تحقيقات

“عين عيسى” والمعركة المنتظرة

حسام رمضان

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

هل دخول تركيا وسيطرتها على عين عيسى أمر محتوم دولياً؟ وهل سيزداد الصراع حولها؟

لم يكن بالحسبان أن تتحول عين عيسى، البلدة التي تبعد نحو 55 كم عن مدينة الرقة، إلى بؤرة توتر قد تشعل صراعاً إقليميا أو حتى دولياً ما قد يقلب التوازنات القوى الحالية في سوريا.

وألهبت البلدة ذات المناخ الجاف والحرارة المرتفعة خلال الأسابيع الماضية صراعاً بين قوى النفوذ في سوريا، بدأت تظهر معالمه مع تهديد وزارة الدفاع التركية منتصف تشرين الثاني الفائت بشن عملية عسكرية في سوريا ضد الوحدات الكردية التي ارقت منطقة نبع السلام بعمليات تسلل واغتيالات وتفجيرات أسفرت عن حصيلة قتلى وجرحى بالمئات كان للقوات التركية منها نصيب.

ولا تخفى الأهمية الاستراتيجية للبلدة، وهي التي تمتلك عقدة مواصلات مهمة، تربط بين محافظتي حلب والحسكة عبر الطريق الدولي M4 الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض على الحدود التركية، ومدينة الرقة، فهي نقطة اتصال بين شرق سوريا وغربها.

وخلال السنوات العشر الماضية، نال البلدة، التي يبلغ عدد سكانها قرابة 200 ألف نسمة، نصيب مما نالته باقي مدن وبلدات المحافظة، حيث دارت داخلها معارك كثيرة وتنازع عليها أطراف كثيرة من ضمنها النظام الحاكم في سوريا، ثم خضعت لحكم قوات داعش، وبعد استمرار عمليات الكر والفر في منطقة الرقة، والقصف المتواصل، تمكّنت قوات سوريا الديمقراطية من تحريرها، وقامت بحفر أنفاق وخنادق في مدينة عين عيسى ومدينة عين العرب، تحسباً لأي طارئ.

وقد توصّلت قوّات سوريا الديمقراطية إلى اتفاق مع روسيا على إنشاء ثلاث نقاط عسكرية مشتركة في محيط منطقة عين عيسى شمالي الرقة، كما أعلن المجلس العسكري لتل أبيض الاتفاق بنشر نقاط مراقبة مشتركة مع الجيش الروسي، غير أن جميع تلك الاتفاقات لم تكن كفيلة بتهدئة الاشتباكات المندلعة منذ أسابيع.

وتتسم البلدة الصغيرة برمزية لا يستهان بها بالنسبة للإدارة الذاتية فوجود القاعدة العسكرية التي أسستها القوات الأمريكية، التي تقود التحالف، منذ مطلع عام 2016، جعل مدينة عين عيسى تتحول إلى منطقة استراتيجية، دفعت “الإدارة الذاتية” إلى تأسيس عدد كبير من المؤسسات والمجالس التابعة لها فيها. وتحوّلت عين عيسى إلى شبه عاصمة لـ “الإدارة الذاتية” في الشمال بإيعاز أمريكي، في حين كانت مهملة والخدمات فيها سيئة قبل إنشاء القاعدة الأمريكية.

وفي حين تسعى تركيا إلى ابعاد المليشيات الكردية عن خدودها قدر المستطاع، وجدت القوات الروسية في الأزمة مدخلا لابتزاز الوحدات الكردية لدفعها إلى تقديم مزيد من التنازلات لصالح نظام الأسد.

وقد كثّف “الجيش الوطني” مدعوماً بالجيش التركي خلال الفترة الماضية من وتيرة قصفه بلدة عين عيسى شمالي الرقة، وكان الطيران التركي قد حلّق بشكل مكثف ليلاً خلال قصف مدفعي استهدف مواقع “قسد” في المنطقة، وسقطت مئات القذائف على مناطق في عين عيسى مصدرها مناطق سيطرة “الجيش الوطني”.

وكذلك أنشا الجيش التركي قاعدة عسكرية جديدة في قرية صيدا، التي تبعد اثنين كيلومتر فقط عن بلدة عين عيسى، مزودة بأبراج مراقبة تطل على البلدة.

وكان “الجيش الوطني” قد وصل إلى أطراف عين عيسى ضمن عملية “نبع السلام” التركية، في 22 من تشرين الأول 2019، بعد اتفاق تركي- روسي على انسحاب “قسد” من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومتراً، خلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت.

أما روسيا فتسللت إلى المنطقة بعد أن سمحت “قسد” لقوات النظام وروسيا بالدخول إلى المنطقة على خلفية العملية العسكرية “نبع السلام” للجيش التركي مدعوماً بـ”الجيش الوطني” شرق الفرات، التي أُطلقت في 9 من تشرين الثاني 2019. وتوقفت العملية باتفاق روسي- تركي قضى بتسيير دوريات مشتركة، ووقف إطلاق النار، وانسحاب “قسد” من الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، إلا أن كامل الشروط لم تنفّذ بعد.

وبالمجمل لا يزال الغموض يكتنف الوضع الميداني الحالي رغم ظهور عدة مؤشرات على قرب شن تركيا و”الجيش الوطني” عملية عسكرية جديدة في منطقة شرق الفرات، منها تقدم الجيش الوطني في 17 من كانون الأول الحالي إلى قريتي الجهبل والمشيرفة في محيط بلدة عين عيسى شمال الرقة ما دفع الوحدات الكردية للانسحاب.

وفي ظل هذه التجاذبات لا يزال الموقف الأمريكي ضبابياً إذا لم تبد إدارة ترامب أي ردود فعل حاسمة حيال تلك التجاذبات التي تعيشها البلدة بل تركت العنان للقوات الروسية لتشرف على إدارة الصراع داخلها.

فهل ستكون قرية عين عيسى تحت سيطرة تركيا بمباركة روسية أمريكية أمر لا بدّ منه؟! أم سيدخل نظام الأسد طرفاً في الصراع على البلدة من جديد بضوء من الإدارة الذاتية التي تفضل الشيطان على أي شيء ذي صلة بالمارد الإقليمي التركي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى