مقالات

مسؤولية النخب والزعامات الوطنية مشكلات بلا حل !

معاذ السرّاج

باحث في تاريخ سورية المعاصر وشؤون الحركات الإسلامية
عرض مقالات الكاتب

خرجت سورية من مرحلة الاستعمار بمشكلات صعبة، كل منها يكفي بمفرده ليكون عقبة كأداء بوجه الدولة الناشئة، ولكل منها أبعاد عميقة الجذور في الثقافة والسياسة والمجتمع، ومن بينها مشكلات الجيش والانقلابات والأقليات والمؤثرات الإقليمية وغيرها.. وقد كان للسياسيين والزعماء الوطنيين في تعاملهم مع هذه المشكلات، أساليب ومواقف متنوعة، يمكن استقراؤها من خلال العديد من الوقائع والأحداث التي شهدتها سورية في مراحل تكوينها، حتى مرحلة الاستقلال والعهد الوطني.

في هذه الورقة؛ سنتناول نماذج من المواقف والسياسات تجاه المؤسسة العسكرية، ودورها في انقلاب حسني الزعيم، والوحدة مع مصر. وسنكتفي من التفاصيل والجزئيات بما يفي بغرض إيضاح الفكرة وتعليلها وإيصالها.

  • الجيش ودوره:

لن يجد المرء كبير عناء في فهم مشكلات الجيش المتجذرة، ومنها ضمور دوره في الحركة الوطنية، واستقلال سورية، وما وصم القادة العسكريين من صفات التمرد، وضعف الولاء، واحترام السلطة السياسية والزعامات الوطنية..

ذلك أن هؤلاء القادة نشأوا في جيش الشرق الفرنسي، وتدربوا على عقيدته وأخلاقه، وغلبت عليهم طبائعه وسلوكياته. ولا يخفى أن سلطة الانتداب، سخرت القوات المحلية التي عملت معها, لقمع التظاهرات, وإخماد الثورات, والقيام بأعمال التخريب، وتكسير المحلات، وسرقة محتوياتها، ومهاجمة القرى وحرق المحاصيل وذبح المواشي وغيرها، مما وضعها في مواجهة السوريين أبناء جلدتها، وفي موقف العداء والخصومة تجاههم.  

وكان واضحًا أن المؤسسة العسكرية بعد الاستقلال، بحاجة إلى بناء جديد، وإصلاح جذري، وقد كان من شأن موقف القوات الخاصة، أثناء معركة الاستقلال، وموالاتها للفرنسيين ورفضها الانضواء تحت الحكومة الوطنية، أن يدفع إلى مواقف أكثر حزمًا وصرامةً في تجاه المؤسسة العسكرية.. لكن هذا الأمر لم يتم على النحو الصحيح والمطلوب، وظلت الثغرات العميقة في الجيش على ما هي عليه، نتيجة التلكؤ والتردد، وحسابات الواقعية والتوازن، وتداخل المنافع والمحسوبيات.

ثم جاءت حرب فلسطين في أيار 1948، لتفتح الأبواب على أزمات خطيرة، واتهامات بالخيانة والفساد، بات العسكريون طرفًا أساسيًا فيها، وأسفرت عن الانقلاب الأول على الحكم الدستوري، قام به حسني الزعيم, تلته سلسلة من الانقلابات، أدخلت سورية في الفوضى والاضطراب، وأضعفت اقتصادها،  وفككت لحمتها، وصرفت الجيش عن واجباته ومهامه، لتتحول وجهته إلى بدل الجبهة، وإلى احتلال مبنى الأركان ودار الإذاعة ومقرات الحكم، بدل تحرير الأرض وحماية الوطن، وهو المشهد الذي سيحكم سورية منذ تلك اللحظة.

تساؤلات عديدة تثيرها تلك الحقبة المفصلية من تاريخ سورية المعاصر، وتستحق الكثير من البحث والمراجعة؛ ولعل خالد العظم، رجل الأعمال، والسياسي المخضرم، ممن سبقوا إلى إثارة هذا الموضوع، حين تساءل في سياق تحليل مستفيض حول علاقة السياسيين بالعسكريين، عما إذا كان “الحال سيتغير لو حزم المدنيون أمرهم وتعاهدوا على عدم التعاون مع العسكريين، وتركوهم وحدهم في الحكم”، وأضاف: “إن المدنيين لو فعلوا كذلك، لكان من الراجح أن يتراجع العسكريون عن غيهم تراجعا كاملاً، أو تراجعًا جزئيًا على الأقل، بل إنني أميل إلى الجزم بأنهم كانوا خضعوا خضوعًا تامًا لو رافق وحدة صفوف المدنيين نزع حزبيتهم الضيقة، والعدول عن توخي المصلحة الخاصة، والترفع عن التنافس على الرئاسات..”

الأمر لم يحصل بطبيعة الحال، وواقع العلاقة بين السياسيين والعسكريين، كان أعقد من أن يحله افتراض خالد العظم، في ضوء دلائل كثيرة إلى حالة التفكك والتنافس غير الشريف، الذي بدت عليه بعض الأحزاب والشخصيات الرئيسة، والذي تعددت ميادينه، وشملت الجيش وسائر مؤسسات الدولة، وتعدت إلى العلاقة بالأجانب، والولاء لشخصيات ومشاريع وأحلاف إقليمية ودولية، ما جعل مؤسسات الحكم تبدو في حالة من الهشاشة، والعجز عن السيطرة على الساحة السياسية، وضبط إيقاع العمل البرلماني، وتقديم مصلحة الوطن على كل شيء، الأمر الذي ستكشفه وتُفصح عنه الأحداث التالية.

–       السياسيون والانقلابات:

انقلاب حسني الزعيم الذي وقع في 30 آذار 1949، يصلح أنموذجًا يُقاس عليه في استقراء مواقف السياسيين والأحزاب؛ وقد حظي هذا الانقلاب بدعم السياسيين والزعماء الوطنيين، والأحزاب الرئيسة ،ولم يتخلف عنهم إلا القليل.

النواب، لبوا دعوة الزعيم للاجتماع به، ولم يعترض منهم أحد، إلا ما كان من النائب لطفي الحفار، رئيس الوزراء الأسبق, والوحيد الذي أبدى رفضه لما حدث.

ومن المفارقة هنا، أن هؤلاء النواب، “هم الذين عدّلوا الدستور ليجددوا انتخاب القوتلي رئيسا للجمهورية للمرة الثانية عام 1948، “, وكانوا “ينادون بزعامته, ويدعمون مواقفه, ويؤيدون أعماله, ويسيرون خلفه”, كما يقول مطيع السمان.

غالبية السياسيين والزعماء الوطنيين، منحوا تأييدهم لحسني الزعيم وشجعوه، قبل أن ينقلبوا عليه وينقلب عليهم؛ وفي مقدمتهم هاشم الأتاسي، الرئيس الجليل، كما يصفه مصطفى السباعي، وسلطان باشا الأطرش، وفارس الخوري، وفيضي الأتاسي، وغيرهم.

وللمفارقة أيضا؛ فإن بين هؤلاء أساتذة قانون مثل فارس الخوري أحد واضعي الدستور السوري ومؤسسي كلية الحقوق، والدكتور محسن البرازي الذي كان الساعد اليمن لحسني الزعيم, ورئيس وزرائه، وقتل معه حين أعدم.

حسني الزعيم لم يكن يتمتع بسمعة حسنة، كما وصفه أكثر الذين تحدثوا عنه!

وصفه مطيع السمان ،حين استدعاه الرئيس شكري القوتلي ليتسلم رئاسة الأركان العامة للجيش، محل عبد الله عطفة: “كان هذا الخلف على طرفي نقيض مع ذلك السلف، سلوكًا وأخلاقًا وكفاءة عسكرية، وحتى بالإيمان بالله الواحد القهار، إلا أنه كان أقوى شخصية وشكيمة أمام الرؤساء المدنيين والمرؤوسين العسكريين”.

وقال عنه خالد العظم: “كنت ممن سعى الزعيم لديهم لاستجلاب عطفهم ومساندتهم له في العودة إلى الجيش؛ ولكم تحدثت إلى الرئيس القوتلي بشأنه، وسألته عن أسباب عدم إعادته، فكان يقول لي دائما إنه رجل خطر، وغير مؤتمن، وذو أخلاق سيئة، فإذا أعيد إلى الجيش أفسده، وأقدم على قلب الأمور”..

وأضاف العظم: “إنه لمن مضحكات الزمن.. أن حسني الزعيم عاد إلى الجيش عام 1946، بأمر من القوتلي نفسه، وعُهد إليه تباعًا، بعدد من الوظائف، فأصبح رئيسا للمحكمة العسكرية في دير الزور، وفي عام 1947 عُين مديرا للأمن العام ثم بقيادة الجيش, وفي عام 1948 صار قائدا للجيش، ورُقّي إلى رتبة زعيم – أي عميد – وذلك بأمر من شكري القوتلي نفسه”.

البرلمان السوري نفسه، عاد ليُمضي اتفاقيات سبق له أن رفض التصديق عليها، كاتفاقية التابلاين، التي اتهمت بسببها حكومة العظم بالعمالة للأمريكان “أصدقاء إسرائيل”، ومرّر دون اعتراض اتفاقيات عديدة وقعها حسني الزعيم خلال فترته الوجيزة، ومن بينها اتفاقية التابلاين المذكورة، التي تمنح الشركات الأمريكية امتياز إنشاء خط النفط من السعودية إلى مرفأ صيدا اللبناني مرورًا بالأراضي السورية سورية، واتفاقية أخرى مع شركة بريطانية لمد أنبوب نفط من عبدان والكويت حتى ميناء طرطوس، واتفاقية إنشاء مصفاة طرطوس لتكرير النفط..

خالد العظم: “وهكذا أمضيت الأحكام والاتفاقيات التي أصدرها أو عقدها حسني الزعيم كما هي, ونال الانقلاب الجديد اعتراف الدول بناء على ذلك”.

ومن أكثر ما يُستغرب, أن هؤلاء النواب, الذين تعاونوا مع حسني الزعيم, ووافقوا على حل البرلمان, وشاركوا في الاستفتاء على رئاسة الزعيم, وأعطوه أصواتهم, عادوا بعد الانقلاب عليه, للمطالبة باحترام القواعد الدستورية, ودعوة مجلس النواب للاجتماع بعد الانقلاب ليصير كل شيء دستوريا.

هذا طرف مما كانت عليه أحوال السياسيين ومواقفهم وتوجهاتهم، وما حفلت به من ثغرات وتقلبات، ومن الطبيعي أن تكون أكبر مشجع للعسكريين المغامرين، على تكرار تجربة انقلاب حسني الزعيم، ولم لا، مادام الأمر بهذه السهولة واليسر, ومادام يرتقي بصاحبه مرتقى لا تبلغه به رتبته العسكرية وحدها، ويحتاج إلى كفاءة ومؤهلات أكثر عمقا وأبعد شأوًا.

وهكذا ستكُرّ سبحة الانقلابات، من سامي الحناوي، إلى انقلابي أديب الشيشكلي الأول والثاني وهكذا.. وليمضي الجيش في فرض سيطرته وإرادته في الصغيرة والكبيرة، وتدخل سوريا مرحلة من أخطر مراحلها، في الفترة ما بين عامي 1954 و1958، حين اتجهت الأطراف والتكتلات العسكرية والحزبية داخل الجيش، نحو صراع دموي، تمثل بسلسلة من الاغتيالات والتصفيات، طالت قيادات العسكرية مهمة، مثل عدنان المالكي وغسان جديد ومحمد صفا، وتم خلالها تصفية الحزب القومي الاجتماعي صاحب النفوذ القوي في الجيش، وإضعاف حزبي الشعب والوطني العريقين, وتسريح وتهميش المئات ممن يُسمون بالضباط اليمينيين، والتكتل الدمشقي، وهكذا..

خالد العظم: “وهكذا، فلم تمض على الجيش مدة لا تزيد عن  12 سنة حتى أصبح عدد المسرحين يفوق عدد الضباط العاملين. وإذا نظرنا إلى تلك الطبقة العالية، العقداء فما فوق، تبين لنا أن الزبدة قد قشطت، ولم يتبق إلا الضباط الصغار الذين لم يكتسبوا بعد الخبرة لتولي قيادة الجيش وقطعاته”.

هكذا بدا الوضع السياسي السوري أواخر عام 1957، من الهشاشة إلى الحد الذي جعله قابلا للاستجابة لأي مبادرة، حلفًا كانت أو انقلابًا، أو تقاربًا، أو غيرها.. وأصبحت سورية “وطنًا معروضا للبيع” كما وصفها أحدهم, وسفينة تتلاعب بها الأمواج، وتتنازع السيطرة عليها قوى دولية وإقليمية، بأدوات وأذرع محلية.. ولعل مبادرة الوحدة مع مصر، كانت من هذا القبيل، وهي التي حاكها ونفذها أيضًا، مجموعة من العسكريين، ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليها بعد أقل من ثلاث سنوات.

  • السياسيون وقضية الوحدة:

في ذلك الجو المشحون، وفي إحدى السهرات التي جمعت المجلس العسكري، في 11 شباط 1958، انتهى رأيهم إلى توجيه مذكرة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، يدعونه فيها إلى الوحدة الكاملة بين سورية ومصر. ووقع على المذكرة عشرون ضابطًا من أعضاء المجلس، سافر عشرة منهم إلى القاهرة في الليلة نفسها، يرأسهم اللواء عفيف البزري رئيس الأركان، لتقديم المذكرة للرئيس جمال عبد اناصر. فيما ذهب اثنان من الباقين بدمشق, في صباح اليوم التالي, ليقدما نسخة عن المذكرة إلى رئيس الوزراء صبري العسلي وإلى وزير الدفاع خالد العظم, اللذين بُهتا من هذا التصرف, كما قيل. فقد كان العسكريون يجتمعون مع الحكومة أسبوعيا منذ تأسيس المجلس العسكري, وكان آخر اجتماع لهم قبل يومين من كتابة المذكرة, فما الذي طرأ حتى يحدث كل هذا الاستعجال؟

يقول أكرم الحوراني في مذكراته: “في دمشق فوجئ رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس وزرائه صبري العسلي، من تسارع الأحداث بهذه الوتيرة، وذُهلوا بمبادرة قيادة الجيش بالذهاب إلى القاهرة، والتفاوض مع القيادة المصرية، ومن ثم إطلاق هذه التصريحات دون مشاورة مع الحكومة أو حتى دون اطلاعها على نتائج المفاوضات بينهم وبين عبد الناصر، وبالرغم من امتعاضه مما قام به العسكر، قرر القوتلي إيفاد وزير الخارجية إلى القاهرة حاملاً معه مشروع الحكومة الاتحادي، ليُظهر الانسجام والتماسك بين الجيش والمؤسسة الدستورية”.

مطيع السمان؛ نقل في مذكراته, عن العقيد جودت الأتاسي الذي كان سفيرًا لسورية في مصر آنذاك، أن المشير عبد الحكيم عامر دعاه إلى قصر القبة لحضور الاجتماع مع الوفد السوري الذي حمل مذكرة المجلس العسكري إلى القاهرة، وأن اللواء عفيف البزري رئيس الوفد، قال مخاطبًا المشير عامر: “إننا جئنا من أجل عمل وحدة, ولا نوافق على الاتحاد أبدًا، ولن نعود إلى دمشق قبل إقرار وحدة الجمهوريتين والموافقة عليها”.

فأجابه المشير عامر “إن الجمهورية السورية تختلف عن مصر، وفيها رئيس ومجلس نيابي منتخبان، ومجلس وزراء نال ثقة نواب الشعب، وإن لديكم أحزابًا وطنية وعلى رأسها الكيخيا والقدسي والدواليبي والعسلي والحوراني وعفلق والبيطار.. هؤلاء ناضلوا ضد الفرنسيين وقاوموا الاستعمار بكل أشكاله حتى حصلوا على الاستقلال، بينما الأمر عندنا يختلف كل الاختلاف”.

فكان جواب البزري: “كل هؤلاء ليس لهم قيمة على صعيد الواقع والقرار، وإنني أستطيع نسفهم وتوقيفهم ساعة أشاء”..؟؟!!

وكان مما قاله للصحفيين: “كل من يعرقل الوحدة بالدس والتفرقة يعتبر من متآمري أنقرة، الشعبان السوري والمصري مؤمنان بالوحدة، ويرتقبان ساعتها الآتية قريبًا، وتأخيرها فرحة للمستعمر، وعملاء الاستعمار اليوم يعملون لإثارة المشاكل”.

ولعل أسلوب اللواء البزري، ولهجته، وكلماته مما جاء في الاجتماع والتصريحات،  البزري، تلقي الضوء على المستوى الذي وصل إليه العسكريون, والمكانة التي يرون فيها أنفسهم, ناهيك عن نوعية الخطاب الذي باتوا يتقنونه ويتداولونه.

ويروي مطيع السمان ما قال إنه سمعه من خالد العظم، أن الرئيس القوتلي اجتمع بالحوراني وهما في طريقهما إلى القاهرة, وأوضح له خطورة ما هم مقدمون عليه، بصفتهما رئيسي السلطة التنفيذية والتشريعية، وطلب منه أن يضع يده في يده، لكي يصنعوا وحدة بلا مشاكل ولا عوائق, ونوه له “بأن القائمين على السلطة في مصر عسكريون لا يختلفون كثيرا عن العسكريين في سورية، الذين أقدموا على أمر ليسوا مؤهلين له ولا مسؤولين عنه، ومن هنا يجدر الحرص على تجاوز هذه الإشكالات في مشروع الوحدة المزمع تنفيذه مع الإخوة المصريين”. فكانت إجابة الحوراني: “أنا ما عندي قيد ولا شرط”، أما القوتلي فقد نهض وهو يقول:

“إلى المطار.. على بركات الله.. الله يبارك لك يا عبد الناصر..”.

  • انقلاب الانفصال:

وتستمر سلسلة المفارقات، ويصبح معظم الذين تحمسوا للوحدة أكثر من غيرهم، وتقدموا الصفوف في صنعها، وبخاصة من العسكر، ألدّ أعدائها وأكثرهم شراسة وسعيا حثيثًا لإنهائها بأي ثمن.

ومن عجيب المواقف؛ أنهم وبعد أن نجح الذين قاموا في انقلاب الانفصال، في 28 أيلول 1961، عادوا وندموا على ما فعلوه، وقاموا في 28 آذار بانقلاب آخر، من أجل إعادة الوحدة من جديد..! وكما يحدث عادة، يعتقل  رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه، ورئيس البرلمان، وهم في ذلك الوقت ناظم القدسي، ومعروف الدواليبي ومأمون الكزبري، على التوالي، بالإضافة إلى خالد العظم ولطفي الحفار ورشدي الكيخيا ومصطفى الزرقا وجلال السيد وصبري العسلي ،وغيرهم من السياسيين والنواب تجاوز عددهم المئة، ولا يفرج عنهم إلا بعد اشتراطات وتوافقات.

  • خاتمة:

لاشك أن محاولة فهم وتفسير مواقف الزعامات الوطنية، التي رأينا نماذج منها فيما سبق، يتطلب، رصد العوامل التي أثّرت في تلك الشخصيات، وأسهمت في تكوينها، والمراحل والتحولات التاريخية التي عاصرتها ونشأت في أثنائها, والتي أحدثت, دون شك، تغييرات عميقة في العقليات وأساليب التفكير والتحليل والتعامل، ما انعكس في طبيعة العلاقات، وزوايا النظر إلى الأحداث والمتغيرات.

ويمكن الإشارة هنا؛ إلى ظاهرتي النزعة الذاتية، وادعاء الواقعية، بصفتهما سمتين بارزتين تغلبان على أسلوب التعامل مع الوقائع والأحداث. وعلى الرغم من وجود سمات أخرى تعود إلى طبيعة الثقافة والنشأة والبيئة المحيطة، إلا أنّ الواقعية،  النزعة الذاتية يظل تأثيرهما هو الأقوى والأكثر عمقًا، كما شهدنا في النماذج السالفة الذكر، وكما سنرى في نماذج أخرى، كالقضية فلسطين (قبل التقسيم وبعده)، وفي العديد من القضايا والمشكلات ذات الطابع الثقافي أو السياسي، كالدستور والهوية والأقليات والعلاقات المحلية والدولية وما إلى ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى