مقالات

تونس ومسارات التطبيع العربية

أنور الغربي

الأمين العام لمجلس جينيف للعلاقات الدولية والتنمية
مستشار سابق في رئاسة الجمهورية
عرض مقالات الكاتب

في علاقة بما نشرته وسائل إعلام أمريكية، حول وجود اتصالات كي تصبح تونس على قائمة المطبعين، وحتى في غياب الموقف الرسمي للدولة من الملف الفلسطيني ككل، فإن الذي يهمني ويعنيني كمواطن تونسي ، بعيدًا عن أي صبغة سياسية أو حكومية هو تذكير الشعوب العربية والأحرار في كل مكان ،بأن التطبيع ليس واردًا البتة في بلد عقبة ابن نافع- باعتقادي – وذلك لمعرفتي الدقيقة بأحوال تونس ، وسياستها وتعاطي أحزابها مع مثل هذه الطروحات .

فالتقارير الإعلامية تصب في خانة مقياس ردود الافعال، لأن العديد من صناع القرار في الغرب يعتقدون بأن الموقف التونسي غامض في كثير من الملفات ، وهذا الأسلوب معتمد لدى الإعلام في الغرب ،وأحيانًا بطلب من السلطات السياسية لفهم طريقة التفاعل على المستويين الرسمي والشعبي من قضية ما؛ نحن لدينا في تونس نظام ديمقراطي ، والسلطة الحقيقية بيد الشعب يمنحها كل 4 سنوات لمن يرى أنه الأقدر على خدمته، والحفاظ على الثروات ،وقيم الشعب المتعارف عليها، وهذه ميزة غير متوافرة في البلاد العربية سواء التي ثارت على أنظمتها القمعية أو التي لم تثر، أوتلك التي سحقتها الثورة المضادة !

لا يوجد إنسان عاقل يذهب إلى الانتحار السياسي ،ويقدم على خطوة التطبيع عندما يعلم بأن القضية الفلسطينية هي في صلب اهتمامات الناس ،وأي اعتداء على الحق الفلسطيني هو بمثابة الاعتداء المباشر على الشعب التونسي ! فعلى المستوى الإجرائي البحت فإن خطوة كهذه يجب أن تحوز على موافقة البرلمان، وهذا غير وارد مطلقًا مهما كانت الخلافات والتجاذبات بين الكتل ،سواء في البرلمان الحالي أو الذي سيخلفه، لأن الاجيال الحالية و التي تنتخب لا يمكن أن توافق على مخططات التفويت في الحقوق الفلسطينية .لا يمكن للشعب التونسي أن ينسى بأن اسرائيل كانت قد اعتدت على الأراضي التونسية والمواطنين التونسسن وضيوف تونس ؛ في مناسبات عدة بدا بالقصف على حمام الشط في ضواحي تونس منتصف الثمانينات وصولا لاغتيال الباحث والخبير التونسي محمد الزواري ، ولن يكون بمقدور أي مسؤول تونسي أن يفرط في دماء وحقوق الناس أيًّا كانت المسوغات!

إن وجود شعب واع ومجتمع مدني متيقظ ، ومنظمات وأحزاب وطنية، هي الضمانة الأساسية لعدم الذهاب لمستنقع التطبيع المهين وغير المجدي على الاطلاق – مصر و الأردن – كأمثلة حية على نتائج التطبيع بعد عشرات السنين ،إن الشعب التونسي يرى في مجمله بأن مصالحه هي مع جيرانه من الجزائريين والليبيين، ولا يمكن أن يخذلكم أو يمارس الاعتداء بنهج سلوك التطبيع المذل للعرب ،ولكل الأحرار في العالم .

وفي الختام:

فإن تونس “وفي القلب الشعب التونسي ” أكدت مرارًا ومنذ عشرات السنين ،بأنها مع القانون الدولي واحترام إرادة الشعوب ،ولا يمكن لسلطات جاءت بعد ثورة رفعت شعار الحرية والكرامة وتحرير فلسطين الإقدام على خطوة التطبيع والنكوص على كل المكتسبات منذ الاستقلال وإلى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى