مقالات

كارثية 20 20 على قضية فلسطين

د. ياسر محجوب الحسين

صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

بما كان هناك اجماعا كبيرا على سواد العام المنصرم 2020 بسبب الكوارث والاحداث الجسام التي تكالبت على العالم خلاله؛ لكن كان للقضية الفلسطينية حظ وافر من كوارث 2020. فمن ظلم ذوي القربي الذين ساروا في ركب التطبيع، إلى جور الادارة الأمريكية المغادرة.

ولعل دعم واشنطن اللا محدود لدولة الاحتلال الاسرائيلي ظل أمرا جهيرا مفضوحا بيد أنه في عهد الرئيس دونالد ترامب المنتهية ولايته بدا عارما عاصف التوثّب ضاري؛ ففي بداية العام 2020 أعلن ترامب ما أسماه بخطة السلام بين فلسطين وإسرائيل والمعروفة بـ”صفقة القرن” بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسفراء أربع دول عربية في العاصمة الأمريكية واشنطن. وظل ترامب يصر على تسويق هذه الخطة ممنيا أهل فلسطين بوعود كاذبة في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل تطبيق حتى الحلول الاستسلامية، مثل حل الدولتين وعودة اللاجئين، وبقيت تؤكد أنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية.

وفي سياق صفقة القرن التي مثلت طعنة نجلاء في خاصرة القضية الفلسطينية، شهد العام 2020 صفقات صغرى مكملة لهذه الصفقة، ليتلحق بقطار التطبيع عدد من الدول العربية ليس من بينها أي دولة من دول الطوق أو قريبة جغرافيا من إسرائيل، حتى يتعلل بعضها بضرورات الجغرافيا السياسية ويتخذ ذلك ذريعة للتعاطي مع الدولة العبرية الغاصبة. والدول التي سيقت إلى إسرائيل زمرا في اطار الصفقات الصغرى المكملة لصفقة القرن، كانت السودان والامارات والبحرين والمغرب.

المدهش أنه رغم أن هرولة تلك الدول نحو إسرائيل كان لدنيا تصيبها إلا أنها طفقت تتحدث عن القضية الفلسطينة لتبرر وتزين فعلتها التي فعلت. ومعلوم أن للشعب الفلسطيني ممثليه الشرعيين ولا يحق لآخرين التحدث بالنيابة عنه. فضلا عن تلك الخطوات الاستسلامية لم تكن نسفًا للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية فحسب بل عدوانا صريحا على الشعب الفلسطيني.

عندما هبطت أول طائرة إسرائيلية في الإمارات نهاية أغسطس 2020 قال رئيس الوزراء الفلسطيني وقد ساءه ما رأي: “كان أملنا أن تحطّ طائرة إماراتية بركابها في القدس المحررة.. يؤلمنا أن نرى اليوم هبوط طائرة إسرائيلية في أبو ظبي، تحمل اسم (كريات جات) المستعمرة التي بنيت على أراضي قرية الفالوجا التي حوصر فيها جمال عبدالناصر، في خرق واضح للموقف العربي المتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي”.

إن خطوات التطبيع الأخيرة لم تأت بما يحفظ ماء الوجه مثل مصر والاردن والسلطة الفلسطينية عقب اتفاقية كامب ديفيد ثم مؤتمر مدريد ثم اتفاق اوسلو بزعم أن الحكومة الاسرائيلية حكومة سلام يتصدرها حزب العمل، بل جاءت في أسوأ توقيت وفي ظل حكومة يمينية متطرفة يرأسها نتنياهو.

في السودان كان لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان بنتنياهو في فبراير 2020 مخالفا لقانون مقاطعة اسرائيل لسنة 1958 في السودان وقد نصت المادة 2 على أنه يحظر على أي شخص أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو مع أشخاص يعلم أنهم ينتمون إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها.

أما الجامعة العربية التي وصفها رئيس الوزراء الفلسطيني بأنها: “لم تعد جامعة بل مفرقة”، غدت مثل مومياء ترقد رقدة الموت في أحد متاحف التاريخ. وبلغ استياء الحكومة الفلسطينية من الجامعة الغربية حدا أن تداولت توصية للرئيس بتصويب علاقة فلسطين بالجامعة العربية لأنها تقف صامتة أمام الخرق الفاضح لقراراتها التي لم ينفذ منها شيء أصلا، والتي أصبحت رمزا للعجز العربي.

وبالفعل قررت دولة فلسطين تخليها عن حقها برئاسة الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية ردًا على اتخاذ الأمانة العامة للجامعة موقفًا داعمًا للإمارات والبحرين بعد تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل. إذ لا تريد أن تتحمل عبء الانهيار وتراجع المواقف العربية والهرولة نحوا لتطبيع. ولاحقًا اعتذرت كل من قطر، وجزر القمر، والكويت، ولبنان وليبيا استلام رئاسة الجامعة.

وخلا الفعل العربي عن مبادرات تجاه فلسطين إلا النذر اليسر؛ حيث قدمت دولة قطر في مارس مساعدات مالية عاجلة لدولة فلسطين بقيمة 10 ملايين دولار لمساعدتها في مواجهة جائحة فيروس كورونا. كما قدمت الكويت لذات الغرض دعما بمبلغ 5.5 مليون دولار.

على الصعيد الداخلي نشط الاحتلال الاسرائيلي في التنكيل بالفلسطينيين في ظل هجمة استيطانية شرسة مستغلة دعم إدارة ترامب والعجز العربي وخوار فعل مؤسساته السياسية. وشهد بداية 2020 سلمت شرطة الاحتلال مفتي القدس والديار الفلسطينية السابق عكرمة صبري قرارًا بإبعاده عن المسجد الأقصى لمدة 4 شهور، لدخوله المسجد وأداءه صلاة الجمعة. وفي ذات الشهر أقدم مستوطنون إسرائيليون على اضرام النار في مسجد قرية شرفات بمحافظة القدس.

وفي فبراير قالت حكومة الاحتلال أن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وفرض السيادة على المستوطنات في الضفة الغربية، يكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة وليس مرتبطًا بموافقة الفلسطينيين. وشهد سبتمبر قرر جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك) تقييد حركة محافظ محافظة القدس وحظر تواصله مع أكثر من 50 شخصية فلسطينية من القيادة السياسية الفلسطينية على رأسهم الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء.

في ظل المصائب التي اجتاحت القضية الفلسطينية فإن الداخل الفلسطيني مطالب بترتيب بيته الداخلي متضمنا ذلك حوارا وطنيا شاملا. فمن العيب أن يستمر الانقسام الفلسطيني وتفشل كل محاولات رأب الصدع زهاء 13 عاما. وذلك عقب نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في العام 2007م في الضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح والأخرى في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس. وذلك بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006، ونشوء أزمة سياسية نتيجة لهذا المتغير السياسي في الداحل الفلسطيني مما عكس صورة سلبية لدى الدول الداعمة للقضية الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى