بحوث ودراسات

الشرعية الدولية ومعتقل جونتانامو – 9 من 10

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

الفرع الأول

القانون الدولي المعاصر والحرب ضد أفغانستان

    لم تكن الحرب من قبل الولايات المتحدة ومن حالفها، مجرد حرب عادية تقتصر آثارها على طرفي الحرب، ولكنها غير عادية، حتى بين الأطراف، والوسائل المستخدمة فيها، فقد استخدمت في تلك الحرب أحدث وأشد وأخطر الأسلحة في العالم ضد أفقر وأضعف دولة في العالم فكان طرفي الحرب تحالف دولي مكون من (136) بقيادة الولايات المتحدة ضد الطرف الأضعف في النظام الدولي الجديد.  أو بعبارة أخرى كانت الحرب بين النظام الدولي الجديد وبين قاع هذا النظام.

    لم يهدف الطرف الأقوى من هذه الحرب القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان الحاكمة في أفغانستان، وإلا لكانت النتيجة لهذا العملاق صفر خاصة وأن رأس تنظيم القاعدة ” أسامه بن لادن” وحركة طالبان بقيادة ” الملا محمد عمر” ينعمان بالحياة، لكن المقصود منها تغيير بنية النظام الدولي ولاستمرار وتأكيـد هيمنة القطب الأكبر علي هذا النظام.

    فقد خالفت هذه الحرب العدوانية مبادىء وأحكام القانون الدولي, وتغير مفهوم الأمن الجماعي الدولي وأختصر في الأمن القومي الأمريكي, أو بعبارة أخرى حل الأمن القومي الأمريكي محل الأمن الجماعي الدولي وتغير مفهوم الإرهاب الدولي حيث فرض نفسه بقوة عقب الأحداث, و صار على رأس اهتمامات النظام الدولي. فتمثل هجمات 11 سبتمبر قمة تطور ظاهرة الإرهاب وهو تطور لا يقتصر فقط على مضمون وطبيعة العمل الإرهابي، ولكنه يمتد أيضًا إلى متغيرات البيئة الدولية التي يتحرك فيها، والتي تعتبر العامل الرئيس وراء التحول في أشكاله.

    فعلى الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحدًا من حيث استخدام العنف أو التهديد باستخدامه من أجل إثارة الخوف والهلع في المتجمع الدولي، من خلال استهداف أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو نظام حكم لتحقيق هدف سياسي معين، فإن أشكال الإرهاب وأدواته تختلف وتتطور بسرعة مع الزمن، كما يتأثر الإرهاب إلى حد كبير بخصائص النظام الدولي وتوازنا ته، من حيث الأهداف والآليات حيث تم إنشاء لجنة مكافحة الإرهاب سالفة البيان.(107)

    وفى هذا الإطار، فإن هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة شكلت تعبيرًا بالغ الوضوح عن طبيعة وخصائص الإرهاب الجديد، فقد استهدفت هذه الهجمات إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر والضحايا داخل الولايات المتحدة من خلال ضرب أهم وأكبر رموز القوة في الولايات المتحدة فضلاً عن أنها أهداف تتميز بوجود كثافة بشرية عالية، وقيمة مالية ضخمة وقوة اقتصادية وسياسية عالمية.

وقد ترتب على المفهوم الجديد للإرهاب والمنظمات الإرهابية أنه لم يفرق بينه وبين الدفاع الشرعي لمن يحارب لتحرير أرضه المحتلة لتقرير مصير بلاده، لذا اعتبرت الولايات المتحدة منظمة حماس والجهاد وكتائب عز الدين القسام التي تكافح لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبيل المنظمات الإرهابية، كما اعتبرت الولايات المتحدة حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، بل الأدهى من ذلك الأمر أن الولايات المتحدة اعتبرت شارون رجل سلام وأطلقت يده في الأراضي المحتلة مما ترتب عليه اجتياح مارس 2002 للأراضي الفلسطينية، الذي استخدمت فيه كل الأسلحة من طائرات الأباتشى الأمريكية والقنابل والصواريخ بدعوى مكافحة الإرهاب الفلسطيني المتماثل مع إرهاب 11 سبتمبر 2001م.  حيث قامت بضرب المساكن وهدمها على من فيها، ولقد أضيرت القضية الفلسطينية ضرارًا بالغًا من جراء هذه الأحداث.(108)

    وفى النهاية يمكننا القول. بأن مصطلح الإرهاب زاد فيه الخلط حتى تحمل المصطلح بأكثر مما يحتمل معناه وبمقاصد لم تخطر على بال النحاة، و فقد المصطلح في النهاية صلته بالمعنى الأول(109) وقضت الولايات المتحدة على فكرة الحقوق المشروعة التي بذل المجتمع الدولي جهدًا كبيرًا في بلورتها وصياغتها بصورة واضحة في اتفاقيات جنيف 1949م وملحقيها 1977م، أما المبادئ التي خالفتها هذه الحرب العدوانية تتمثل فيما يأتي:

1- مبدأ السيادة بين الدول: مبدأ السيادة الوطنية مبدأ قديم، قدم فكرة الدولة ذاتها وقد ظهر هذا المبدأ لتأكيد وجود الدول الأوربية الحديثة وذاتيتها (110) بالرغم من الانتقادات التي وجهت لهذا المبدأ فإنه لازال من المبادىء العامة في القانون الدولي المعاصر، بل و الرئيسية التي يقوم عليه النظام الدولي، ونص عليه ميثاق الأمم المتحدة في (م 2/1) فقال ( تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها ) وتأكد هذا المبدأ بالنص عليه في العديد من الاتفاقيات الدولية.

    ومع التطورات التي طرأت على القانون الدولي منذ صياغة ميثاق الأمم المتحدة، اتجه إلى التدخل في كثير من المجالات التي تعد طبقًا لمبدأ السيادة من الاختصاص المطلق للدول، ورغم ذلك تم الاحتفاظ بهذا المبدأ، إلا أن صدرت عدة آراء في الفقه الدولي تنادى بضرورة أن يفهم مبدأ السيادة في حدود القانون الدولي المعاصر، وقد أشارت إلى ذلك المحكمة الدائمة للعدل الدولي في أحد أحكامها، حيث قررت أن على الدولة ألا تتجاوز الحدود التي رسمها القانون لصلاحيتها، وتكون تصرفاتها ضمن تلك الحدود تدخل في سيادتها، وهو ما يعنى أن السيادة فكرة قانونية محدودة ونابعة من القانون الدولي وخاضعة له، وهو ما شجع على القول بأن مبدأ السيادة قد زال عنه طابعة العتيق المطلق، وأن الدولة في المجتمع الدولي المعاصر، قد أصبحت دولة قانون تلتزم بقواعد ومبادىء يحددها القانون الدولي.(111)

    ولكن البعض نادى بزوال فكرة السيادة تحت تأثير المتغيرات الدولية الجديدة لتحل محلها المصلحة الدولية بدلاً من المصلحة الخاصة للدول، والتي قد تتعارض، مما يؤدى إلى نشوب المنازعات الدولية وبالتالي الحروب، خاصة وأن هؤلاء الفقهاء قالوا بأن العالم كله أصبح قرية واحدة وأن الإنسان أصبح عالميا، مما أدى إلى ظهور الاهتمام بحقوق هذا الإنسان مهمـا كانت دولته أو جنسيته، مما يضحى معه التدخل في الشئون الداخلية للدول لا يعد انتهاكًا لمبدأ السيادة.

    هذا وقد استغلت الولايات المتحدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحرب ضد أفغانستان لتعلن أنها لن ولم تلتزم بهذا المبدأ العتيق لتنهى بذلك مبدأ من المبادىء الرئيسية التي يقوم عليها القانون الدولي بل يعد من القواعد الآمرة في القانون الدولي التي لا يجوز انتهاكها فقط بل لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ويقع باطلاً بطلانا مطلقا هذا الاتفاق والانتهاك، وقد قامت الولايات المتحدة بانتهاك سيادة دولة أفغانستان ودول أخرى تحت مسميات حقوق الإنسان وحق التدخل لنصرة الديمقراطية.

    الأمر الذي يبدو على أكبر درجات الخطورة لأنه يتعلق بإرساء سوابق دولية يمكن تكرارها في العمل الدولي، مما يمهد السبيل لإرساء قواعد عرفية جديدة تنسخ القواعد القانونية المستقرة، مما يؤدى إلى السيطرة الأمريكية على مقدرات العالم وإمساكها بزمام الأمور التي تؤدى بالضرورة إلى إضعاف مبدأ السيادة الوطنية، بحيث لا يشكل هذا المبدأ العتيق عقبه أمام ظهور قانون دولي أمريكي جديد يختلف في أسسه ومنطلقاته عن القانون الدولي الذي تواضع المجتمع الدولي على العمل بموجبه والانصياع لأحكامه ولا يلقى بالاً لمبادىء القانون الدولي.

2- مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول: استغلت الولايات المتحدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فاستباحت لنفسها التدخل في الشئون التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول، حيث قضت على حكومة شرعية واستبدلتها بحكومة أخري فاتحة الباب لمواجهات ومشكلات عديدة مما يعد مخالفة لمبدأ أساسي من المبادىء العامة للقانون الدولي وقاعدة آمرة من قواعده هو مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول (م 2/7) من ميثاق الأمم المتحدة. (112)

3- حظراستخدام القوة في العلاقات الدولية: بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الأحداث التعامل مع القانون الدولي بغية تطويعه لخدمة مصالحها وأهدافها، عن طريق زعزعة مبدأ السيادة الوطنية والمساواة فيها و مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية الدول، وطالبت بتحرير استخدام القوة من القيود التي يفرضها القانون الدولي المعاصر حتى تستطيع أن تتعامل بحسم مع أي دولة قد تقف في سبيل فرض هيمنتها وسيطرتها على العالم من خلال استخدام القوة دون التزام بالمعايير والمحاذير التي يفرضها القانون الدولي المعاصر، والعودة الي معايير القانون الدولي التقليدي الذي كان يطلق الحق للدولة في استخدام القوة المسلحة دون قيد، فكانت أفغانستان الخطوة الأولى والعراق الثانية. (113)

    وكان مما ترتب على تحرير استخدام القوة من القيود التي يفرضها القانون الدولي المعاصر أن ادعت الولايات المتحدة الأمريكية بأن قيود ميثاق الأمم المتحدة الورادة في المادة (م 2/4) بشأن حظراستخدام القوة والاستثناءات الواردة على هذا الحظر والمتمثلة في المادة (51) لم تعد تتناسب مع التطورات الدولية ومن ثم يجب إقامة إطار قانوني جديد ينظم استخدام القوة في عالم اليوم بكل تفاعلاته وتداعياته وذلك لتغير طبيعة النظام الدولي حاليًا عما كان عليه حال وضع ميثاق الأمم المتحدة. ويستلزم أيضًا تحرير استخدام القوة في العلاقات الدولية، تغييرًا في شروط الدفاع الشرعي خاصة شرط أن يكون هناك خطر هجوم وشيك وتغيير مفهوم الخطر الحال في ضوء إمكانيات وأهداف خصوم اليوم وتذهب إلى التأكيد على أنه بقدر جسامة التهديد يعظم الخطر، وتظهر الحاجة الملحة للقيام بعمل استبقائي للدفاع عن النفس، حتى ولو ظلت هناك شكوك أو عدم يقين حول زمان ومكان الهجـوم المحتمل للعدو (114)  مما يعنى معه إقرار حق الدفاع الشرعي الوقائي طبقًا لوجهة النظر الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى