مزيد من العقوبات ومزيد من التوترات وقانون CAATSA
تطارد الولايات المتحدة الحكومة التركية بعقوبات تحت طائلة قانون (CAATSA)، وعلى مدى السنوات الأربعة الماضية، لازالت العلاقات التركية-الأمريكية في تآكل.
يطارد قانون أمريكي تحت اسم “مكافحة أعداء أمريكيا باستخدام العقوبات (Countering America’s Adversaries Through Sanctions Act) أو اختصاراً بـ (CAATSA)، وهو قانون تفرضه الولايات المتحدة للعديد من الدول في حال شعرت بقلق على مصالحها الاستراتيجية، كما تجيد الولايات المتحدة استخدامه مثل “المطاطة” تشد وترخى أحياناً حسب الظروف. ووقع الرئيس الأمريكي في الأسبوع الماضي على قرار تبني هذا القانون على الحكومة التركية بشكل مفاجئ كون أن العديد من المحللين توقعوا تطبيق العقوبات بعد سن قانون التفويض من قبل إدارة الدفاع الوطني الأمريكية.
وسبق ذلك القرار تكهنات ونقاشات متعددة حول أسباب القرار-إذا كان فعلاً قد تقرر، كما توقع مدونو تويتر المختصين بالعلاقات التركية-الأمريكية الإعلان عن العقوبات يوم الجمعة 18 كانون الأول وحاولوا التنبؤ بنوع العقوبات التي سيتم فرضها. وبالرغم من ذلك لم يتم الإعلان عن العقوبات ولا محتواها والذي يشكل تحدياً كبيراً لمستقبل العلاقات بين الحكومتين.
وتتميز العقوبات بالغموض وماهية تأثيرها المحتمل على التعاون في صناعات الدفاع، ولربما نرى تغيرات على نتائج مختلفة ذات تأثيرات ثانوية، إضافةً ليست هذه المرة الأولى التي تفرض الولايات المتحدة قيوداً على الحكومة التركية فيما يتعلق بصناعة الدفاع، حيث الأزمة الرئيسية الأولى بين البلدين في الستينات نتيجة لرسالة غير دبلوماسية من الرئيس الأمريكي السابق ليندون جونسون (Lyndon Johnson) إلى رئيس الوزراء في تركيا آنذاك السيد/ عصمت إينونو (Ismet Inönü).
وقد حذر الرئيس جونسون في رسالة إلى عصمت إينونو (حزب الشعب الجمهوري) [وهو حزب علماني كان متماشياً مع المصالح الأمريكية في معظم سياساته]، من استخدام المعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لتركية في عملية محتملة على أزمة الجزيرة القبرصية، والتي كانت بمثابة خيبة أمل وجرس إنذار في حكومة أنقرة.
واصلت الحكومة التركية إطلاق مبادرات الصناعات العسكرية لتقليل اعتمادها اعلى هيمنة الأسلحة الأمريكية، ولعبت نتيجة هذه المبادرة دروراً مهماً خلال تدخل تركيا في حل النزاع القبرصي. وتدنت العلاقات التركية-الأمريكية خلال السبعينات من القرن المنصرم وخاصة من نواحي الصناعات العسكرية، والذي دفع الكونغرس الأمريكي إلى إقرار تشريع لاعتماد حظر أسلحة على تركيا خلال الحرب الباردة. وبقي الأمر على ذلك رغم ميول مسؤولي البيت الأبيض لتغيير آراء الكونغرس الأمريكي.
ورغم رفع حظر الولايات المتحدة للمعدات العسكرية إلى تركيا، إلا أنه أبقى التأثير النفسي على العلاقات بين البلدين، ووجدت تركيا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت في الواقع “حليفاً غير موثوق به” بعد الحظر. واتجهت الإدارة التركية إلى مناقشة التنوع في مصادر الواردات العسكرية وإنشاء صناعات دفاعية وطنية، وزادت هذه الفكرة بوضوح بعد قرار تركيا بإغلاق القواعد الأمريكية في البلاد، والذي رأى من شراء منظومة دفاع روسية (S400) فرصة تنوع قدارته الخاصة واستغلال الضعف الذي كانت عليه الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
وبنظرة زمنية قريبة وخلال السنوات الأخيرة، كان التوتر الكبير في علاقات الحلفاء قائمة بموضوع صناعات الدفاع، ونتج عنه رفض واشنطن بإرسال طائرات بدون طيار كانت أنقرة تحتاجها لمحاربة “الإرهاب” الذي أدى إلى أزمة ثقة بين البلدين. ونتيجة للرفض المتكرر من الولايات المتحدة لإمداد تركيا بالطائرات المعروفة بمصطلح “درون” أو طائرات التحكم عن بعد، أطلقت تركيا المبادرة الكبرى، وبدأت كافة الشركات العامة والخاصة في الاستثمار بكثافة في إطار تقنيات صناعة الـ “درون”. وأدى ذلك لوضع الصناعات التركية للطائرات المسيرة في مقدمة المصنعين لهذه الأسلحة.
العقوبات المفروضة على تركيا سوف تستهدف (التعاون في الصناعات الدفاعية بين البلدين)، كما أنها تجعل من تركيا فرصة أكبر للاعتماد على صناعاتها العسكرية الأخرى، ومع ذلك، بالنسبة للعلاقات التركية-الأمريكية، فإنها ستولد المزيد من الصدمات التي تترك أثار عميقة لسنوات، كما أنه من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية لا يهمها مرجعية وأهداف الحزب الحاكم في أي بلد حتى لو كان صديق أو حليف، فالاستراتيجية الأمريكية تبقى واحدة تجاه كل من يباشر بتعدي الخطوط الحمر التي رسمتها طوال العقود.
وعليه نأمل ألا تقع الحكومة التركية في الفخ الأمريكي الذي وقع به شاه إيران مسبقاً وأدى إلى انهيار كامل للمؤسسات في إيران، تمهيدًا لحكم الملالي ، كما لا نأمل أن نرى تكاتف حكومات حلف الناتو على استبعاد تركيا عن الساحة الدولية.
نأمل لتركيا ولبلاد المسلمين أن يجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم.