مقالات

الثورة ونظرية التصادم !

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب

نظرية التصادم في علم الكيمياء ،تقوم على معادلة  ” زيادة التفاعل يتناسب طردًا مع زيادة التركيز ” ؛ التفاعل هو عملية تصادم الجسيمات التي تحمل الطاقة اللازمة لحدوث التلامس الفعال الذي يسبب تحول التفاعلات إلى نواتج ؛يلعب  في هذا التفاعل عدد من الجزيئات التي تملك الطاقة اللازمة والتوجه المناسب أثناء التصادم من أجل كسر روابط موجودة وتشكيل روابط أخرى وهو ما يعبر عنه باختصار ” التصادمات الفعالة التي تؤدي إلى تشكيل النواتج المثمرة “.

هذا ما يطبقه المجتمع الدولي والدول  المتصارعة في  سورية ،حيث وضعت كل قوتها لتفكيك الثورة ، من خلال  تخفيض عناصر القوة الثورية بجناحيها الثوري والعسكري، وإضعاف الحاضنة الثورية من خلال تغييبها الممنهج عبر اشغالها بالبحث عن ملاذات آمنة من صواريخ وبراميل العدو ، و البحث عن لقمة العيش التي يساهم في الحرمان منها المجتمع الدولي من خلال  السكوت عن جرائم الحصار و التهجير القسري.

إن  هذه البيئة الثورية هي الوسط الأمثل لتفعيل القوى المضادة للثورة والتي عن طريقها يتم تفكيك بنى الثورة و خلق روابط جديدة تختلف اختلافًا جوهريًا عن الثورة و قيمها ومبادئها ، عبر آليات وادوات التدخل الدولي في سورية الذي تحكمه المصالح السياسية والاقتصادية  والذي أدى إلى خلق محاور دولية متصارعة  على حساب الثورة ما أدى إلى تحويل عناصر من مراكز القوة في الثورة إلى أدوات في هذا الصراع و الارتباط المصيري بها على حساب  الروابط الثورية مما خلق بؤر ” ثورية ” متصارعة مهدت إلى تحويل مسار الثورة.

 وكانت أدوات هذه الدول في تحقيق ذلك ” القوة ، المال ، الترغيب ،التهديد ، التصنيف ” التي أفرزت لنا ثنائيات كارثية كرست الفرقة و التشرذم والصراع والاقتتال  الداخلي المؤدي إلى الضعف  ومن أخطر هذه الثنائيات ” ثنائية إسلامية و ديموقراطية  ، و ثنائية  الاعتدال  والتطرف ، و ثنائية  معارضة وثورة ” و التي انتجت لنا فصائل مصنفة ” إرهابية ، معتدلة ، متشددة ” الذي مهد للمرحلة التالية من التفكيك الذي ترعاه الأمم المتحدة والذي لعبت فيه القوى الكبرى الدور الرئيس وبخاصة روسيا والصين من طرف ،والولايات المتحدة الأمريكية من طرف آخر ،الذي لعب فيه التدخل العسكري في الصراع الدور الحاسم في توجيه الصراع ؛حيث كانت روسيا هي القوة التي تلعب دور القائد  في هذا الصراع وهذا ما أثبتته مسارات استانا و سوتشي .

وكان من نتائج هذه المسارات كل ما نشهده من تنازلات واخفاقات وارتدادات ومنازعات ،حيث تم ترويض الفصائل وإدخالها حظيرة السياسة بعد تحجيم ،واختيار الأحصنة التي تضمن لها نجاح العملية ،حيث تم إلزام الفصائل بالمقاربة الروسية للحل السياسي في سورية عبر التزام الفصائل بمبدأ حصرية الحل السياسي الذي يعني إلقاء السلاح و الدخول في مفاوضات مع النظام ، وحتى لا تفهم عبارة  ” إلقاء السلاح ” خطأ على أنه تسليم السلاح بالمعنى الحرفي ، فإنّ وقف الأعمال العسكرية و خفض التصعيد  والهدن والمصالحات والتفاهمات كلها صيغ أخرى، لمفهوم إلقاء السلاح ،  مما أدى إلى تشكيل روابط بين هذه الفصائل وبين عملية الحل السياسي في سورية وأطرافها لا يمكن لها التخلي أو التراجع عنها لأن ذلك يعتبر اخلالاً بالتزاماتها مما يجعلها عرضة لتحمل النتائج السيئة سواء  على مستوى  كياناتها أوعلى مستوى قياداتها ،حيث إن مصيرها  الزوال والقضاء عليها تحت حجة الإرهاب والتطرف .

 و لتستكمل روسيا عملية تفكيك الروابط الثورية على مستوى الحاضنة ،بادرت إلى مؤتمر سوتشي الذي كان مؤتمرًا ” أسديًا” بامتياز بعد ما رأيناه من المعارضة التي قررت المشاركة فيه ،والمعاملة الروسية الحقيرة لها ،مما زاد في الهوة بين الحاضنة الثورية المعارضة بقواها الثورية والسياسية وفقدان الثقة بها؛ لاسيما بعد تلاشي آمال وقف إطلاق النار الشامل بعقد اتفاقيات خفض التصعيد ، وتلاشي آمال إطلاق سراح المعتقلين ،وتحويل الملف إلى عمليات تبادل أسرى .

 إن  مساري أستانا وسوتشي ،كلفا الثورة خسارة مساحات واسعة من المناطق المحررة، وزيادة في عمليات التهجير القسري والنزوح واللجوء التي كانت مدخلاُ  أخرى من مداخل تفكيك الروابط الثوري،عبر المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية والتي عملت على مشاريع “معالجة ” آثار الصراع بدل العمل على القضاء على أسبابه ووقف نزيف الدم والدمار والتشريد والتهجير والاعتراف بحقوق الشعب الثائر ،حيث تعدت أعمال و مشاريع هذه المنظمات إلى ترسيخ المفاهيم المغلوطة  التي تتوافق مع المقاربات الدولية ،والتي تتناقض مع قيم ومبادئ الثورة وكلها مشاريع مستقبلية من المفترض أن تكون إنتاج ثوري وطني يتوافق مع قيم و أخلاق و مبادئ  الثورة في الحرية والكرامة و العدالة و المساواة والمواطنة ومن هذه المشاريع ” مشاريع  دعم الاستقرار ، مشاريع وورشات المجتمع المدني ، مشاريع الجندرة  وتمكين المرأة ،مشاريع إعداد كوادر وقيادات مجتمعية، مشاريع التنمية البشرية ، ورشات عمل السلم الأهلي، مشاريع تعليم  التفاوض وإعداد كوادر تفاوضية مؤهلة وغيرها من المشاريع التي تترافق مع مشروع الامن الغذائي ” اغاثة ” المتضررين .

إن مناهج  و أساليب وأدوات تنفيذ هذه المشاريع لا  تتعامل مع الصراع ،ولا مع أطرافه إلا وفق سياسة وبرامج أصحابها الذين يدعون الحياد والشفافية، مما يكرس مفهوم  الحيادية لدى أغلب الناشطين الذين يتم العمل على استقطابهم ممن لهم حضورا ثوريًا في أوساطهم ليضمنوا أكبر قدر من التأثير  في الوسط الثوري ، وكذلك فإن الحيادية في هذه المشاريع تعني احترام الطرف الآخر بغض النظر عن موقعه ، أو موقفه من الثورة ،فقد رأينا وعلمنا عن شراكة موالين للنظام مع معارضين له في كثير من هذه النشاطات مما يمهد للقبول به والتعايش معه على علاته.

 إن توجيه  هذا الصراع بهذا الاتجاه  انتهى إلى تغليب دور المعارضة المرتبطة بمصالحها الإقليمية والدولية و الحزبية   على دور الثورة  ، وزيادة نسبة تمثيلها على حساب تمثيل الثورة في صناعة و إتخاذ القرار ؛  بالإضافة إلى تكريس قناعة الحل في سورية هو بيد أطراف خارجية محددة بقيادة كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

 وعليه؛ فإننا نشهد و نتيجة لهذه المعادلة واقعا  سيئا حيث تكثر المبادرات والمشاريع الانقاذية  على مستوى قوى الثورة وأخرى على مستوى المعارضة ولكنها للأسف تختلف من حيث آلياتها  وحواملها و أدواتها وأهدافها مما يؤدي إلى الاختلاف والتضارب في النتائج ، فهذه المشاريع محكومة إما بأنها مشاريع ناجعه و تحمل كل أسباب نجاحها الا ان حواملها سبب في عدم قابلتها للحياة ، وإما أنها مشاريع فاشلة تشارك فيها حوامل ثورية نبيلة ،فتتسبب في حرق أوراقها و فقدان الثقة بها ، مما يترك الباب للمشاريع الخارجية التي يتم إعدادها و اعداد  كوادرها وقيادتها بانتظار اللحظة الحاسمة لنقلها إلى حيز التنفيذ  .

لذا علينا التعامل مع واقعنا الثوري على أن ما وصلنا اليه كان نتيجة التدخل الأجنبي في سورية لمصالح سياسية و اقتصادية بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب السوري الثائر ؛وهذا التدخل والصراع أدى إلى تفكيك الروابط الثورية على كل المستويات ؛ الأمر الذي يوجب علينا إعادة الزخم  والطاقة لعناصر  قوة الثورة ،و جعلها هي العامل الاقوى في معادلة التصادم التي تتعرض لها عبر التمسك بثوابت الثورة ،ووحدة الثوار ، نبذ كل أسباب الخلاف والفرقة ،وترميم العلاقة بين الثوار وبين الحاضنة الشعبية ،وإعادة الثقة بينهما من خلال رفض كل مشاريع التسامح والتصالح على حساب تضحياتهم والتمسك بوجوب استرداد حقوقهم المغتصبة و تحقيق العدالة وعدم إفلات المجرمين من العقاب ، و بناء علاقات متوازنة مع المعارضة و المجتمع الدولي تقوم على التمسك بالحقوق والانفتاح على كل ما يؤدي إلى استردادها ؛وأهمها إسقاط النظام ،ومحاسبة مجرمي الحرب و عدم افلاتهم من العقاب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى