مقالات

العواصم من القواصم

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب

تتعرض الثورة السورية منذ بدايتها إلى حرب شعواء للقضاء عليها،قادها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون ،وشارك فيها المجتمع الدولي والأمم المتحدة ، تنوعت أدوات هذه الحرب بين الأسلحة الحربية و الإعلامية، و السياسية و الأمنية واﻻقتصادية ؛ ولكن الأدوات القانونية والحقوقية كانت أخطر هذه الأدوات ،لأنها تطيح بالحقوق وتقلب الباطل حقًا والحق باطلاً ، و تجعل من الجاني ضحية و الضحية جانيًا ، و تجعل الثائر مجرمًا والمجرم بطلاً !

ومن المؤسف؛ أنّ هذه المهمة أُسندت إلى الأمم المتحدة التي تملك السلطة والقرار، ممثلة بقرارات الجمعية العامة ،وتملك أدوات التنفيذ الجبرية ممثلة بمجلس الأمن ، وجيشها المتمرس في خوض مثل هذه الحروب .

هذا الجيش الأممي المؤَلف من أدهى منظري السياسات و الخبراء و أخبث المبعوثين ،وأقذر الأموال التي بها يتم تجنيد العملاء والمخبرين ، وأن ما تعرضت له الثورة من اختراقات عبر الأمم المتحدة يصل إلى درجة اعتبارها من قواصم ظهر الثورة والثوار ومن أهمها :
1-قاصمة الحرب الإهلية :
إن تبني مفهوم الحرب الأهلية واسقاطه على الحالة السورية؛ له نتائج كارثية لأنه يقلب الثورة إلى عصيان مسلّح ، و يحوّل الثوار إلى مجرمين وخارجين على القانون ، و يجعل عمليات القتل واﻻعتقال و اﻻغتصاب و النهب والسلب و التهجير و التغييرالديموغرافي التي ارتكبها النظام و شبيحته وحلفاؤه مجرد نتائج لهذه الحرب الأهلية؛ يتحمل فيها الجميع المسؤولية بالتساوي بين الجاني والصحية ، كما يمنح النظام صك براءة عما ارتكبه من جرائم باعتباره سلطة شرعية تمارس حقها الدستوري بالدفاع عن الدولة ،وهو عمل من أعمال السيادة ، انتجت هذه المقاربة اأممية للثورة السورية مفهوم الحرب على اﻻرهاب ،و مفهوم حماية اﻻقليات ، و مفهوم الهوية ، ومفهوم الفيدرالية ، ومفهوم الجندرة ، ومفهوم عدالة ” جبر الضرر” بأنواعها المختلفة منها العدالة التصالحية والتي تمس حقوق المتضررين في أرواحهم وأبدانهم وأعراضهم التي تحكمها قواعد التفاوض و المساومة و التسامح بعيدًا عن التقاضي أمام المحاكم و العدالة التعويضية التي تمسّ المتضررين أموالهم و ممتكلتهم التي ستحصر حق المتضررين بالتعويض بعدما أقام الغاصبون مشاريعهم على هذه العقارات ،وبيعها وترتيب حقوق للغير، وستكون ذريعتهم عدم رد العقارات والحقوق واﻻكتفاء بالتعويض متناسين أنه ” ﻻيوجد في زمن الحرب حسن نية منشئ للحقوق للغير على حساب أصحاب الحقوق الأصليين” .
2- قاصمة الحرب على الإرهاب :
إن تكريس مفهوم الحرب اﻻستباقية على اإرهاب الذي ابتدعته الوﻻيات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ أصبح عرفًا دوليًا تستند إليه الدول لحماية مصالحها ،والتدخل في مناطق الصراع و الدول التي تشهد ثورات ضد الأنظمة الدكتاتورية ؛ وسورية كانت مسرحًا واسعًا لهذه الدول التي حولت النزاع في سورية من ثورة شعب ضد نظام دكتاتوري إلى نزاع دولي تحكمه المصالح الدولية ،مما أنتج تحالفات دولية وإقليمية ، كانت طوق النجاة للنظام السوري ،حيث عقد اتفاقيات دفاع مشترك مع روسيا وإيران كانت له درعًا واقيًا من أي استهداف إقليمي أو دولي ، وتمكنت روسيا من إعادة انتاجه وتقديمه للمجتمع الدولي كشريك قوي وموثوق يعتمد عليه في الحرب على الإرهاب مصدر التهديد العالمي ، فكانت قاصمة الحرب على الإرهاب لظهر الثورة عبر تكريس لوائح التصنيف الدولية والإقليمية و ثنائية اﻻعتدال والتطرف ، التي تعطي السند القانوني للنظام السوري ﻻرتكاب المجازر و جرائم الحرب والحرائم ضد الإنسانية دون محاسبة باعتباره يمارس حقه الدستوري في الحفاظ على وحدة الدولة وسيادتها و حماية مصالحها و الدفاع عن شعبها ، الأمر يعطي لرأس النظام و أركانه ومجرميه حصانة من الملاحقة الجنائية مستندًا إلى المبررات القانونية من حقه بالدفاع المشروع ، و حقه في استخدام الحق ، و حالة الضرورة ، والتذرع بالقوة القاهرة ، ومسؤولية الغير عن الفعل الضار التي تقلب مسؤوليته من مسؤولية جنائية عمدية تقتضي العقاب وجبر الضرر؛ إلى مسؤولية تقصيرية تفتضي التعويض فقط ،وتحيل عبء اﻻثبات على المتضرر، مما يرهقه ويؤدي إلى عجزه عن ذلك مما يهدر الحقوق ،ويكرس الظلم و يعزز النزعة الإجرامية لدى القتلة والمجرمين ويجعل نجاح مشاريع المصالحة وإرساء السلم الأهلي مستحيلاً !

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. هذه قراءة معمقة و توصيف دقيق للحالة السورية، و مع قتامة المشهد و اكتمال فصول المؤامرة بالقوانين الدولية ؛ يبقى الأمل موجودا بانتصار هذه الثورة المحقة في أهدافها ، مع اليقين بموعود نصر الله للمستضعفين .
    كل الشكر للأستاذ عبدالناصر حوشان على وقوفه على الحق و الحقيقة في هذه الدراسة .

  2. ماجاء في هذه المقالة تلخيص دقيق لما يجري وما خطط له بشكل ممهنج ونحن ساعدنا بصمتنا على الأجسام الخبيثة التي تصدرت المشهد الثوري منذ بداية الثورة، وقسم من هذا الكلام أنا سمعته هنا من جهة مسؤولة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى