بحوث ودراسات

مبادرة طهران :هل يُطلقها نظام الملالي فتشتعل حرب إقليمية ؟ 3من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

المهدي يتواصل مع الإدارة الأمريكيَّة: للتَّفاوض أم للتَّهديد؟

كما سبقت الإشارة، أراد المهدي التَّواصل مع الإدارة الأمريكيَّة للتَّعبير عن أسفه حيال الهجمة الإرهابيَّة التي استهدفت الرَّئيس الأمريكي، وليم جاكسون، وضيفيه، رئيس الوزراء الإسرائيلي والرَّئيس المصري. يقول المهدي في رسالته “لا أرى أنَّ من الحكمة أن تستمرَّ العلاقات الرَّسميَّة بين الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة وأمريكا في المستقبل المنظور، تحت الظُّروف الحاليَّة…لم تعربوا عن تأييدكم لدولة الخلافة الجديدة التي أؤسس، ولا تبدون فهمًا لقوَّة الإسلام ولا لدوره الصَّاعد في العالم، ولا عبَّرت حكومتكم عن النَّدم المطلوب عن الإساءات السَّابقة. مع ذلك، فقد تجاوزنا عتبة معيَّنة، ودخلنا عصرًا جديدًا، والحكمة تقتضي أن تتحدَّثوا سريعًا. ربَّما ينبغي أن يتقابل ممثلو لمناقشة المسائل مشتركة الاهتمام، بما ذلك ما تواصلون اقتراحه بشأن إبرام اتّفاقيَّة للسَّلام الإقليمي. يبقى تقدير إذا ما كانت اتّفاقيَّة مثل تلك ممكنة، في ظلّ سياساتكم تجاه المظلومين في منطقتنا، ودعمكم السّياسي والعسكري والمالي لأكثر مَن يظلمونهم. غير أنّي لا يمكنني أن أرفض طلبكم لمقابلتي. لقد أتيت لإحلال السَّلام، وهذه مهمَّتي. إذا كنتم حقًّا تريدون السَّلام، فدعونا نتحرَّك سريعًا قبل فوات الأوان. وكما تقول الحكمة الفارسيَّة ‘الوعد مثل السَّحابة، والتَّنفيذ مثل المطر‘” (ص143-144).

احتار الرَّئيس جاكسون في نيَّة المهدي، وإذا ما كان يهدّد بما لديه من سلاح نووي بقوله “فقد تجاوزنا عتبة معيَّنة، ودخلنا عصرًا جديدًا”، وبإشارته إلى علاقة أمريكا بإسرائيل، أم أنَّه حقًّا أراد التَّواصل. يعتقد ديفيد أنَّ سكوت المهدي عن محاولة اغتياله لم يكن إلَّا لاستغلال الوقت حتَّى يتحيَّن الفرصة المناسبة للانتقام بـ “شنّ هجمة نوويَّة على إسرائيل” (ص177). قد تُحبط خُطَّة المهدي إذا ما بادرت إسرائيل بضربة استباقيَّة، لكنَّ الرَّئيس الأمريكي، وليم جاكسون، يعارض ذلك، “والمهدي يستغلُّ ذلك، مستشعرًا ضعْف السيّد جاكسون” (ص177). في استنكار لتقاعُس الرَّئيس الأمريكي عن ردْع إيران، يحذّر ديفيد من قُرب شنّ الهجمة الإيرانيَّة على إسرائيل، التي صارت قاب قوسين أو أدنى، مشيرًا إلى معلومات مؤكَّدة عن أن اثنين من الرُّؤوس النَّوويَّة التي تمتلكها إيران على متن السُّفن الحربيَّة التي تمرُّ عبر قناة السُّويس إلى البحر المتوسّط، أحدهما مصوَّب تجاه تل أبيب، والآخر تجاه غزَّة. في تلك الأثناء، يتفقَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، آشر نفتالي، ووزير الدّفاع، ليفي شمعون، استعدادات الجيش الإسرائيلي للتَّصدّي للهجوم الإيراني بضربة استباقيَّة، ويعتبر نفتالي أنَّ تلك اللحظة “هي الأخطر في تاريخ إسرائيل”، ملفتًا إلى أنَّه “لا رئيس وزراء من قبل-ولا حتّى بن غوريون أو إشكول-توجَّب عليه اتّخاذ قرار مثل هذا” (ص179).

مساعي التَّنصير في إيران تدخل مرحلة فارقة

يدرك مالك أنَّ طبول الحرب تُقرع، وأنَّ من واجبه تحذير الإيرانيين من نتائج الانسياق وراء ملالي الشِّيعة واتّباع عقائدهم، التي تنذر بهلاك عظيم، ويبدأ في التَّفكير في كيفيَّة توصيل تحذيره لبني قومه دون أن يتعرَّض لبطش الحرس الثَّوري الإيراني. يتذكَّر الفيزيائي الشَّاب ما سمعه من أحد القساوسة عبر فضائيَّة مسيحيَّة وهو يقول “حان الوقت لكي تقف الكنيسة بشجاعة واقتناع، وتقول بقوَّة الرُّوح القُدُس أنَّ الإسلام ليس الحلَّ، والجهاد ليس الطَّريق. يسوع هو الحقيقة، وهو الحياة، ولا أحد يمكنه الوصول إلى الآب إلَّا من خلال الابن، كما يقول إنجيل يوحنَّا (إصحاح 14: آية 6)” (ص112). يعتقد نجَّار مالك أنَّ الوقت قد حان لدرء الخوف من العالم الإسلامي، وحمْل أناجيل الرَّبّ إلى كافَّة أنحاء العالم، خاصَّة وأنَّ “إله الكتاب المقدَّس يمضي بقوَّة في العالم الإسلامي اليوم”، كما ردَّد القس (ص112). حينها، يجد مالك الحلَّ في مخاطبة إيران عبر البثّ المتلفز، ولكن بعد أن يفلت من “ضيافة” وكالة المخابرات المركزيَّة، وحينها يقرّر الهرب (ص113).

يقود مالك سيارة سرقها من أمام المبنى الذي كان محتجزًا بداخله، ويبدأ في البحث عن القنوات الفضائيَّة النَّاطقة بالفارسيَّة في واشنطن العاصمة، وتواصل مع العديد منها، حتَّى وجد اهتمامًا من منتج يتبع الشَّبكة الفضائيَّة المسيحيَّة الفارسيَّة (Persian Christian Satellite Network). يعمل الفيزيائي الشَّاب على بثّ كلمته للإيرانيين في أسرع وقت، لكنَّ عدم وجود خبرة لديه في استخدام شبكات التَّواصل الاجتماعي الحديثة يعطّل الأمر. يتعامل مسؤول القناة المسيحيَّة بهدوء مع المتنصّر الجديد، ليعرف كيف ترك عقيدة الإماميَّة الاثني عشرية ليصبح من أتباع المسيح.

ينتقل روزنبرغ بقارئه من واشنطن العاصمة في أمريكا، إلى مدينة همدان في إيران، حيث يشير إلى إرسال المرشد الأعلى، حميد الحسيني، بعض رجاله لإحضار الدكتور علي رضا برجندي، المرجع الشِّيعي والباحث في مجال علم نهاية الزَّمان، الذي ترك عقيدته، مثل نجَّار مالك الذي زاره وعبَّر له عن خيبة أمله في معرفة حقيقة عقيدة الاثني عشريَّة، ليعتنق المسيحيَّة سرًّا. رأى برجندي الطَّاعن في السّن في حميد الحسيني مسكينًا يستحقُّ الشَّفقة في ضلاله ونزوعه إلى العنف. أراد المرجع الشّيعي التَّبشير بحبّ المسيح وبالخلاص الذي يضمنه الإيمان به، لكنَّه خشي البطش؛ شعر برجندي في تلك اللحظة بضرورة البوح بإيمانه الجديد، لكنَّه تراجَع، داعيًا الرَّبَّ أن يمنحه الفرصة لذلك مستقبلًا.

يحضر برجندي أمام المرشد الأعلى للثَّورة، في وجود الرَّئيس الإيراني، ليجدهما يتحدَّثان عن “تطويق الصَّهاينة” بعد انضمام العديد من دول المنطقة إلى دولة الخلافة، وسيُحكم الخناق على إسرائيل، بعد ضمّ مصر والأردن (ص152). يُخبر برجندي برغبة المهدي، الذي أفنى عمره في البحث في المراجع التي تتناول سيرته، في مقابلته، لكنَّ المرجع الشّيعي السَّابق ينفر من وجوده في بلد واحد مع المهدي. يحذّر برجندي من الاستهانة بالخصم الصُّهيوني، خاصَّةً وأن نظام الملالي هو الذي استفزَّه بالهجمة على أمريكا التي استهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي. غير أنَّ المرشد الأعلى للثَّورة مطمئن لأنَّ الرَّئيس الأمريكي سيحول دون تنفيذ أيّ عمليَّة ضدَّ إيران، خاصَّةً بعد أن تراسَل المهدي معه. يخبر الحسيني برجندي أنَّه استدعاه لسؤاله عن النُّبوءات المتوقَّع حدوثها لاحقًا بعد ظهور المهدي. يجيب المرجع الشّيعي المتنصّر سرًّا أنَّه خلص من خلال دراسته لأحداث آخر الزمان، إلى أنَّ هناك 5 علامات أساسيَّة تسبق ظهوره: ظهور شخصيَّة تُدعى اليماني، وأخرى تُدعى السُّفياني، ونداء جبريل من السَّماء لجمع النَّاس لتأييد المهدي، واجتماع نفر من النَّاس لا يتجاوز عددهم 313 شخصًا لتأييد المهدي في مكَّة، وأخيرًا مقتل رجل يُلقَّب بـ “النَّفس الزَّكيَّة”، ليظهر المهدي في مكَّة بعد ذلك بأيام. غير أنَّ أيًّا من تلك العلامات لم يتحقَّق؛ ممَّا دفع برجندي لافتراض أنَّ “شيئًا ما خطأ”، وظلَّ يتساءل “ما هو؟” (ص158).

بعد امتناع القنوات الفضائيَّة عن الرَّد على طلبه للتَّبشير بالمسيحيَّة بين أبناء إيران، يفاجأ مالك باتّصال من قناة بي بي سي الفارسيَّة يطلب إليه التَّعاون مع القناة في التَّعريف بالبرنامج النَّووي الإيراني، بعد تردُّد أنباء عن إمكانيَّة اشتعال حرب بين إيران وأمريكا، أو إيران وإسرائيل، خاصَّة بعد أن أرسل الرَّئيس الأمريكي حاملة طائرات ثانية إلى الخليج العربي. يبدي مالك اهتمامًا بالغًا، ويحذّر من استخدام المهدي للرُّؤوس النَّوويَّة التي في حوزته للثأر، خاصَّة وأنَّه “يريد تدمير الحضارة اليهوديَّة-المسيحيَّة نهائيًّا” (ص160). يوافق الفيزيائي الشَّاب، الذي صرَّح برؤيا ظهور المسيح له للشَّبكة الإعلاميَّة المسيحيَّة الفارسيَّة، على عرض القناة العالميَّة للإدلاء برأيه بخصوص التَّهديد النَّووي المحدق.

ومن واشنطن العاصمة، حيث يسعى مالك إلى تعريف أنباء إيران بحقيقة الإمام الثَّاني عشر والتَّبشير بمخلِّصهم الحقيقي، الرَّبّ يسوع، ينتقل بنا روزنبرغ إلى همدان في إيران من جديد، حيث يتوجَّه ديفيد شيرازي إلى المرجع الشّيعي المتنصّر، على رضا برجندي، متَّخذًا الاسم المستعار رضا تبريزي، ليتفاجأ بعقد العالم الشّيعي المتخصص في علم آخر الزَّمان، جلسة لتعليم المسيحيَّة لمجموعة من الشَّباب، “جميعهم من أبناء كبار ملالي الشّيعة في قُم أو أعضاء في البرلمان من طهران…جميعهم يكتمون إيمانهم…جميعهم من أتباع المسيح، تخلُّوا عن الإسلام سرًّا وصاروا من أتباع يسوع” (ص172). كان برجندي هو من أخبر ديفيد عن نجَّار مالك، ولفت انتباهه إلى احتفاظ الفيزيائي الشَّاب معلومات حسَّاسة بشأن البرنامج النَّووي الإيراني، وكان ذلك هو ما دفَع ديفيد إلى تهريب مالك إلى أمريكا.

يفاتح المعمم الشّيعي المتنصّر ديفيد شيرازي، أمريكي المولد الذي عاش بين المسيحيين معظم حياته، في مسألة تنصُّره واتّخاذه الرَّبَّ يسوع مخلّصًا، ويذكّره بما ورد في الكتاب المقدَّس “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ” (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 1، آية 12)، مشيرًا إلى أنَّ يسوع بنفسه زاره، أي برجندي، في نفس الحجرة، وأخبره عن مجيء ديفيد لزيارته حتَّى قبل أن يعرفه. يقول برجندي لديفيد “اليوم هو يوم الخلاص، والوقت المحدَّد لنيل رضا الرَّبّ، قد لا تُتاح لك فرصة أخرى، ولا تعلم ما تخفيه الأيَّام، ولا أحد منَّا يعلم. أنت في حاجة إلى التَّذلل، والتَّوبة من المعاصي، وتلقّي يسوع في قلبك قبل أن يحدث ما لا يُحمد عقباه” (ص180). يردُّ ديفيد بالتَّعبير عن تقديره حرْص برجندي على خلاصه، لكنَّ المهمَّة الذي أرسلته بلاده لتنفيذها هي منْع المهدي وزبانيته عن تنفيذ مخطَّطهم الخبيث، والأحرى به هو إيجاد الرُّؤوس النَّوويَّة وتدميرها قبل فوات الأوان.

وأثناء تحاوُر الرَّجلين، يتفاجأ ديفيد بنجَّار مالك على شاشة الشَّبكة الفضائيَّة المسيحيَّة الفارسيَّة يحكي عن تجربة اعتناقه المسيحيَّة، ويتحدَّث بالتَّفصيل عن أهداف البرنامج النَّووي الإيراني. الملفت في الأمر هو أنَّ موقف مالك أثار إعجاب براعم الملالي وآيات الله، الذين افتُتنوا بشجاعته، وهزَّتهم قدرة الرَّبّ على إنقاذ شخص مثله. ما رآه ديفيد في هؤلاء الشَّباب الثَّائرين على فساد مذهبهم، والمفضّلين الإيمان بيسوع على الجهاد “ثوَّار حقيقيين، بطبيعة روحانيَّة، إن لم تكن سياسيَّة” (ص184). يتفاجأ ديفيد أنَّ هؤلاء الشَّباب من طلَّاب الحوزات العلميَّة الشّيعيَّة يشكّلون قاعدة من 150 ألف شخص من الطلَّاب الحاليين والخرّيجين، جميعهم تحوَّلوا إلى المسيحيَّة، ويعتبر أحدهم أنَّ الوقت قد حان للبوح بأنَّهم أتباع يسوع، خاصَّةً وأنَّه لا مجال للاستحياء من ذلك؛ فقد قال بولس الرَّسول “لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ” (رسالة أهل روميَّة: إصحاح 1، آية 16). لاحقًا، يواصل الفيزيائي الشَّاب إرسال تغردياته عبر تويتر للتَّبشير بحبّ المسيح وبالخلاص المرتبط بالإيمان به. يكتب مالك لمتابعيه على تويتر “المهدي هو المسيَّا الكاذب. لا يريد السَّلام، بل الحرب. اتَّجهوا إلى يسوع المسيح، طالما الوقت لم يزل متاحًا” (ص254).

الإمام الثَّاني عشر يُطلق “مبادرة طهران” وترقُّب لحرب إقليميَّة

تتسلَّط الأعين على مالك وهو يوجّه خطابه إلى الإيرانيين “الحرب قادة، إخواني وأخواتي. من وجهة النَّظر البشريَّة، لا يمكن منع الحرب. الإله وحده يمكنه إيقاف هذه الحرب، ليس إله الإسلام، وليس الإمام الثَّاني عشر، وليس الملالي ولا آيات الله. إلههم-إله الإسلام-يريد حربًا، يريد أن يسرق، وأن يقتل، ويدمّر كلَّ ما تعرفونه تحبُّونه وتعتزُّون به. أمَّا الإله الواحد الحقيقي-إله الكتاب المقدَّس، إله ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح-فهو أمير السَّلام، جاء ليهبنا الحياة-حياة أبديَّة ووفيرة ومثمرة وذات مغزى” (ص185). يطلب مالك إلى الإيرانيين الدُّعاء ليسوع المسيح لإنقاذهم من تلك الحرب المهلكة قبل فوات الأوان. يبادر أحد شباب المعممين، ويدعى عليّ، بالإشارة إلى أنَّه على الأمريكان تدارُك الموقف، قبل وقوع الكارثة، مشيرًا إلى أنَّ الإسرائيليين قد لا تُتاح لهم فرصة إطلاق الضَّربة الأولى؛ ذلك “لأنَّ مبادرة طهران أُطلقت” (ص187). يوضح الشَّاب أنَّ “مبادرة طهران هي سيناريو الهلاك بالنّسبة إلى المهدي…لتدمير إسرائيل ومحو اليهود جميعهم”، مشيرًا إلى معرفته ذلك من أبيه، وهو أحد كبار قادة القوَّات الجويَّة الإيرانيَّة، أخبره أنَّ الاستعداد جارٍ لإطلاق الضَّربة خلال أيَّام قليلة (ص188). المفارقة أنَّ المهدي، الذي يصله ما فعله نجَّار مالك، وما صرَّح به عن أسرار السّلاح النَّووي الإيراني، يغيّر وجهته بعد مغادرة مصر، من الأردن إلى إيران لتبيان مدى خطورة ما كشفه مالك. أراد المهدي إخضاع الأردن لسُلطانه؛ سعيًا إلى إحكام تطويق إسرائيل من كلِّ الجهات، بعد ضمّ مصر إلى دولته.

تبدأ الضَّربة الإيرانيَّة بالفعل، وديفيد يبذل قصارى جهده للوصول إلى الرُّؤوس النَّوويَّة لإنقاذ ما أمكن إنقاذه، ويتَّجه إلى مدينة قُم، مقر الحوزات العلميَّة التي يعتبرها مرجعيَّات الشّيعة أم القرى، وليس مكَّة المكرَّمة. ويجد الرَّئيس الأمريكي نفسه مضطرًّا إلى متابعة الموقف عن كثب من غرفة العمليَّات، لكنَّه يصرُّ على اتّباع النَّهج السّلمي مع المهدي، ولم يكن يريد إفساد نقاشه معه. غير أنَّ مدير وكالة المخابرات المركزيَّة، الذي كان قد أبلغ الرئيس الوزراء الإسرائيلي برفض الرَّئيس الأمريكي الخيار العسكري ونقل إليه عرضه آنف الذّكر (ص121)، يرى أنَّ “أيَّ نافذة للدّبلوماسيَّة أُغلقت. أعتقد أنَّنا نحتاج إلى أن نفكّر بجديَّة في اتّخاذ الإجراءات اللازمة ضدَّ المواقع النَّوويَّة والسُّفن البحريَّة الإيرانيَّة التي تعرفها، قبل أن يستخدم المهدي الرؤوس النَّوويَّة تلك، وقبل أن تشنَّ إسرائيل ضربتها” (ص205). أمَّا وزير الدّفاع الأمريكي، فيطمئن الرَّئيس إلى أنَّ كافَّة الاستعدادات أُجريت لمثل ذلك الموقف؛ فيردّ الرَّئيس بأنَّ جميع الخيارات لا بد أن تكون متاحة على الطَّاولة، في إشارة جديدة على جنوح الرَّئيس إلى السَّلم، واستبعاده الحلَّ العسكري، إلَّا في حالة الضَّرورة القصوى. تنعكس أجواء الحرب على سوق النَّفط والغاز الطَّبيعي، اللذين ترتفع أسعارهما من جديدة؛ كما تتأثَّر البورصة بانخفاض مؤشّري داو وناسداك، بما ينذر بانهيارها وضياع أموال مستثمريها.

أمَّا في إسرائيل، “فقد اجتمع عشرات الآلاف عندَ حائط المبكى للدُّعاء من أجل السَّلام، مع احتدام الأزمة مع إيران” (ص209). يصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي، آشر نفتالي، مثل موردخاي في سفر إستير (هداسا)، الذي نجَّا اليهود من بطش هامان، وزير أحشويروش ملك الفرس. كان موردخاي من سبط بنيامين، واختاره الرَّبُّ لإنقاذ شعبه، بتدبير من ربيبته، إستير، التي رعاها منذ صغرها واتَّخذها ابنة. يصطحب نفتالي وزير الدّفاع، ليفي شمعون، إلى مركز التَّخطيط الاستراتيجي، حيث توجد غرفة الحرب الخاصَّة بقوَّات الدّفاع الإسرائيلي، التي كان تتفوق على غرفة العمليَّات في البيت الأبيض من حيث التَّجهُّز بأحدث التّقنيات من نوعها في مجال الرَّصد والمراقبة، وهناك اجتمعت الحكومة الأمنيَّة. يتَّخذ نفتالي مقعده على رأس الطَّاولة، ويبادر بقوله “نحن الآن نواجه لحظة ليست كغيرها في التَّاريخ الحديث لدولة إسرائيل. تُقارن هذه اللحظة بـ 1948، أو 67، أو 73؛ بل 1939، فنحن على وشك الإبادة…كما تعلمون، تأكَّدنا من أنَّ إيران تمتلك 8 رؤوس نوويَّة، وتشير أحدث تقاريرنا الاستخباراتيَّة أنَّ العديد من تلك الرُّؤوس على الأقل ثُبّتت إلى قذائف بالستيَّة فائقة السُّرعة، وأنَّ ذلك المجنون، أي الإمام الثَّاني عشر، ينوي إطلاق تلك الرُّؤوس علينا خلال الأيَّام القليلة المقبلة…لا أدري ما أقوله، أيُّها السَّادة، إذا أصدر (الإمام الثَّاني عشر) أوامره بشنّ هذا الهجوم، سينجز في 6 دقائق ما فعله أدولف هتلر في 6 سنوات، أي سيقتل 6 ملايين منَّا” (ص238).

يضيف نفتالي أنَّ تلك لم تكن المرَّة الأولى التي كان اليهود يواجهون فيها خطر الإبادة، لكنَّ المختلف هو أنَّ لديهم في تلك المرَّة أسلحة ومعدَّات لم تتوافر لدى أسلافهم؛ ممَّا يعني قدرات أفضل على حماية أنفسهم. يضطر نفتالي إلى إعلان المواجهة العسكريَّة، معربًا عن أسفه لذلك بقوله “ليس من السَّهل قول ذلك. في الواقع، أعتقد أنَّ هذه ستكون أصعب مهمَّة اضطلعت بها أمَّتنا وأُسندت إلى قوَّاتنا المسلَّحة. ستعاني إسرائيل، وستعاني المنطقة، وسيعاني الإيرانيون، لكنّي لا أرى طريقًا آخر، وفي النَّهاية، أعتقد أنَّ الخير سينتصر على الشَّر، وآمل من الرَّبّ أن تعتقدوا ذلك أنتم أيضًا” (ص239). هكذا، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي المبرّر لشنّ هجمات ردعيَّة على إيران، استباقًا لهجومها الإرهابي، كما يصوُّره روزنبرغ، وهو يعترف بأنَّ تلك الضَّربة قد تفضي إلى حرب إقليميَّة، ستكون شرارتها عمل استفزازي من إيران.

ويستعرض وزير الدّفاع خطَّة الهجوم التي تستهدف ضرب أهداف نوويَّة ومنشآت عسكريَّة إيرانيَّة، التي تقوم على استخدام القوَّات الجويَّة مجموعات صغيرة من الطَّائرات تتَّخذ اتّجاهات مختلفة، إلى كلّ هدف بعينه. يضيف وزير الدّفاع، ليفي شمعون، أنَّ تجربة الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثَّانية وعمليَّة الرَّصاص المصبوب في غزَّة أوضحت أنَّه من غير الممكن الاعتماد على القوَّات الجويَّة في إيقاف الصَّواريخ والقذائف، حيث تبيَّن أنَّ ذلك يستدعي شنَّ حملات بريَّة قويَّة. بتوجيه من رئيس الوزراء، يذكر شمعون أنَّ قوَّاته تستعدُّ لشنّ “عمليَّات اقتحام بريَّة في غزَّة وجنوب لبنان، وحتَّى نهر الليطاني شمالًا، ولكن دون تجاوزه”، مشيرًا إلى أنَّ هدفهم هو “تدمير منصَّات إطلاق القذائف، وقتل قوَّات حزب الله وحماس أو أسرهم” (ص253). لم تكن هناك مخاوف من جهة الأردن، التي لم تنضم إلى دولة المهدي، ولم يكن قادتها يريدون الحرب مع إسرائيل. أمَّا سوريا، فيعتبر شمعون أنَّ مشاركتها في الحرب ستزيد الأمر تعقيدًا؛ لأنَّ القذائف التي يستخدمها جيشها أقوى وأدقُّ ممَّا يستخدم حزب الله وحماس، ولا يتعلَّق الأمر اجتياح سوريا، إنَّما مجرَّد إيقافها إطلاق القذائف. وبالنّسبة إلى مصر، فلم يكن هناك خوف منها؛ كونها لا تمتلك عتادًا يثير القلق، وإن كان الحذر يستدعي مراقبة الجهة الجنوبيَّة من ناحيتها.

أخيرًا، يبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي الرَّئيس الأمريكي بإصداره أمرًا بشنّ هجوم استباقي ضدَّ إيران لتدمير السّلاح النَّووي وتحييد خطر إيران، بعد وصوله معلومات مؤكَّدة عن نيَّة المهدي شنّ ضربة خلال ما يومين وثلاثة أيَّام. يردُّ الرَّئيس الأمريكي بالتَّعبير عن استيائه من وضعه أمام الأمر الواقع، ويمتنع عن تقديم المساعدة بسؤاله الاستنكاري “أيَّ نوع من المساعدة تنتظر، وقد شننت حربًا دون موافقة أمريكيَّة؟” (ص275). تبدأ إيران في شنّ هجومها الصَّاروخي، ويتفاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء متابعته المشهد من غرفة العمليَّات بقذيفة تتجه ناحية القُدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى