مقالات

في وداع 2020 .. كورونا وحاتم علي، وأشياء أخرى..

أحمد الهواس

رئيس التحرير

عرض مقالات الكاتب

نهاية العقد الثاني من الألفية الجديدة ، حمل “جديدها” أشياء غريبة منذ أن حلّ ضيفًا ، فقد بدا ثقيلاً على العالم أجمع، لعل بدايته كانت مع استفحال فيروس كورونا ، ورغم أن هذه السنة سنة ” كورونا” إلاّ أن الكورونا نسبت للسنة التي سبقتها كوفيد 19 !

تخوّف أصاب العالم ، وضخّم هذا الفيروس ، وتوقفت حركة العالم ، سكنت مطارات ، وبدت عواصم صاخبة شبه خاوية على عروشها ، وتحوّلت حيوات الناس ” عن بعد” التواصل والتعليم ، والشركات ، ودخلنا في جديد أو لنقل بدأنا نودع ما اعتدنا عليه ، ونعده من الماضي كما ودّع أسلافنا قبل أقل من قرن السيوف والخيول تمامًا ! لم يكن صعبًا على عالم متحول أن يودّع ما يراه تفوقًا أو جزءًا رئيسًا من حياته ، كما ودّع من قبل النقود الثمينة لتحل محلها الأوراق النقدية في أن يودع منجزاته (الصاخبة) إلى الجلوس في البيت ، ولكن الصعوبة كانت ومازالت ألّا بديلًا عن اختلاط الناس بعضهم ببعض ، وكذا عن وسائل النقل وثمة أشياء تكاد لا تعد !

لم يمض العام إلّا وكنت وأسرتي من مصابي كورونا ، وأمضينا الحجر المنزلي والعلاج ، وخرجنا بحمد الله سالمين ..

عالم حيص بيص…

قال لي صديقي الطبيب الماهر وهو يطمئن على صحتي وصحة أولادي : الطب في حيص بيص ! فأنت لا تستطيع أن تنكر الكورونا ، ولكنك بالقطع تتساءل لحساب من يضخّم هكذا ؟ فالكورونا خمسة في المئة مرض ، وخمسة وتسعون ، وهم وخوف!

كلام أنزل السكينة في قلبي ، وتعاملتُ معه على أنّه نزلة برد ليس إلّا مع يقيني أن الأعمار بيد الله ، والعمر- بلا شك –  محدود ..

حصد الكورونا مئات الآلاف من الأرواح حول العالم ، كما تقول بيانات الدول ، ولاندري  حقيقة تلك الأرقام ودقتها ، ولكنها بالقطع أبقت تصنيف موتى الكورونا أقل من حوادث السير أو حتى الانفلونزا العادية “السنوية” وهي الأقل – أي موتى الكورونا – مما ذكرنا ، ولو أجرينا مقارنة بين عدد ضحايا الكورونا وضحايا الشعب السوري ،لوقفنا على حقيقة نفاق العالم المتحضر، فتعداد سكان العالم يقدر بنحو 8 مليارات ، وعدد وفيات الكورونا في العالم أجمع نحو مليون وثمانمائة ألف، في حين أن عدد سكان سورية 23 مليونًا ، وعدد السوريين الذين قتلوا على يد نظام الأسد تجاوز المليون ، ونحو ربع مليون مفقود ، ونصف الشعب مهجّر بين الداخل ودول اللجوء ! وفي النسبة والتناسب تظهر رحمة “الكورونا” وتوحش “الأسد”، وكذب المجتمع الدولي ، الذي أظهر إنسانيته تجاه ضحايا كورونا ، وصمت أو شارك في مآسينا!

مضى هذا العام ، ومازلنا في دوامة ، ماذا بعد كورونا ؟ وما اللقاح الذي سنتناوله ، وهل هو حقيقة موجه لإنقاص عدد سكان العالم ؟ وهل حان وقت تطبيق نظرية مالتوس في المليار الذهبي ؟ ربما أنّ جل هذه الأسئلة أثارها د. فيصل القاسم في عدة حلقات في برنامجه الشهير الاتجاه المعاكس ، ومازلنا ننتظر معرفة الحقيقة ، لاسيما وأننا في زمن عنوانه العريض : من يسيطر على الإعلام يسيطر على العقول ، بل يسيطر على حركات وسكنات الناس أجمع ، ويحدد العدو والمرض والقادم المجهول أيضًا !

حاتم علي الغائب الحاضر…

قبيل أن يودّعنا عام الغرائب والعجائب ، فاجأنا بموت حاتم علي ، موت وحّد جل السوريين لأول مرّة مذ وحدتهم الثورة قبل عقد ، موت بكاه السوريون ، وشعروا أن ثمة قيمة كبيرة افتقدوها ، فالممثلون والمخرجون كثيرون ، ولكن المبدعين قلّة ، ومنهم حاتم علي ، فمن يراجع مسيرة حاتم الفنية ، يجد أن ثمة ابداعًا حققه في عمره الفني تمثيلاً وكتابة وإخراجًا يحتاج(سواه) أضعاف عمره الزمني ،ويوقن أن المبدعين لا يعمرون، بل يرحلون مبكرين ، ولكنهم يخلدون في ضمائر الناس.

جعل حاتم واقعه سبب نجاحه ، فهو ابن الجولان النازح ، وابن حي الحجر الأسود “المهمّش” لكن هذه الأمور لم تمنعه من التحليق في عالم الإخراج ليكون مخرجًا عالميًا ، وليس محليًا فحسب ، ربما أن حكمة حاتم كانت :

إذا لم تستطع شيئًا فدعه – وجاوزه إلى ما تستطيع

فقد تجاوز التمثيل ، والكتابة إلى الإخراج ليحقق خلال سنوات أرقى الأعمال العربية ، وليعيدنا إلى تاريخنا بعد أن أصبح التاريخ “فانتازيا” أنزور ، وخيالات هاني السعدي !

أبدع حاتم في التغريبة الفلسطينية ، واستقى من آلامه ونزوح أهله صورًا لم تستطع أي كاميرا تلفزيونية عربية أن تلتقطها من قبل ، وكان يحاكي نزوح أهل الجولان “المباع” بقدر ما كان يحاكي نزوح أهل فلسطين ، لكن حاتم لم يفعل ذلك في التغريبة السورية ، وهو يعيش فصولها لحظة بلحظة ! التزم حاتم الصمت ، متخذًا حكمة (إذا أنت لم تستطع قول الحقّ فلا تصفق للباطل) ، ولكنها حكمة قد لا ترضي يومًا الأجيال التي ستبحث عن موثّق للثورة ، ومسطّر لجرائم النظام الطائفي ، ولن يكون الصمت الذي التزم به كثيرون ومنهم (حاتم ) الذي صرّح على استحياء قبل سبع سنوات  لصحيفة الوفد المصرية “سوريا ليست بخير، ويعيش شعبها مأساة حقيقية ورائحة الدم تفوح في الشوارع، ولم أتخيل يوماً أن تكون سوريا بها أحداث دموية، والذي يحدث يجعلني قلقاً علي الشعب”، ورغم هذا الصمت ، والمعارضة غير المعلنة إلا أنّها لم تشفع له عند النظام المجرم ، فقامت نقابة شبيحة الفن بفصله كما فصلت كل الممثلين المؤيدين للثورة بذريعة عدم دفع اشتراكات النقابة السنوية !

كان بإمكان حاتم أن يقدّم الكثير للثورة ، من خلال ابداعه ، لو أنّه حمل كاميرته ، وصوّر واقع المخيمات ، والمشردين ، وترك الألسن تروي والأعين تنطق كما فعل في مشهد درامي للراحل الكبير خالد تاجا في التغريبة … لكنه لم يفعل !

مازلنا ننتظر تحقق بعض الأماني ..

يمضي 2020 ، وقد خطف منا أحبابًا ، وزاد فينا سنة من البعد والهجرة القسرية ، ومازلنا ننتظر تحقق بعض أمانينا ، وكأنني في ليلة رأس السنة 2000 حين دخلنا الألفية الجديدة ، وكتبت :

ليت لي من أمل أحيا عليه – كنتُ أمضي مسرعًا أسعى إليه

ليت لي ذكرى تناديني إليها – أو حبيبًا أشتكي همي لديه

ليت لي من وطنٍ يحضنني حبّـــــــــًـا وترتاح جفوني في يديه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى