دين ودنيا

النبي ورسول الله ورسول رب العالمين المعاني والدلالات (2)

الـحَسن ولد ماديكْ

باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات
عرض مقالات الكاتب

وتضمّن تفصيلُ الكتابِ الْـمُنَزَّلِ تقسيمَ النُّبُوَّةِ عبر التاريخ إلى نُبُوَّةٍ أُولَـى انقضتْ بِإغْرَاقِ فرعونَ وجُنُودِه، وأخذَ اللهُ في الدنيا جميع الأمم المكذبة بِعَذابٍ ماحِقٍ وما بلغوا مِعشار ما جاء به النبيّون من العلم، ونُبُوَّةً ثانِيَةً ابتدأتْ بالتوراةِ التِـي أوتِيَهَا مُوسَـى أَلْواحًا مكتوبةً بعد نجاةِ بنِـي إسراءيلَ مِن عدُوِّهم، وتجدّدتْ بكل مِن الإنجيلِ والقرآن ولَـمْ تنقَضِ بَعْدُ النُّبُوَّةُ الثَّانِيَةُ إذْ لا يَزَالُ مَا نَبَّأَتْ بِه مِن الوَعْدِ غَيْبًا مُنتَظَرًا حتَّـى يأتِـيَ اللهُ بِأَمْرِهِ فيُصْبحَ شَهادَةً.
وكانت أحاديثُ النبِـيِّ عن الغيب الموعود من النبوة تتوارثُها الأجيالُ بعدَهم ومنها الحديث الصحيح “إن مما أدرك الناس من النبوة الأولى: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت” يعني أن النبيين قبل التوراة مَنْ نبَّأُوا أن سيكون في آخر الزمان عرايا من الحياء يصنعون ما يشاءون من الفواحش والإثم والبغي.
فالنبوة أوتيها النبيون جميعا وأوتِيَها قومُهم من بعدهم الذين تلقَّوْا منهم وأوتِيَها الأجيالُ اللاحقة بعدهم، وكذلك أوتِيَها المعدودون في سورة الأنعام وأُوتِيَها مَنْ لَيْسُوا أنبياءَ مِن آبائِهم وذرياتهم وإخوانِهم.
إنّ إيتاءَ بنـي إسراءيلَ الكتابَ والْـحُكم والنُّبُوَّةَ كما في سورة الجاثية لا يعنـي أن كل واحد من بني إسرائيل كان نبيّا وإنما يعني أن مِيراثَ النبوَّة كان فيهم فمِنهم مَن شَرُفَ بِـحَمْلِه ومِنهم مَن شَقِيَ بالإعراض عنه كالسَّامريِّ الدجال المنتظر والذين قتَلوا النبيين والذين حاولوا قتل عيسى والذين قالوا يد الله مغلولة والذين قالوا إن الله فقير ـ سبحانه وتعالى ـ ووصفوا أنفسهم بأنهم أغنياء ومَن لعَنه الله وغضِب عليه مِنهم وعذَّبهم بذنوبهم وجعل منهم القردة والخنازير ومَن عبد الطاغوتَ ومَن قالوا عزير ابن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومَن قالوا المسيح ابن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ولا يخفى أنهم من شرار الخلق.
إن عيسى وهو في المهد قد قال ﴿إِنِّـي عَبْدُ اللهِ ءَاتَانِـيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِـي نَبِيًّا﴾[مريم 30] وهو صريح في أنه كان ساعتئذٍ من أولي العلم لدلالة ﴿وَجَعَلَنِـي نَبِيًّا﴾ على أن اللهَ صَيَّرَهُ نبيًّا مِن النبيّين، إذ لو قال (إني عبد الله آتاني الكتاب والنبوة) لانخرم المعنى لدلالة إيتاء النبوة على دِراية ما جاء به النبيون من قبل من الكتاب والنبوة كما قد استدرج النبوة بين جنبيه من حفظ القرآن.
وإن النّبِـيّ لرسولٌ مِن اللهِ بقرائن قوله تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِـي قَرْيَةٍ مِن نَبِـيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾[الأعراف 94]﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَبِـيٍّ فِـي الْأَوَّلِينَ﴾[الزخرف 6]﴿يَا أَيُّهَا النَّـبِـيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَـى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾[الأحزاب 45]﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلَا نَبِـيٍّ إِلَّا إِذَا تَـمَنَّـى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِـي أُمْنِيَتِهِ﴾[الحج 52]وإِنَّـمَا أَرْسَلَ اللهُ النَّبِيِّين بالنُّبُوَّة وبالكتاب وبيِّناتِه لا بالآياتِ الخارقة للتخويفِ والقضاءِ، أمَّا الآيات الخارقة مع النبيين فللكرامةِ والطمأنينة كقول إبراهيم ﴿وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِـي﴾[البقرة 260] ومن المثاني معه قول الحواريين ﴿نُرِيدُ أَن نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾[المائدة 113] فلم تكن الآيات الخارقة مع داوود وسليمان وعيسى ومحمد للتخويف والقضاء وإنما كانت إنعاما على المؤمنين إذْ لم يهلكِ المكذِّبون بها من الذين عاصروهما وكما في البخاري عن ابن مسعود قال “كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا” في كتاب المناقب باب علامات النبوة.
إنّ درجة النّبِـيِّ في الدنيا هي أكبر درجة بلغَها بَشَر وأكبر نِعمة أنعم الله بها على بشر بقرائن قوله:
ـ ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّـخِذُوا الْـمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾[آل عمران 80]ـ ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِـيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّـخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾[المائدة 81]ـ ﴿النَّبِـيُّ أَوْلَـى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾[الأحزاب 6]ويعني حرف آل عمران أن الملائكة والنبيين هم أشرف المخلوقات.
ويعني حرف المائدة أن التشريع المنزّل من عند الله إنما هو المنزّل إلى النّبـيِّ فجميع الناس تبَع له.
ودلالة حرف الأحزاب ظاهرة.
وإذا وقع الوصف بالنّبوة في تفصيل الكتاب المنزل انْتَفَتْ زيادتُها بما هو أقلُّ منها وهو الوصف بالرسالة كما في قوله ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾[مريم 53] وقول عيسى ﴿إِنِّـي عَبْدُ اللهِ ءَاتَانِـيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِـي نَبِيًّا﴾[مريم 30]، ورسالة هارون وعيسى من المعلوم من القرآن، وأما قوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ وَلَا نَبِـيٍّ إِلَّا إِذَا تَـمَنَّـى أَلْقَـى الشَّيْطَانُ فِـي أُمْنِيَتِهِ﴾[الحج 52] فيعني المغايرةَ بين الوَصْفَين إذ لو كان كل رسول نبيّا لما عطف عليه بقوله ﴿وَلَا نَبِـيٍّ﴾، ويعني العطف بقوله ﴿وَلَا﴾ الاستغراقَ وأنّ ما بعدها هو أعظم مما قبلها كما في قوله ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلَا الْـمَلَائِكَةُ الْـمُقَرَّبُونَ﴾[النساء 172].
وفي سورتَـيْ مريم والنساء جعل اللهُ النبيّينَ على رَأسِ الذين أنعَمَ عليهم، وذكّرَ موسَى قومَه بنِـي إسراءيل بِنِعَم اللهِ عليهم فبدأ بأنْ جَعَلَ فيهم أنبياءَ.
وإن أشدَّ الناس بلاءً هم الأنبياءُ كما في الحديث، وقد قُتِل بعضهم ﴿بِغَيْرِ الْـحَقِّ﴾ وهو شَرْعُ الله و﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ أي للناس عليهم، أي أن النبيِّين الذين قُتِلوا لم يظلموا أحدا ولم يكسبوا إثما يجعل لقاتلِيهم حقا ولو ضعيفا يُبِيح له قَتْلَهم، فلا تسل عن سفاهةِ الذين قتَلوا النبيِّين فهم رحمةٌ لمعاصرِيهم يأمنون العذاب في الدنيا من الله ما بقِيَ النَّبِـيُّ حيًّا بين أظهرهم.
وإن النبيين قد قُتِل بعضُهم ولم يَهْلَكْ بعذاب جامع مستأصِل الذين كذَّبوهم وقتَلُوهم.
وإن محمدا بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم هو خاتَم النبيِّين وآخرُهم وتضمَّن تفصيلُ الكتاب المنزّل انْقِضاءَ إِيتاءِ النُّبُوُّةِ كما في سورتَـيِ البقرة وآل عمران، وانقِضاءَ أَخْذِ الْمِيثاقِ مِنهم كما في سورتَـيْ ءال عمران والأحزاب.
وقد نبّأ اللهُ مُـحمّدا صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم بالقرآن وتضمَّنَ الكِتابُ تفصيل تدبيرِ الأمْرِ في الدنيا والوَعْدِ في الآخرة، وتضمَّنَ القرآنُ تفصيلَ الغَيْبِ في الدنيا الذي كَلَّفَ اللهُ البشَرِيَّةَ بالإيمانِ به، وتقريب ذلك وإيضاحُه هو القصد في الموسوعة والله المستعان.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اين علماؤنا من كتابنا منذ انقصاء الخلافة الراسدة؟ من نظر الى انتاجهم في الفقه وفروعه وفي الادب وتخصصاته يقول ان القرآن جاء ليتلى ويتعبد به على الرغم من الدعوة المتكررة لتدبره.
    البركة كل البركة في حركة الاعجاز العلمي وخاصة في من جمعوا بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية وفي امثال الحسن محمد ماديك ممن اختاروا طريق البحث وامتهنوه واستخدموا مناهجه وطرقه وكانت لهم الشجاعة في تقديم ما توصلوا اليه للبشرية فارضين بذلك على جماعة الحل والعقد العودة الى كتابنا المنزل المحفوظ والغوص في معانيه قبل اصدار الاحكام.
    انني باسم العامة من المسلمين اطلب من علمائنا الاجلاء ان يتصدوا بالتي هي احسن لما خالف به الحسن محمد ماديك تراث امتنا الاسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى