مقالات

الثورة السورية.. والنفاق الغربي

الكاتبة

في كتابه (الثورة السورية: واقعها، وصيرورتها وآفاقها) يتحدث الكاتب سلامة كيلة ؛مختزلاً كل التساؤلات بعبارة واحدة للحديث عن الدور الدولي في الثورة ،وفيه يرى أن “الغرب الإمبريالي تآمر على الثورة السورية لأنه لا يريد ثورة منتصرة، وكان السبب الرئيس في محاولات تحويل الثورة السورية إلى ثورة طائفية لإضعاف سوريا نفسها، ولأنه يريد توريث روسيا “وضعاً لا فائدة منه”، وهو الذي ختم استنتاجه بتأكيده أن ما سيحقق التغيير هو قوة الشعب.

وكلام الكاتب ليس مجرد تنظير بل هو الواقع الحقيقي الذي رسم خط الأحداث على مزاجه.. مزاج الدول التي لا تريد لهذه الثورة أن تنتصر انتصاراً كاملاً يتعارض مع إرادة هذه الدول ومصالحها، بل لا يريدها أن تنتصر أبداً.

فثورة منتصرة تعني زوال طاغية أو عائلة خدمت المشروع الغربي المادي والبراغماتي على مدار عقود منذ أن أنشأت فرنسا -زعيمة الغرب الأوروبي- هذا الكيان عنوة وليس صدفة؛  فالغرب بمنظومته القائمة على استبعاد المثل والقيم عملياً المتشدق بها كلامياً ،لن يسمح إلا بثورة مسروقة أو نظام باق ولو كان متهالكاً. فالنظام والغرب لهما الهدف ذاته وهو تدمير سورية، لأن نظاماً ليس وطنياً ولا منتمياً للأرض والإنسان السوري لا يعنيه بناء وطن بقدر ما يعنيه بقاءه وحاشيته وثرواته المسروقة على مدار عقود من خيرات البلاد، كذلك الغرب ،وما الحديث عن حقوق الإنسان والتشدق بها ليس إلا للاستهلاك, فطالما فضل الغرب مصلحته المادية على حقوق الإنسان عند التعارض بينهما, وهذا ما أثبتته تجارب قديمة وحديثة. فدعم السيسي الانقلابي والسكوت على انتهاكاته ليس إلا فصلاً صغيراً. والتغاضي عن جرائم روسيا وإيران في قتل السوريين وإباحة دمهم فصل آخر أشد قتامة ووقاحة. وتحييد الميليشيات الشيعية الطائفية عن ساحة الاستعراض والتشدق وتصنيفات الإرهاب وهي الغارقة بدماء السوريين, والزاحفة من دول عدة جريمة” حقوقية” وفصل آخر. إنه لمريب وغريب أن تبقى تلك الميليشيات خارج مقولات الإرهاب, ولا يتم تسليط الضوء عليها إلا من باب رفع العتب أحياناً. مثلاُ, قبل أشهر فقط قررت دولة كألمانيا تعرف مخابراتها تماماً وكذلك ساستها ما يحدث هناك الضبط أن تضيق الخناق قليلاً على حزب الله ومقراته العاملة في ألمانيا ” على عينك يا تاجر” وتحت أنظار الحكومة! 

القيم الأوربية الفضفاضة جداً والمترافقة مع عصا الوصاية المرائية ؛والتي يعلو صياحها على نظم استبدادية هم شكلوها ودعموها وجعلوا الكثير منها في السلطة بعد الانقلاب على رؤساء شرعيين منتخبين, تجعلنا ندرك تماماً حجم الألم وفداحة هذا المشهد المسرحي لا ينطلي سوى على الأذناب والتابعين من عبيدهم أو من شعوبهم “المقولبة” على هوى الإعلام والسياسيين و” مخدر” الدين والإيديولوجيا وشماعة الإرهاب؛ شماعة سحقت ثورات حرة، وقتلت أحلام شعوب تسعى للخلاص من هول الاستبداد دون رجعة.. لكن يبدو أن ثمة عصا أخرى تطارد الشعوب لتعيدها لحظيرة الحاكم عصا النظام الغربي.. 

فطالما اعتاد مسؤولون غربيون ذرف دموع التماسيح على الضحايا السوريين كنوع من التغاضي عما هو أعمق، وهرباً من إثم يلاحق ذاك التواطؤ العجيب الغريب الذي لاتفسير منطقي له إلا رغبته بالاحتفاظ بالنظام ” الخادم” المطيع الوكيل,  ثم يتخذ الاتحاد الأوروبي قرارات يقول إنها تشدد العقوبات على النظام ، في حين يعلم الجميع أنها لا تؤثر  عليه كثيراً في ظل دعم إيراني وروسي غير محدود.

مثلاً,؛ضربات  العدو الإسرائيلي للنظام -والتي يفرح لها بعض العاطفيين- ليست إلا جزءاً مكملاً لدور النظام التخريبي، ولا تختلف عما يقوم به، لذلك هي لن تساهم بسقوطه على العكس تماماً قد تقويه وتبقيه أطول مما يجب, وترفع معنوياته بين مطبليه من مؤيدين ويساريين وقوميين عرب، وتعطيه صلاحية” الممانع” الذي لم يمانع يوماً. تحت مبدأ “الضربة اللي ما تقتلك تقويك”..  

الغرب هو ذاته الذي سمح لإيران بالتمدد استكمالاً لدوره الخفي في قتل الثورة وسحقها وقتل رغبة الشعوب بالخلاص، فهي مؤهلة بما تحمله من مشروع طائفي قومي حاقد لمهمة قد تكلفه خسائر، وبناء على هذا يستعرض عضلاته في حقوق الإنسان بينما لا يحرك ساكناً لأنه في سره راض تمام الرضا، والدليل كسره للعقوبات على إيران مراراً وتكراراً، ويلهث خلف رضاها ويستنكر محاولات عزلها ومعاقبتها، ثم يجود عليها بمساعدات تصل إلى المليارات، مساعدات تبدو  كتعويض عما تصرفه إيران لقتل السوريين..! فحنانهم مفرط تجاه إيران إلى أبعد الحدود؛  بدل أن يتم ردعها عما تمارسه من فظائع واجرام كدولة مارقة خارجة عن القانون الدولي والإنساني.

لقد استطاعوا – وبكل لؤم وخبث- تهميش المعارضة السياسية وإظهارها هزيلة مشتتة  لا تصلح أن تخلف النظام، وقد نجحوا في ذلك بعدما عملوا بكل إتقان على تغذية وتعزيز أصحاب النفوس الدنيئة وتقديمهم كواجهة  تمثيلية للشعب السوري ،حتى باتت المعارضة بنظر السوريين الثوريين في خانة واحدة مع النظام، ووصل الأمر إلى المطالبة بإسقاطها..

منذ بداية الثورة والغرب يضع العوائق والحجج والأكاذيب لإطالة عمر النظام من جهة، ولمنع تسليح الثوار من جهة أخرى؛ ومع أن الأوروبيين أدركوا أن استراتيجيتهم في الحفاظ على الأسد باتت مكشوفة ودنيئة مستمدة من طباعهم النفعية الحقيقية لا الإنسانية، بينما تلعب المنظمات والمؤسسات في الغرب دورا تجميلياً لتضميد ذاك الدور ، لقد استمرت منظمات الغرب  في لعب دور المدافع عن الشعب السوري وحقوقه بينما السياسيون يرسمون خططاً أخرى.

اعتمدت استراتيجية الغرب في البداية على كذبة توحيد المعارضة، ووجود ما تسميهم المتطرفين، وحماية الأقليات.. أما اليوم فالحجج زادت بعد أن تم إظهار القضية على انها حرب أهلية وأزمة لاجئين.  

وسبق في يوم ما, في بداية الثورة أن شن الكاتب البريطاني “روبرت فيسك” هجوماً حاداً على ما وصفه بالنفاق الغربى فى التعامل مع الحالة السورية، وقال  حينها : “الوضع المخيف يبقى نظام الأسد فى السلطة، إن هذا النفاق كان من بين الأسباب التي أدت إلى بقاء الأسد في الحكم حتى الآن”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى