بحوث ودراسات

مبادرة طهران: هل يطلقها الملالي فتشتعل حرب إقليمية ؟ 4 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

المهدي يصرّح بموقفه من الأرض المقدَّسة

لا يبدي مهديُّ الشّيعة اهتمامًا بالمقدَّسات الإسلاميَّة في الأرض المقدَّسة، بل ويصرّح علنًا بأنَّ المقدَّس لدى المسلمين هما الحرمان الشَّريفان، في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، كما تعلَّم عن أسلافه. يدور حوار بين المهدي وقياداته، خلال اجتماع حول الاستعداد للهجمة الاستباقيَّة على إسرائيل. يبدأ الحديث حينما يسأل المرشد الأعلى للثَّورة، حميد الحسيني، عن مستقبل القُدس؛ فيسأل المهدي بعجرفة عمَّا كُتب عن تلك المدينة في كُتُب السَّلَف، ليُصدم الحسيني من جهل كبير أئمَّة الشّيعة بتاريخ القُدس. يجيب الحسيني بعد أن تجاوَز الموقف، بأنَّ النبيَّ (ﷺ) أُسري به ليلة الإسراء والمعراج من مكَّة إلى القُدس، من حيث صَعَد إلى الأفق الأعلى، من المسجد الأقصى، المفترض أنَّه في القُدس، ويضمُّ بنيانه الصَّخرة المشرَّفة، موضع معراج النَّبيّ (ﷺ) على أرجح القول. غير أنَّ الإمام جعفر الصَّادق لمَّا سُئل عن مكان المسجد الأقصى قال أنَّه في السَّماء، وقال إنَّ المسجد في الكوفة أقدس منه. يجيب المهدي عن سؤاله إذا ما كان في مخطَّطه اجتياح القدس وإخضاعها لسُلطانه بالنَّفي، مبرّرًا ذلك بأنَّها “لم تكن أبدًا مركزًا للإسلام الشّيعي، كما لم تكن أبدًا مركزًا للإسلام السُّنّي. هي مقدَّسة فقط عند اليهود والمسيحيين، وليس عندنا (نحن المسلمين) …القُدس لا بدَّ من سحقها، وليس اجتياحها”؛ فالإسلام وُلد، في رأيه، في مكَّة والمدينة، ووصل إلى أوج عظمته في الكوفة. يضيف المهدي أنَّ القُدس تلطَّخت إلى الأبد بأدران الصَّهاينة، “ومستقبلها النَّار وسفْك الدّماء” (ص264).

ردٌّ إسرائيلي مفجع ونتيجة غير متوقَّعة

يجتمع قادة إيران بحضور الإمام الثَّاني عشر، وقد ملأهم جميعًا الضّيق من قسوة الرَّد الإسرائيلي. يتساءل الرَّئيس الإيراني “كم مرَّة وعَد الإمام الثَّاني عشر بمحو الصَّهاينة؟ وكم مرَّة زعم أن تدمير اليهود والمسيحيين وشيك؟ وكم مرَّة ردَّد هو نفسه تلك الكلمات؟ لماذا لم يحدث؟ أين يكمن الخطأ؟ وماذا بعد، ولماذا لم تصدق النُّبوءات؟ وماذا عن الأسلحة التي طرحها على رضا برجندي (عن عدم تحقُّق كافَّة علامات ظهور المهدي)؟ ومن يجيب عنها؟” (ص296). تشير تلك الأسئلة إلى تزعزُع إيمان الرَّئيس الإيراني بعقيدة الإمام الثَّاني عشر، وكأنَّما كان الرَّدُّ الإسرائيلي موجعًا لدرجة أنَّه أفاقه والمرشد الأعلى للثَّورة من غفلتهما. نجحت المنظومات الإسرائيليَّة المضادَّة للصَّواريخ في إسقاط ما بين 75 و80 بالمائة من قذائف إيران، ولم تصب صواريخ حزب الله وحماس أهدافًا كبيرة. حينها، يُصاب المهدي بحالة من الوجوم، لا تفارقه حتَّى يتأكَّد من سلامة الرُّؤوس النَّوويَّة؛ فيقول “لك الحمد يا الله لأنَّك منحتنا فرصة أخرى للهجوم” (ص297). وهنا تنتهي أحداث الجزء الثَّاني في سلسلة الإمام الثَّاني عشر

تشابُه أحداث “مبادرة طهران” مع الواقع

رفْض الإدارة الأمريكيَّة الحلَّ العسكري مع إيران

لعلَّ من أكثر السّمات المشتركة بين أحداث رواية مبادرة طهران (2011م) وواقع الصّراع المعلن بين أمريكا وإيران إصرار الرَّئيس الأمريكي على عدم استخدام الحلّ العسكري في مواجهة التَّهديد الإيراني المتواصل بتدمير أمريكا، باعتبارها ‘الشَّيطان الأكبر’، وربيبته إسرائيل. ومن أحدث وأشهر الوقائع التي تثبت ذلك موقف الرَّئيس دونالد ترامب من إسقاط إيران طائرة استطلاع دون طيَّار في 19 يونيو 2019م، وقد كتب موقع شبكة بي بي سي البريطانيَّة أنَّ القيادة المركزيَّة الأمريكيَّة نفت وجود مبرّر لذلك.

في حين برَّر تناوُل شبكة فرانس 24 الإخباريَّة الفرنسيَّة إسقاط إيران الطائرة الأمريكيَّة، التي تبلغ قيمتها أكثر من 120 مليون دولار، بأنَّه تمَّ بعد اختراق طائرة الاستطلاع المجال الجوّي الإيراني.

المثير للانتباه أنَّ الرَّئيس ترامب، الذي أدان الحادث، هدَّد بردّ قاسٍ على إيران، وكانت القطع الحربيَّة الأمريكيَّة في حالة استعداد للرَّد، ولكن تم التَّراجع عن الرَّد العسكري، ممَّا أثار جدلًا في أوساط المراقبين، كما كتب موقع قناة الحُرَّة الأمريكيَّة.

وتشير الرُّواية كذلك إلى أنَّ الإدارة الأمريكيَّة تفضّل دائمًا فرْض عقوبات ماليَّة على إيران، بدلًا من الرَّدع العسكري. وتجد أنَّ ذلك كان تصرُّف ترامب تجاه إيران، بإلغائه الضَّربة التي كان من المفترض شنُّها لمعاقبة الكيان الصَّفوي.

أعمال استفزازيَّة تُبدئها إيران تزيد الصّراع اشتعالًا

من أحدث المناوشات التي وقعت بين أمريكا وإيران بداية عام 2020م مقتل الجنرال العسكري قاسم سليماني، قائد فيلق القُدس، وهو عبارة عن قوَّات خاصّة للحرس الثَّوري الإيراني تتولَّى تنفيذ عمليَّات خارج الحدود الإقليميَّة لإيران وتقع مسؤوليَّته على عاتق المرشد الأعلى للثَّورة بنفسه، وذلك مساء الخميس 2 يناير 2020م. وتجدر الإشارة إلى أنَّ تسمية تلك القوَّات بـ “فيلق القُدس” يظهر تبجيل الحرس الثَّوري الإيراني للأرض المقدَّسة، التي تضمُّ المسجد الأقصى، وفي ذلك ما يتشابه مع ما أبداه الحسيني، المرشد الأعلى للثَّورة في مبادرة طهران، من تقديس للمدينة، على غير رضا الإمام الثَّاني عشر، الذي أمر بسحقها، كونها مقدَّسة عند اليهود والمسيحيين. هذا وقد نشَر الرَّئيس ترامب عبر حسابه على شبكة تويتر، اعتراف إدارته باغتيال الجنرال، الذي كان بمثابة الرَّجل الثَّاني في إيران بعد المرشد الأعلى وقبل الرَّئيس نفسه، مبرّرًا ذلك بأنَّ سليماني “قتل وأصاب بجروح خطيرة الآلاف من الأمريكيين على مدار فترة طويلة من الزمن، وكان يخطط لقتل الكثيرين غيرهم … لكنَّه أوقف! كان مسؤولًا، بشكل مباشر وغير مباشر، عن وفاة ملايين الأشخاص، بما في ذلك العدد الكبير الأخير من مقتل بعض المحتجّين في إيران نفسها. برغم عدم تصريح بذلك كما ينبغي، كان سليماني مثار للكراهية والخوف في البلاد. لم يحزن الإيرانيون للدَّرجة التي سيجعل القادة العالم الخارجي يظنَّها. كان من الواجب التَّخلُّص منه منذ سنوات طويلة مضت”.

ولعلَّ فيما وصفه ترامب من تجاوزات ارتكبها قاسم سليماني في حقّ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ما يشابه العمل الاستفزازي الذي استهدف الرَّئيس الأمريكي وضيفيه، رئيس الوزراء الإسرائيلي والرَّئيس المصري، في مبادرة طهران. وكما هدَّد الإمام الثَّاني عشر في الرُّواية باستهداف أمريكا وإسرائيل وأعدَّ العُدَّة لشنّ هجمة على إسرائيل، هدَّد رئيس مصلحة تشخيص النّظام في إيران والقائد السابق للحرس الثَّوري، في أعقاب اغتيال سليماني، بسحق كبرى مدن إسرائيل، إن نفَّذت أمريكا تهديداتها بإصابة أهداف إيرانيَّة حيويَّة.


نُذر حرب إقليميَّة تلوح في الأفق

وكما أفضت الضَّربة الاستباقيَّة التي أمر الإمام الثَّاني عشر بشنّها ضدَّ إسرائيل إلى حرب إقليميَّة، أثار مقتل قاسم سليماني والرَّد الإيراني المرتقب حينها مخاوف من إمكانيَّة اندلاع حرب عالميَّة نتيجة تصادُم أمريكا وإيران. وقد عبَّر نشطاء تويتر عن حالة القلق التي تفشَّت في أعقاب التَّهديدات الإيرانيَّة بردّ ساحق على أمريكا، بإطلاق وسم #WWIII، أي الحرب العالميَّة الثَّالثة باسم مختصر لأحرف العبارة بالإنجليزيَّة، بالإضافة إلى وسم آخر عن الحرب ذاتها بالعربيَّة. وكما كتب موقع عربي 21، بلغ عدد التغريدات على وسم #WWIII نصف المليون في أعقاب الإعلان عن الحادث.

غير أنَّ الرَّدَّ الإيراني على اغتيال الرجل الثَّاني في الجمهوريَّة الإسلاميَّة لم يكن قويًّا، كما كان مرتقبًا.

وقد دفَع ذلك الرَّدُّ المحدود أحد أمراء الأسرة المالكة السَّعوديَّة بنشر تغريدة تهكُّميَّة، استهزأ فيها بالتَّهديد المفحم للحرس الثَّوري الإيراني، الذي لم يكن الرَّدُّ على نفس درجته من الجديَّة، ما دفع الأمير السَّعودي للتَّعليق بأنَّ ما حدث كان “مسرحيَّة”.

وتزامَن مع التَّصعيد الذي يشهده الصّراع الصُّهيوني-الصَّفوي منذ مايو الماضي، نشْر قوَّات أمريكيَّة في منطقة الخليج العربي لردع إيران عن محاولة المساس بأمن المنطقة، وبخاصَّة المملكة العربيَّة السَّعوديَّة. وقد نشرت شبكة سي إن إن عن تسديد المملكة فاتورة باهظة لتغطية تكاليف القوَّات الأمريكيَّة التي تتولَّى حمايتها.

أعاد اغتيال العالم النَّووي محسن فخري زاده في 27 نوفمبر 2020م إلى الواجهة الثَّأر الصَّفوي الإيراني تجاه العدوان الصُّهيوني الأمريكي-الإسرائيلي، وقد نقَل موقع روسيا اليوم عن أحد الخبراء الاستراتيجيين المعنيين بالشَّأن الإيراني بتاريخ 28 نوفمبر 2020م، توقُّعه بأن يتراوح الرَّدُّ الإيراني على اغتيال فخري زاده ما بين الهجوم المباشر على إسرائيل وشنّ ضربات انتقاميَّة تضرُّ بمصالح أمريكا في الخليج العربي.

يأتي ذلك التَّلويح بالرَّد على اغتيال العالم النَّووي بالتَّزامن مع تهديد الرَّئيس الأمريكي دونالد ترامب (يناير 2017م-يناير 2021م) بتوجيه ضربة لإيران تستهدف برنامجها النَّووي قبل انتهاء فترة رئاسته في 20 يناير 2021م، وإرساله تعزيزات عسكريَّة إلى منطقة الخليج العربي يُفترَض أنَّه ضمن الاستعدادات لضرب إيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى