تحقيقات

مئة ألف مدني في جبل الزاوية بلا مساعدات …!!

فيصل عكلة

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

(بحجّةِ الخطر) غياب تام للمنظمات الإنسانية عن جبل الزاوية، و ما زال يعيش  100 ألف مدني فيه ، هذا الجبل الذي يقع في الشمال الغربي من سوريا، وعلى امتداد المسافة بين طريق عام حلب دمشق من الشرق إلى كتف (الغاب )غربًا و يحتضن مدنًا عريقة كمدينة (معرة النعمان ) و( أريحا ) و ما يزيد عن ثلاثين بلدة ، كما يضم الكثير من الآثار الرومانية مثل (سرجلا  ) و (بعودا ) اللّتين تقعان في الجهة الجنوبية منه، وعلى مقربة من قوات النظام المتمركزة على الأطراف الجنوبية من الجبل في بلدات (كفرنبل ) و(حاس ) و (معرة النعمان ) ؛والآن كيف يعيش أبناء جبل الزاوية ،وفيه ما يزيد عن مئة ألف مدني كما قال لنا منسق الاسعاف في الجبل ..؟

حركة السير في هذا الطريق الذي نمشيه ،كما كل الطرق التي سلكناها في الجبل ليست كثيفة كعهدنا بها ، والسبب يعرفه الجميع بعد أن أمست قوات الاحتلال الروسي ،ومليشيا النظام على مرمى حجر من الجبل ..!

شمس المساء تعكس على منازل (البارة) المدمرة حكايا القهر والإجرام ، آثار الدمار والركام ما زال ماثلاً على طرفي الطريق الرئيس الذي يخترق هذه البلدة الأثرية من شمالها إلى جنوبها ،ويمكن لعابره أن يرى بعض مظاهر الحياة الخجولة ما زالت موجودة ، قليل من المحالّ التجارية تفتح أبوابها و أمامها تنتظم طاولات الخضار والفواكه ، وبعض من الرجال يجلسون أمام الدكاكين ،ومن حولهم يلعب الأطفال ..

بلدة (البارة )التي صنّف الباحثون آثارها في سجل التراث العالمي كما يقول أهلها ، لم يشفع لها ذلك ،وطالها القصف و الدمار، بل تلقت في ساعة واحدة من هذا الشهر سبعين صاروخًا على أحيائها المدنية …

دخلنا أحد بيوت البلدة في الحارة الجنوبية القريبة من مواقع قوات النظام ،وجلسنا إلى جانب مدفأة الحطب بعد أن رحب بنا “أبوعدنان “صاحب المنزل ،وراح يُلقم المدفأة مزيدًا من قِرم الزيتون ،وأعواد التين اليابس ، و يردّ عن سؤالنا كيف يتدبرون أمور حياتهم ؟، أجابنا بعد أن وضع أبريق الشاي على (الصوبا) :

(البارة ) كانت تستضيف آلاف النازحين من ريف حماه اضافة إلى أهلها ،ولكن بعد هجوم النظام الأخير في السنة الماضية ،والقصف الجنوني التي تعرضت له البلدة كباقي بلدات الجبل نزح اهلها و ضيوفها بطبيعة الحال ، و عاد قسم منهم فور توقف المعارك رغم أن قوات النظام ،وصلت  أطرافها الجنوبية ،والقصف ما زال مستمرًا .

توقف “أبوعدنان” قليلاً عن الحديث ،ريثما سكب لنا الشاي و تابع :

و الله يا استاذ ،أنا نزحت مع جملة الناس إلى الشمال في مخيمات (دير حسان )، تلك الليلة ما زلت أذكرها و لن أنساها لم تغفو عيني أبدًا ،وفي اليوم التالي عدتُ و تركت هناك الأولاد ، النزوح مرّ وشبيه بالموت وبخاصة نحن كبار السن الذين تعبنا على هذه الأرض ،وزرعنا، وربيّنا أشجارها بعرقنا،أذهب صباح كل يوم إلى الأرض ،أركش ،أُقلّم ، أُعيد ، أتنفس هواءها و أعود في المساء و كأني ملك زماني ..!

عدتُ لأسالَه عن حياة الناس؟ فأجاب :

اعتماد الناس هنا على الأرض ، عندهم مواسم وزراعات مختلفة،ما زال البعض هنا يعتمد على خبز التنور، وأشار إلى التنور المنتصب في آخر( الحاكورة )و بجانبه (كوزة) فيها عدد من الغنمات والخراف الصغيرة ،و تابع محدثنا:

كما أن بعض المحلات مفتوحة وفيها عدّة السمانة و الخضار والخبز .

و أشار أبوعدنان أن ما يقلق الناس هنا ،ليس القصف المستمر وانتشار الألغام فحسب ،بل الخوف من تقدم جديد للنظام ،وهو الأمر الذي يُحتم عليهم مغادرة الأرض التي عشقوها و دعا الله أن لا يحدث ذلك ..

قطعنا بلدة البارة قليلاً نحو الجنوب الشرقي باتجاه آثار(سرجلا )،ولكن أشار لنا بعض رعاة الغنم بالعودة ، فالمنطقة خطرة ،والقصف قد يبدأ في أي لحظة وبخاصة عند رصدهم لأي سيارة مع وجود طيران الاستطلاع الذي لا يكاد يفارق الأجواء ، و عندما سألناهم إن كان بإمكاننا البحث عن (الفِطر)في هذه المنطقة ،وبخاصة موسمه هذه الأيام ، حذرونا من ذلك ،وقالوا إنهم يحفظون الأرض و (شريْكاتها) و مع ذلك يخافون لأن الألغام منتشرة ،ومخفية و قد تودي بنا !

وسط الجبال ،صعدنا في طريق متعرج نحو الغرب، ومن حولنا أشجار الزيتون و الكرز، حيث بدأت الأرض تستعيد ثوبها الأخضر، وشاهدنا روعة الآثار التي تحكي عراقة الأرض ،وتاريخها الحافل بالمقاومة لكل الطغاة والمستعمرين ،حيث كانت هذه الجبال مقرًا لانطلاق ثورة ابراهيم هنانو ورفاقه ضد الفرنسيين ،وتابع أحفادهم ذات الطريق في هذه الثورة ،فالجبل لا يمكن أن ينام على ضَيْم كما قال مرافقنا …

دخلنا بلدة (بَليون ) وهي كغيرها من بلدات الجبل ، الدمار والركام عنوان رئيس فيها ،وبخاصة مع وجود النقاط التركية القريبة والتي تعرضت لقصف هائل، ذهب على إثره عشرات الجنود الأتراك قبل سنة من الآن ، حيث عاد إليها بعض أهلها و يعتمدون أيضًا على الزراعة و تربية المواشي …

للسؤال عن الوضع الطبي في الجبل ،وكيف يتصرف الناس هنا عند المرض أو حوادث القصف؟ التقينا منسق عمليات الإسعاف في الجبل عبد الرحمن السالم ،فأجابنا :

 في جبل الزاوية يوجد نقطة طبية وحيدة ،ومنظومة اسعاف بإمكانيات ضعيفة ، و مركزين للدفاع المدني الأول في احسم والثاني في معراته ، يبلغ عدد الناس في قرى الجبل كلها الان ما يقارب 100 الف نسمة ، بعض أهالي القرى يمشي مسافة 7 كم للوصول الى هذه النقطة، لا يوجد اي مشفى، واقرب مشفى في إدلب يبعد ما يقارب 35 كم وربما يزيد بحسب القرية التي يتم الاسعاف منها ، شهدت منطقة الجبل عودة كبيرة للأهالي إلى قراهم وبلداتهم ، بالإضافة إلى وجود الكثير من النازحين المهجرين من المناطق الجنوبية قاطنين الآن في قرى جبل الزاوية ، النقطة الطبية في الجبل تعمل بشكل تطوعي بظل غياب المنظمات ورغم الامكانيات الضعيفة الا ان عملهم جبّار ويستقبلون بشكل يومي ما لا يقل عن 100 حالة خفيفة ومتوسطة وخطرة ، كما يعاني الاهالي من مشاكل تتعلق في الحصول على الادوية المجانية ، والمسافات التي يسلكوها للوصول للنقطة الطبية الوحيدة، ولا سيما أهالي قرى القسم الغربي الجنوبي من الجبل ، وأيضًا مشاكل تتعلق بموضوع العيادات الداخلية والخارجية وسط غياب الأطباء المناوبين والمختصين ؛وإنما طلاب من كلية الطب يناوبون فيها؛ وبالنسبة لمنظومة الإسعاف “منظومة إسعاف الجبل” أيضًا تعمل بدعم محدود، وتنقل بشكل يومي الكثير من الحالات المرضية والإسعافية الى مشافي ادلب ، ويعملون جميعهم بشكل تطوعي على مدار الساعة ، ناهيك عن موضوع الفقر وعدم وجود فرص عمل وخطر القصف ، وأغلب الناس بالجبل موجودون فيه الآن لعدم قدرتهم على النزوح وتحمل أعبائه من آجارات بيوت أو خيم …

و أشار المنسق إلى ثلاث مشاكل مهمة تعترض عملهم :

عدم وجود أطباء مختصين ، صعوبة نقل المرضى ،والاصابات لقلة منظومات الاسعاف و تأمين الادوية وصعوبة الحصول على الاسعافات الاولية ..!

وعن سبب غياب المنظمات برأيه ؟ قال :

سبب الاهمال انها منطقة غير مستقرة تقع جنوب m4

و قد تتعرض للهجوم و القصف ، و تركيز المنظمات والصحة هو على مركز المدينة والمناطق الشمالية.

عن التعليم و ضرورته ؛أجابنا الأستاذ حسن الخليل من أبناء الجبل :بأن غياب المنظمات يعني غياب الدعم عن العملية التربوبة ،فكيف لمعلم أن يعمل دون مورد مع ارتفاع تكاليف الحياة ؟! ومع ذلك هناك الكثير من المعلمين المتطوعين يعملون في بعض المدارس التي نجت من التدمير، كما أن البعض الآخر من المدرسين يستقبلون الطلاب في بيوتهم ،اضاقة إلى بعض الروضات الصغيرة في الملاجئ لتعليم الصغار ..

غادرنا الجبل ؛ونحن نسمع (القبضة ) اللاسلكية تحذر من تجدد القصف على بلداته الجنوبية ،من (كفرعويد)غربا مرورا ـ (كنْصفرة) إلى بلدة (بنين )شرقًا ،ونحن نحملُ حكاية صبر وأمل يعيشها أهالي جبل الزاوية داعين أن تشرق شمس الحرية عليه ،ويعود إلى ربوعه الأهل و الأحباب !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى