بحوث ودراسات

ربانية الدين الإسلامي العظيم وخلود رسالته 1من 5

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب

مقدمة:

يوجِّه البعض في زماننا الحاضر بعض الشبهات في مجالات متعددة: كالعقيدة، والفكر، والتشريع، وفي مجالات المرأة، وكذلك في مجالات العقوبات، وغير ذلك.

وما أُثير في ذلك أن الدين الإسلامي – الذي يتبعه قريب المليار ونص المليار مسلم-  هو صناعة بشرية، من صناعة محمد ﷺ!، وليس وحياً من الله تعالى وليس القرآن الكريم كلاماً له، وبناء على ذلك شككوا بعالمية الدين الإسلامي، وديمومته وخلوده، بل هم في ذلك نفوا رسالة كل الأنبياء وليس رسالة محمد ﷺ؛ لأن رسالة الأنبياء واحدة ودينهم واحد، فنحن نذكر في هذا البحث دلائل ربانية الدين الإسلامي العظيم، ورسالته الخالدة ونرد على هذه الشبه المثارة حول هذا الدين العظيم، دينِ الفطرة الإنسانية، وهذا من واجب العلماء جميعاً الذين هم ورثة الأنبياء، فوجب عليهم أن يقوموا بواجب البيان، وواجب الإفصاح، والصدع بالحق، قال تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ[ [الحجر: 94-95].

أولاً: الدين الإسلامي الخالد ودلائل عالميته:

أ‌.       تعريف الدين:

الدين مجموعة من الاعتقادات، والقيم، والتعليمات التي يدين بها الإنسان، أي: يسير وفقها، ويلتزم بها.

والغالب أن الدين بهذا المعنى يكون – حسب اعتقاد أصحابه – من الله تعالى، وصل إلينا بواسطة أنبيائه، وإن كان الدين بالمعنى اللغوي فإنه يشمل غير ذلك، فإن الله تعالى يقول للمشركين: ]لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين[ [ الكافرون: 6]. ويقول تعالى في سورة يوسف: ]مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ[ [يوسف 76]. دين الملك: شرعه، وقانونه الذي تسير به البلاد، ويحَكم به على الناس، ولكن الغالب – كما ذكرنا -أنّ الدين يراد به: ما هو اعتقاد في الله تعالى، واعتقاد في تعاليمه، وأوامره وتوجيهاته.([1])

وهذا المعنى مطابق للمعنى اللغوي فإنَّ كلمة: دان يدين: خضع للشيء، وسار عليه، والتزم به.

ب‌.‌‌معنى عالمية الدين ومحدودية الرسالات السابقة:

الدين هو الوضع الإلهي الذي اختاره الله لعباده ليصلحهم في الحياتين، ويكون عالميا بعدم اختصاصه بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقه في إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتداد هدايته أزمانا طويلة تتجاوز العصر الذي بدأت فيه، بمعنى أن يكون الدين صالحًا لكل جنس وكل جيل، أو لكل زمان ومكان، أو بمعنى آخر أن يكون الدين شريعة الإنسان من حيث هو إنسان، بقطع النظر عن العوامل والفوارق العارضة، التي لا تدخل في ماهية الإنسان كإنسان، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية في أي دين.

فهو لا يكون دين جنس تميزه فصيلة الدم، أو سمة اللون، أو ظاهرة اللغة، بل دينا لا يفرق بين العربي والعجمي والحبشي والرومي، ولا بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، ولا يمنع من أن يستظل بلوائه متكلم بأية لغة من اللغات، وهو لا يكون دينا محلياً تحده حدود جغرافية واعتبارات إقليمية، بل يصلح لكل البيئات وكل الأجواء ويتناسب مع كل بقعة زراعية وصناعية وتجارية، برية وبحرية، بدوية وحضرية على اختلاف المستويات المادية والاعتبارات الأخرى.

وهو لا يكون دينا عالميا إلا إذا صحب الإنسان في جميع أزمانه المتطورة، وعصوره المتلاحقة، بمعنى أن يكون خالدا لا يعتريه نسخ أو زوال، ولا عقم أو جمود، موفيا بجميع مطالبه المتنوعة المتجددة في الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وفي كل الميادين التي يزاول فيها الإنسان بعقله الواسع نشاطه الكامل من كل نوع.

ولا يوجد دين من الأديان السماوية أو الوضعية فيه هذه المواصفات التي تجعله عالميا إلا دين الإسلام، فالدينان السماويان الكبيران وهما اليهودية والنصرانية، كل منهما خاص بقومه وبعصره.

فاليهودية لا تصلح أن تكون دينا عالميا لأنها مرتبطة بشعب معين تعرض للتشريد غير مرة، تقوم حياته على العصبية الحادة والعنصرية الجامحة، ذلك أنهم يحاولون أن يستأثروا بعبادة إله وصفوه بأوصاف خاصة، ويعتقدون أنهم شعب الله المختار وأن غيرهم أميون، ويستبيحون من غيرهم ما لا يستبيحون من أنفسهم كالربا، فهل مثل هذا الدين يصلح أن يكون عالميًا؟ على أنه لا يوجد نص في التوراة يتحدث عن هذه العالمية، فهي دين أسرة بشرية واحدة هي بنو إسرائيل وهم يكرهون أن يدخل بينهم غير عنصرهم.

ولو نظرنا إلى المسيحية لرأينا أنها عند تقرير العقيدة لا تعتمد على الدليل المقنع، بل توجب أن تؤخذ بالتسليم المطلق، والعقول في تطورها جريا على سنن الله الكونية، تأبى أن تظل حبيسة التقليد أو التلقين.

كما أنها تنادى بالزهد البالغ والرهبانية الشديدة، وتحرم الأغنياء أن يدخلوا ملكوت السماوات، وفى المسيحية تسامح متناهٍ وعفو واسع، ومن المعلوم أن امتثال هذه الأوامر يتعذر على غير الأذلة المستضعفين من الناس، وقد يكون من أكبر المفاسد بإغراء الأقوياء بالضعفاء الخاضعين. على أن سيدنا عيسى عليه السلام بدأ دعوته ببنى إسرائيل خاصة، كما جاء في إنجيل متى: “لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة”.([2])

وإن الدين اليوم أشد منه، وأقوى مما كان عليه في القرن التاسع عشر – على سبيل المثال-.

وهذا السؤال كان وارداً في بداية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين؛ بسبب تراجعات كبيرة، وبسبب التقدم الكبير لما اعُتبر بديلاً عن الدين، أي: العلم ومجموعة من المبادئ التي سميت بالحداثة، ولكن الآن من أول القرن العشرين، حتى نهاية القرن العشرين، والآن قد مضى خُمس القرنِ الحادي والعشرين، الدينُ يتقدم، ويترسخ، ولله الحمد.([3])

            مستقبل الدين الإسلامي:

“مستقبل الإسلام” موضوع يشغل الجميع، يشغل أبناء الإسلام وأعداء الإسلام. يشغل الخائفين على الإسلام والخائفين من الإسلام، الجميع يتطلع ويترقب ويتساءل: ما هو مستقبل الإسلام؟ ([4])

إن الإسلام في أصله وجوهره ومجمل ما جاء به، هو إسلام واحد؛ هو إسلام الكتاب والسنة. فليس هناك إسلام للماضي وإسلام للحاضر وإسلام للمستقبل، وأقول: إن ثوابت الإسلام العقدية والخلقية والتشريعية، منها ما هو مستمر ومستقر منذ آدم ونـوح إلى محمـد عليهـم الصـلاة والسـلام. وهو ماض على ذلك إلى يوم القيامة. وأن إسلام الماضي البعيد هو نفسه إسلام الماضي القريب، وهو إسلام الحاضر وإسلام المستقبل.([5])

إن الإسلام هو دين الله تعالى، وهو حاميه ونحن كبشر مستخدمون فقط في ذلك، فمن امتن الله عليه برعاية الإسلام، وخدمته فقد شرفه الله تعالى، ومن لم يشأ الله تعالى به ذلك فسيصرفه عنه، كما قال تعالى: {‌سَأَصۡرِفُ ‌عَنۡ ‌ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ} [الأعراف: 141] 

وقد جعل الله تعالى المستقبل لهذا الدين مطلقاً ولأجل ذلك قال: {‌وَعَدَ ‌ٱللَّهُ ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٌ وَأَجۡرٌ عَظِيم} [المائدة: 9] 

قال موسى لقومه: {ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ ‌إِنَّ ‌ٱلۡأَرۡضَ ‌لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} [الأعراف: 121]. ثم قال الله تعالى في آية أخرى:

وقال: {‌وَلَقَدۡ ‌كَتَبۡنَا ‌فِي ‌ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ * إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغاً لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ * وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةً لِّلۡعَٰلَمِينَ} [الأنبياء: 105-107] 

(وأل) هذه للجنس فإنها تستغرق كل العالم ولا يستثنى منها أحد.

وقال تعالى: {‌وَنُرِيدُ ‌أَن ‌نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةً وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} [القصص: 5] 

وقال: {إنَّا ‌لَنَنصُرُ ‌رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} [غافر: 15] 

كل هذه نصوص تبين مستقبل الإسلام الزاهر، وأن العاقبة في الحياة الدنيا هي للمتقين من عباد الله، وأن العاقبة في الدنيا والآخرة لهذا الدين، وأن الله تعالى كتب أن الأرض يرثها عباده الصالحون، فهذه مبشرات عظيمة لمستقبل هذا الدين العظيم.

إن مستقبل الإسلام مرتبط بمستقبل البشرية كلها، والدين الحق والرسالة الخالدة، والخاتمة لبقية الرسالات هي دين الإسلام، قال تعالى: {ٱلۡيَوۡمَ ‌أَكۡمَلۡتُ ‌لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ ديْنَاً فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِف لِّإِثۡم فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيم} [المائدة: 3] 

وإن مستقبل الإسلام هو مستقبل البشرية كلها نحو السعادة، والهداية ونحو تعاليم القرآن، والقيم الإنسانية الرفيعة التي غرسها الله تعالى في الفطر السوية، والعقول والقلوب السليمة، فلا شك أن الإنسانية جمعاء بحاجة لتعاليم الإسلام. ([6])

هذا الإسلام الذي شرعه الله تعالى هو مصلحة البشرية في كل جوانب حياتها: في الجانب السياسي، هو الذي أتى بالحريات ومنع الإكراه، وفي الجانب الاقتصادي حرم الاستغلال والربا والاحتكار والغش والخداع… وفي الجانب الاجتماعي شرع الأسرة وحرم الجنْدَرة وغيرها.

مبشرات مستقبل الإسلام من الواقع:

ومبشرات مستقبل الإسلام الواقعية كثيرة، فالآن يثوب الناس إلى دين الله أفواجاً، والتدين في كل مكان أحسن وأفضل وأكثر مما مضى، حتى الأذان على المستوى العالم لا يتوقف ولا لحظة، وهذا لم يكن موجوداً قبل مئة سنة فأكثر.

وللنظر إلى الشباب والتدين الذي نراه فيهم، وحبهم للإسلام وقيمه، وكذلك النساء وعودتهم إلى الحجاب والأخلاق الفاضلة، وكذلك انتشار الجامعات والمؤسسات التعليمة هذه كلها مبشرات على مستقبل الإسلام الزاهر.([7])


([1]) أحمد الريسوني، برنامج شبهات وشهوات، الحلقة الأولى.

([2]) عطية صقر، الدين العالمي ومنهج الدعوة إلى الله، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة – ١٩٨٨ م، ص 10 وما بعدها. وانظر عن شمولية الإسلام: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 2005م، ص16 وما بعدها. والإسلام على مفترق الطرق، محمد أسد، ص 24-29.

([3]) د. أحمد الريسوني، من برنامج شبهات وشهوات، الحلقة الأولى.

([4]) أحمد الريسوني، مستقبل الإسلام وإسلام المستقبل.

([5])  أحمد الريسوني، مستقبل الإسلام وإسلام المستقبل.

([6]) علي الصلابي، برنامج: ” بيان للناس” حلقة بعنوان: مستقبل الإسلام.

 ([7]) محمد ولد الددو الشنقيطي، برنامج: ” بيان للناس” حلقة بعنوان: مستقبل الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى