قرأْتُ على الخَدِّ المُعفَّرِ حَالِيا
وكفَّنْتُ في ثَوْبِ المَشِيبِ شَبابِيا
وأحْبَبْتُ لوْنَ الياسَمِينِ بوَجْنَتِي
يعطِّرُ مِنِّي بالنَّهار سَواديا
تولَّجَ مِنِّي بالضِّياءِ عَوارضِي
فلمْ تُرْضِهِ حَتَّى اسْتباحَ النَّواصِيا
أدَرْتُ لِطَيْفِ العُمْرِ وَجْهاً مُكَابِراً
وأنْكَرْتُ فِي النَّفْسِ الأَبِيَّةِ حَالِيا
وما ضَاقَ فِيَّ الشَّيْبُ إلَّا لِرَغْبَةٍ
تَدُكُّ بمَوْفُورِ الشَّبابِ الدَّواهِيَا
وغالبْتُ دَمْعَ العَيْنِ ضَنًّا بعِزَّةٍ
فَلَيْسَتْ دُمُوعِي فِي العَياءِ دَوائيا
ولَوْ أنَّنِي أرْسلْتُها بمَواَجِعِي
لأجْرَتْ بما أرْسلْتُ مِنْها السَّوَاقِيا
تَداعَتْ عَلَيَّ الحَادِثاتُ كأنَّنِي
أواجِهُ فِي البِيدِ الوُحُوشَ الضَّوارِيا
وحَاصَرَني جمْرُ الحياةِ بلفْحِه
فأحْرَقَ لحْمِي واسْتَباحَ عِظَامِيا
وأبْحَرَ فِيَّ الكَوْنُ يَقْرأُ مِحْنَتِي
فَهَيَّجَ مِنْ عُمْرِي السِّنِينَ البَوَاكِيا
وَلمَّا توَلَّانِي زَمَانِي بِكَبْوةٍ
قَفَزْتُ إلى المْجْدِ التَّلِيدِ مُبَاهِيا
وفَوْقَ ظِلَالِ الحَرْفِ أطْرَقْتُ حَائِراً
أُقَلِّبُ صَفْحَاتِ العُصُورِ الزَّوَاهِيا
تَجَشَّمْتُ دَرْبَ العَاشِقِينَ ولمْ أزَلْ
عَلَى أثَرٍ ( أُزْجِي القِلاصَ النَّوَاجِيا )
وأغْرَتْنِيَ الأَحْلامُ فِي نَسْج ِصَفْحةٍ
مِنَ الفَجْرِ أمْحُو فِي سَنَاها ظَلَامِيا
فأخْفَى سَوَادُ اللَّيلِ أطْيَافَ عُهْرِه
وحَاصَرَ في جَوْفِ الظَّلَامِ نَهَارِيا
وأبْصَرْتُ خِذْلاناً عَلَى ظَهْرِ كَبْوتِي
يُمَزِّقُنِي فِي حِمْصَ يَنْزِفُ دَامِيا
يُنَاجِي الكَرَى جَفْنِي القرِيحُ مُسَهَّداً
وحَسْبُكَ مِنْ جَفْنٍ يَبِيتُ مُنَاجِيا
حَمَلْتُ مِنَ الآلامِ مَا لَوْ حَمَلْتُه
عَلَى شَامِخٍ أعْيا الجِبالَ الرَّوَاسِيا
وضَاقَتْ يَمِينِي بِاْلعَيَاءِ وعَاتَبَتْ
عَلَى مَا تَدَاعَى مِنْ ظِلالِي ، شِمَالِيا
تَمَنَّيْتُ أَنْ ألْقَى بِحُمْصَ مَنِيَّتِي
وأرْضَعْتُ مِنْ صَبْرِي الجَرِيحِ الْأَمَانِيا
( تَمنَّيتُها لمَّا تمنَّيْتُ أنْ أرَى
صَدِيقاً فأَعْيا أوْ عَدُوًّا مُدَاجِيا )
وأطْلَقْتُ صَوْتِي فِي الفَضَاء مُدَوِّيًا
فزلزلَ صَوْتِي المُسْتَغِيثُ فَضَائِيا
ألَا وَكَأَنْ نادَيْتُ عَيًّا فَلَمْ يُجِبْ
ومَا زَالَ صَوْتِي فِي صَدَاهُ مُنَادِيا
صَبَرْتُ ومَّلَّ الصَّبْرُ مِنِّي وإِنَّنِي
أُحَطِّمُ بِالصَّبْرِ المَنِيعِ وِثَاقِيا
ومَا كَانَ صَبْرِي مُثْمِراً مَا رَجَوْتُه
ولمْ يَكُ فِي يُمْنَايَ ظَمْآنَ خَاوِيا
أَنَا البَحْرُ والإِعْصَارُ هَيَّجَ غَضْبَتي
ولَنْ يَخْذُلَ الإِعْصَارُ يَوْماً عُبَابِيا
ولنْ يَبْرَحَنْ حِمْصَ العَدِيَّةَ خَالِدٌ
فَمَازَال سَيْفُ اللهِ فِي الغِمْدِ بَاقِيا
أتَيتُكِ يا حِمْصُ الجريحةَ غَاضِبا
أُطارِدُ أسْرَابَ الظَّلَامِ أَمَامِيا
سأجْتثُّ أشْواكَ الحقولِ ببارقي
وإنْ كَانَ نابُ الشَّوْك فِي الرَّوضِ ثَاوِيا
أرَانِي بِجِسْمِي قَدْ رَحَلْتُ مُوَدِّعاً
ومَازَال قَلْبِي فِي مَغَانِيكِ بَاقِيا
سَأَرْجِعُ للمَيْمَاسِ يا حِمْصُ فاتِحاً
وأُحْيِي عَلَى العَاصِي السِّنِينَ الخَوَالِيا
( وقَدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعْدَمَا
يظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أنْ لَا تَلاَقِيا )
فَلَسْنَا عَلَى الآمَالِ نَبْنِي مَزَاعِماً
ولَكِنْ عَلَى اْلجَبَّارِ نُلْقِي الْأَمَانِيا