مقالات

عنابر الذّاكرة

محمد بشير الخلف

كاتب وسياسي
عرض مقالات الكاتب

هل التّاريخ يلد من خارج رحم أيّامه؟! صفحاته وقسماته لا تقول إلّا ذلك، و إنّما بملامح جديدة تتناسب مع التّطوّر الجينيّ الّذي يعتورها بتوالد الايام و نتيجة التّفاعل الاجتماعيّ بين مكوّناته.
ومعلوم أنّ ولادة لبنان كانت قيصريّة على يد القابلة الفرنسيّة، الّتي حاولت أن تفرد شعرها الكستنائيّ على جبل لبنان وحده، لولا استدراك المكوّنات الأخرى لموقفها الرّافض لهذه الصّيغة ورغبتها بالانضمام إلى سوريا الكبيرة.
بقيت هذه التّوليفة السّياسيّة متماسكة بخيطان أربطة الخارج رغم اهتزازات ١٩٥٨ و١٩٨٢ و٢٠٠٥ و٢٠٠٦ و٢٠٠٨ وآخرها انفجار بيروت ٤/٨/٢٠٢٠.
في العمق النّفسيّ لكلّ لبنانيّ تقريباً كره للسّوريين؛ نتيجة منعرجات التّاريخ ومنغصّاته من يوم استقلال الدّولتين عن فرنسا، و قد كان يستثمر لصالح هذا الطّرف أو ذاك على مقلبي مسارات الطّرفين، حتّى المتخاصمين منهم أحياناً مثل حزب اللّٰه، و بعض الأطراف المسيحيّة كلّ لمصلحته الحزبيّة.
كان ينظر إلى السّوريين على انهم كتلة واحدة وجلهم رعية للرّاعي “حافظ”، و من بعده “بشّار”، و لكن بعد الثّورة حصل انزياح في هذه الرّؤية بحسب موقف هذا الطّرف أو ذاك من الثّورة السّوريّة، فحزب اللّٰه وحلفاؤه يرونهم خصوماً لهم ومعارضي الحزب مع أنّهم كانوا لايطيقون وجود السّوريينأصبحوا مدافعين عن حقوق هؤلاء المغلوب على أمرهم.
ندب الحظوظ على ردّ الجميل الّذي قدّمه السّوريّون لكلّ من اللّبنانيين، و خاصّة في حرب ٢٠٠٦ والعراقيين المتمذهبين في حروبهم الطّويلة، فقد كان ردّ المعروف بإرسال كتائب القتل لشعبنا الثّائر على نظامه الطّائفيّ المجرم.
من تداعيات هذه الجريمة أذكر أنّ بعض اللّبنانيين وصلوا إلى قرى منبج واحتفى بهم الأهالي، و أكرموهم و أسكنوهم في بيوتهم، فلم نر خيمة واحدة لعائلة لبنانيّة، و مع موقفي المعارض- و الكثير ممّن هم بعيدون عن دوائر إيران- لحزب اللّٰه في حينه، إلّا أننا كنّا نفرّق بين الأهالي المدنيين و أولئك المتحزّبين الّذين يعملون لمشاريع إيرانيّة مذهبية.
لن يكون إحراق مخيّمات اللّاجئين، أو التّضييق عليهم صدفة و لن تتكرّر؛ لأخذ السّلطات اللّبنانيّة وسائل وأدوات حماية هؤلاء اللّاجئين، المقرّة في القوانين الدّوليّة و الموقّعة عليها لبنان، و إنّما هي شجرة سوف تستخدم لحرائق متكرّرة علّها تحرّك ملفّات سوريّة و إقليميّة موضوعة على الرّفوف السّياسيّة، تنتظر اشتهاء الجائعين لاقتسام الكعكة السّوريّة.
التّعاطف عبر وسائل التّواصل أضعف الإيمان الّذي نقدّمه لأهلنا اللّاجئين في كلّ مكان؛ لأنّ العطالة السّياسيّة الّتي تعيشها مؤسّساتنا الثّوريّة، و الانسداد في إمكانيّة تشكيل هياكل بديلة تأخذ زمام المبادرة، و تقلب الطّاولة على كلّ هذا التّرهّل و الاستخفاف السّياسيّ والأخلاقيّ بدماء ومصائر السّوريين في كلّ مكان امر ماعاد يحتمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى