مقالات

في القضية السورية العدالة التصالحية والتعويضية وجهان لعملة واحدة !

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

كثر الحديث حول مفهوم العدالة التصالحية والتي تحدث عنها المبعوث الأممي إلى سورية “غير بيدرسون” في جلسة الإحاطة لمجلس الأمن حول التطورات السياسية والإنسانية عن الوضع السوري بتاريخ 16 كانون الأول عام 2020 ،والتوضيح اللاحق الذي أدلى به بوقوع الخطأ الفني غير المقصود عن مصطلح العدالة التصالحية ،وأن ما طرحه بعض أعضاء الثلث من المجتمع المدني في الجلسة الأخيرة من اجتماع اللجنة الدستورية من نقاط تتعلق بالعدالة التصالحية ،إنما جاء عن العدالة التعويضية في سياق حديثهم عن الأراضي وحقوق الملكية والمهجرين، وأن هؤلاء لم يستخدموا مصطلح العدالة التصالحية في بياناتهم الشفوية والمكتوبة.

وجاء توضيح المبعوث الأممي بسبب الانتقادات التي صدرت من غالبية أطياف الشعب السوري ورفعهم الكرت الأحمر بوجه هؤلاء الأعضاء ،وأعضاء الائتلاف بشكل عام ،لما قاموا به من تفريط بمطالب الشعب السوري الذي قدّم التضحيات الجسام لنيل حريته وكرامته ،وتخليص بلدهم من الطغاة والمجرمين الذين احتلوا البلد وعاثوا فيه فسادًا وإفسادًا منذ انقلاب الحركة التخريبية عام 1970 (الحركة التصحيحية ) التي قام بها الأسد الأب بالاشتراك مع المقبورين مصطفى طلاس وناجي جميل ،وثلة من الخونة لابسين عباءة حزب البعث الحزب الحاكم في سورية ،والذين قضوا على كل الحركات السياسية جاعلين البلد بحالة تصحر سياسي ،وما النتائج والخيبات التي يحصدها أعضاء الائتلاف ومن لف حولهم الا نتيجة هذا التصحر ، ولو كان لديهم وعي سياسي ومعرفة في دهاليز السياسة لما كانت هناك جولات لمؤتمرات استانا وسوتشي ،وهناك زملاء لهم في معتقلات النظام  وبالرغم من وجود القرار الدولي رقم 2254 ،الذي يوصل الشعب السوري إلى ” بعض” من آماله بإزاحة الطغمة الحاكمة عن المشهد السياسي السوري وتقديمهم للعدالة ، وتعويضهم عن الاضرار التي لحقت بهم ، وبناء سورية بنظام يقوم على العدالة وإحقاق الحق وتطبيق مبدأ سيادة القانون وتداول السلطة ، ينعم بخيرات بلاده  مثلما هو الامر لدى الشعوب الأوربية ؛إلا أن هؤلاء الذين ادعوا تمثيل الشعب السوري الثائر؛ واختاروا السير في ركب العدو الخارجي الأول وهو روسيا التي جربت على الشعب السوري صنوف أسلحتها، وعاثت فيهم قتلا وتدميرًا وتهجيرًا بالاشتراك مع الإيراني وعصابات الشيعة العراقية واللبنانية والافغانية ، متأملين من المحتل الروسي أن يزيح لهم الأسد وأعوانه ويسلمهم مقاليد السلطة متناسين مواقفه في جلسات مجلس الأمن “والاثني عشر فيتو” التي استعملها ضد طموحات الشعب السوري الثائر؛ كما أن هؤلاء ساروا بركب المبعوث الدولي السابق “ديمستوا ” وأخذوا بمقترحاته عندما طرح السلال الأربع ، ودوره في تسليم حلب للنظام وتهجير أهلها ومن بعده “بيدرسون” الذي أخذ ببند صياغة الدستور وتشكيل اللجنة الدستورية ، وكذلك الأمر متناسين أن هذين المبعوثين أصبحت مهمتهم تنفيذ ما يملي عليهم المحتل الروسي وآخر إملاءاته  عندما طرح مصطلح العدالة التصالحية ،والذي هو بالأساس طرح الخبير الروسي فيتالي نعومكين في إحدى جلسات مباحثات جنيف .

إن مفهوم مصطلح العدالة التعويضية (الذي تحدث عنه بعض أعضاء الثلث المدني وفقًا لما وضحه المبعوث الأممي بيدرسون – وبالرغم من أن غالبية أطياف المثقفين المعارضين المستقلين لا تصدق ما يقوله هؤلاء الأعضاء – لقناعتهم الكاملة أن بيدرسون عندما طرح مفهوم العدالة التصالحية جاء نتيجة استعمالهم لهذا المصطلح ولقناعته بهم – أي المبعوث الدولي – أنهم طلاب مناصب في دولة يرأسها الأسد ، وأن هؤلاء يعملون بإمرة المحتل الروسي ، وقد جاء توضيحه يحمل الخبث في طياته عندما استعمل مصطلح العدالة التعويضية والدليل على ذلك رفضه شطب مصطلح العدالة التصالحية من ملفات احاطته لمجلس الامن ، مثلما التف سابقًا رئيس الائتلاف نصرالحريري على قرار إنشاء المفوضية العليا للانتخابات واصداره قرار بإيقاف العمل به وليس الغاءه بعد أن شاهد حجم الاعتراض الجماهيري على قراره ) لا يختلف بجوهره – أي العدالة التعويضية -عن مفهوم مصطلح العدالة التصالحية نظرا لان المصطلحين يستبعدا المحاسبة عن الجرائم المرتكبة ، ومفهوم العدالة التصالحية والتعويضية يلغي الهدف الذي ينشده الشعب السوري الثائر وضحايا النظام وهو تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية والذي بموجبه يتم تقديم المجرمين الى المحاكم الوطنية والجنائية الدولية .

بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة رقم 12/2002المؤرخ 24/7/2002 وفي السطر الأخير من فقرة – ديباجته-  نص على ما يلي (وإذ يسلم بأن استخدام العدالة التصالحية لا يخل بحق الدول في الملاحقة القانونية لمن يدعي انهم جناة )

من خلال هذه الفقرة وما سرد من شروحات في المبادئ الأساسية حول العدالة التصالحية نستنتج ان هناك جاني ومجنى عليه ، وقد يكون الجاني فرد او مجموعات من الناس يقدموا على الاعتداء على فرد او مجموعات في المجتمع وجاء نص المادة الثانية وما يليها تحت عنوان استخدام المصطلحات ما يلي :

(2 – يقصد بتعبير “عملية تصالحية” أي عملية يشارك فيها الضحية والجاني، وعند الاقتضاء أي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة، مشاركة نشطة معا في تسوية المسائل الناشئة عن الجريمة، وذلك، بصفة عامة، بمساعدة من ميسِّر. ويمكن أن تتضمن العمليات التصالحية الوساطة، والمصالحة، والتفاوض بين المحامين والقضاة والتشاور بشأن إصدار الأحكام.
3 – يقصد بتعبير “ناتج تصالحي” الاتفاق الذي يتوصل اليه نتيجة للعملية التصالحية. وتشمل النواتج التصالحية ردودا وبرامج مثل التعويض ورد الحقوق والخدمة المجتمعية، بهدف تلبية الاحتياجات والمسؤوليات الفردية والجماعية للأطراف وتحقيق اعادة اندماج الضحية والجاني في المجتمع.
4 – يقصد بتعبير “الأطراف” الضحية والجاني وأي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة الذين يمكن أن تشملهم العملية التصالحية.
5 – يقصد بتعبير “ميسِّر” الشخص الذي يتمثل دوره في أن ييسر، بطريقة منصفة ونـزيهة، مشاركة الأطراف في العملية التصالحية.)

لو اسقطنا ذلك على الحالة السورية فلن نجد هناك جانيًا ومجنيًا علية  وإنما هناك غالبية من الشعب السوري أرادت تغيير الطغمة الحاكمة التي استولت على البلاد بانقلاب عسكري تلاه انتخابات مزوره  وردت عليهم هذه الطغمة بالحديد والنار ورفعت شعار الأسد او نحرق البلد – أي يبقى الأسد وطغمته مستولين على البلد او يحرق هذا البلد – وتم ذلك بالفعل بحيث أصبحت سورية مدمرة ومحتله ومقسمة ومئات الآلاف من شعبها يقبعون في معتقلات اللانظام ومئات آلاف أخرى طبق عليهم صنوف أنواع  القتل سواء في المعتقلات أو الإعدام الجماعي مع التنكيل بهم أو  باستعمال صنوف الأسلحة الحربية بمواجهتهم ولاسيما البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية والصواريخ المتنوعة القادمة من روسيا وايران والمحملة بالطائرات ، والملايين التي هجّرت من بيوتها وأصبحوا لاجئين أما في المخيمات في الداخل السوري أو في دول الجوار أو في بعض من الدول الاوربية ، أما من بقي تحت عباءته فأصبح يعاني الويلات بكل نواحي الحياة .

وإننا نستغرب كيف يتم طرح مصطلح العدالة التصالحية من أشخاص يفترض بهم أن يعرفوا معنى التصالح ، وكيف يكون للدولة حق الملاحقة للجناة في عملية التصالح .

 وإذا افترضنا أن هذه المبادئ الأساسية تنطبق على الحالة السورية فأين هو القسم الأكبر من المجنى عليهم ، ألم يصبحوا أرقامًا لاوجود لهم في الحياة؟

وجاء في العنوان الخامس والأخير من المبادئ الأساسية ما يلي :

(الفقرة 23 – ليس في هذه المبادئ الأساسية ما يمس بأي حقوق للجاني أو الضحية تكون مقررة في القانون الوطني أو القانون الدولي المنطبق.) والجاني هنا هو نظام استبدادي وليس فردًا أو مجموعة من الأشخاص وهذا النظام وأعوانه خرج عليهم الشعب المقهور لينال حريته وكرامته . أما الضحية فهنا هو الشعب المسلوبة حريته وكرامته ، وبالرغم من ذلك فإن تلك المادة لا تمس بحقوق الطرفين المنصوص عليها في القانون الوطني أو القانون الدولي  باعتبار أن النظام الفاقد الشرعية يدعي أنه يدافع عن كيان الدولة ،وأنه يطبق القانون على هؤلاء الذين خرجوا عليه من خلال تقديمهم إلى محاكم الإرهاب والمحاكم الميدانية ،والتي يدعي تطبيقها القانون الوطني متجاهلاً ما يفعله بالمعتقلات بحق المعارضين له ونعته لغالبية الشعب السوري بالإرهابين ؛عندما قال رئيسه في إحدى خطبه الرنانة أمام مجلس التصفيق” بأن عائلة الإرهابي وجار الإرهابي وحي الإرهابي وصديق الإرهابي جميعهم ارهابيون مثله”. أما المجنى عليه –الشعب – فهو أمام قوانين وطنية جائرة بحقه – منها التي تمنع محاكمة رجل الأمن لأي جرم يرتكبه بحق المواطن إلا بموافقة السلطات العليا التي ينتمي اليها – وآخرها القوانين الصادرة والمتعلقة بمصادرة أملاك المعارضين له والمشردين وأصحاب الأرقام من المغيبين سواء في المعتقلات او المقابر الجماعية أو المحارق البشرية . أما القوانين الدولية التي تحميه فقد منع تنفيذها المحتل الروسي من خلال استعماله حق النقض في مجلس الامن لأي قرار يدين النظام ويحمله مسؤولية القتل الجماعي  ،وإحالة رموزه إلى محكمة الجنايات الدولية .

إن ما أثاره “بيدرسون” لمفهوم العدالة التصالحية لا يمكن أن يطبق على الحالة السورية والتي تحكمها المواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة التي منها البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للمجتمع الدولي استعمال القوة بمواجهة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ، وهل هناك أكثر عددًا من الجرائم التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري ( مجزرة التريمسة ،والحولة والبيضا ورأس النبع ورام العنز والغجرية ،وكرم الزيتون وتفتناز والقبير وداريا ومعرة النعمان وعقرب وبساتين الحصوية ونهر قويق والبرج في تلكلخ وجديدة الفضل وخان العسل والمقابر ،وحي الجورة والقصور في دير الزور ومجاز سجن تدمر ومدينة حماة …) والتي راح ضحيتها أكثر من مئة ألف شخص بين أطفال ونساء ورجال  . كما يحكمها نظام روما الأساسي  والذي نصّ على مبدأ عدم افلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب . وبالرغم من كل ذلك فإن نقاشه لمبدأ العدالة التصالحية مع مجموعة من أعضاء اللجنة الدستورية جاء خارج عن المهمة الموكلة إليهم ،وهي إعداد دستور فقط . أما مواضيع المصالحة المجتمعية  فيأتي موضوعها لاحقا وبعد تطبيق قرار مجلس الامن 2254، وهذه المهمة منوطة بالحكومة الشرعية والتي تأتي ضمن انتخابات نزيهة بإشراف الأمم المتحدة ،وبعد تقديم المجرمين إلى العدالة الوطنية أو الدولية وفقا لكل حالة . وهذه الحكومة التي يقع على عاتقها إيجاد الوسائل الممكنة لإجراء المصالحة الوطنية والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمتضررين بمساعدة المجتمع الدولي والذي يرفض لغاية الآن البدء بعملية إعادة الإعمار في سورية طالما لم ينفذ قرار مجلس الأمن المنوه عنه أعلاه .              

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى