد سبق تخريجه.

[3]  تفسير القرطبي (5/ 271).

[4]  رواه الطبراني في الكبير (8/ 11).

[5]  رواه البخاري في الجمعة (1010).

[6]  رواه البخاري في الإيمان (16) ومسلم في الإيمان (43).

[7]  شرح النووي على مسلم (2/ 13).

[8]  رواه مسلم في الإيمان (34).

[9]  شرح النووي على مسلم (2/ 14).

[10]  رواه  البخاري، وقد سبق تخريجه.

[11]  فتح الباري لابن حجر (11/ 528).

[12]  فتح الباري لابن حجر (11/ 528).

[13]  فتح الباري لابن حجر (11/ 528).

[14]  رواه الترمذي، وقد سبق تخريجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى