مقالات

من قطار الربيع العربي إلى قطار التطبيع جوهر المؤامرة ..

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

حين انطلق قطار الربيع العربي من تونس في نهاية 2010 ثم مصر وتلتها اليمن مع مطلع 2011 ومن ثم ليبيا في شباط/2011 ، كان الشعب السوري يتململ ويغلي في داخله بركان يوشك على الإنفجار في أي لحظة أمام انهيار ديكتاتوريات عتيدة لا تقلّ سطوة وقوة عن نظام الأسد.

أذكر في تلك الأيام التي سبقت اندلاع الاحتجاجات في كلّ من دمشق ودرعا آذار2011 ، خرج أحد المحللين السياسيين البريطانيين على شاشة الجزيرة معلّقاً على سقوط نظام “زين العابدين بن علي” في تونس وتنحّي “حسني مبارك” في مصر وما حصل في بنغازي وصنعاء ، حين قال:” ما يحصل في الدول العربية كثير على دول الغرب، ولن تحتمل المعدة الغربية هضمه دفعة واحدة”.

إذاً لقد كان الربيع العربي سريعاً وصادما للدوائر الغربية ، على الرغم من التصريحات التي كانت تدغدغ مشاعر الملايين التي احتلت الشوارع مطالبة بالحرية، ولكن في الحقيقة يبدو أن الغرب وإسرائيل كانوا يخططون للالتفاف على ثورة الشباب العربي وتخديره ببعض المواقف العلنية فيما يتم التآمر عليه في السرّ، لتحويل سكة القطار إلى الجهة التي ترضي إسرائيل لنصل في النهاية إلى المحطة الخطأ ( التطبيع).

في بداية الثورة السورية ومع استمرار النظام في التمادي باستخدام القوة المفرطة ، كانت تخرج مقاطع الفيديو من مراكز الإعتقال لتنتشر عبر ( السوشيال ميديا) بسرعة البرق ويتابعها مئات الملايين ، وهي تفضح وحشية النظام واستخدامه أقذع الألفاظ تجاه المعتقلين المدنيين وقد غطّت أجسادهم الدماء وآثار التعذيب المرعبة التي غيّرت من معالم وجوههم فيما اختفى لون بشرتهم خلف البقع الداكنة بسبب الضرب المبرح بأدوات بدائية زيادة في إظهار الوحشية.

كانت الصور الفظيعة تتناقلها وسائل الإعلام العالمية ، وكنت أقول في نفسي :” ما السرّ وراء عدم خوف النظام من وصول مثل هذه المشاهد إلى الإعلام ؟”، ولماذا استعان بالميليشيات الإيرانية التي ترفع شعارات طائفية ضدّ الغالبية السنيّة ، وزجّ حزب الله اللبناني الذي كان يدّعي أنّ بندقيته لن تتوجه إلاّ إلى العدو الإسرائيلي؟!!.

ما هي الغاية من وراء إظهار العجز الدولي أمام المقتلة السورية على الرغم من استصدار القرار 2254 من مجلس الأمن الدولي والقاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي تعمل على تحقيق مطالب الشعب السوري بالديمقراطية وانهاء حكم العائلة؟..لم تكن النوايا الخبيثة للصهيونية قد تكشفت وما هي مراميها من إطالة أمد الحرب على الشعب السوري وإذاقته كل صنوف المعاناة والقتل والتجويع والتهجير القسري والإعتقال التعسفي ، وإظهار تلك المعاناة الرهيبة على أنّها من صنع العدو الإيراني الطامع بإعادة مجد الإمبراطورية الفارسية ، وزاد على تلك الصورة تصريحات القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين الذين يتبجحون على شاشات الفضائيات بأنّهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية ، فيما تخرج تصريحات إسرائيلية تهدد إيران من مغبة التغلغل داخل سوريا وعلى حدودها قرب الجولان المحتل ، وكأنّها المخلّص للشعب السوري من الإحتلال الإيراني الذي بات يجاهر بسياسة التشيّع التي يتبعها في مناطق محددة من دمشق ومحيطها وعلى طول نهر الفرات في محافظة دير الزور وصولاً إلى مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.

إنّ عملية إيجاد عدو جديد للدول العربية لتغيير بوصلة الشعوب العربية بعيداً عن الكيان الصهيوني، لا يمكن تحقيقها إلّا من خلال نظام الملالي في طهران الذي خطف الثورة الإيرانية ليلعب هذا الدور القذر خدمة للماسونية التي صنّعت الخميني في باريس ، ولعلّ كتاب ” الخميني في فرنسا ـ الأكاذيب الكبرى والحقائق الموثقة حول قصة حياته وحادثة الثورة ” للكاتب هوشنك نهاوندي يفضح ذلك.

وبذات الطريقة استطاع حزب الله أن يخطف لبنان بدعم مباشر من إيران ، وعلى تخوم المملكة العربية السعودية حدث الشيء ذاته من خلال الحوثيين الذين خطفوا الثورة اليمنية وانقلبوا على الشرعية بدعم عسكري مباشر من إيران والحرس الثوري الإيراني .

كلّ ذلك حدث خلال الربيع العربي وأمام أنظار العالم أجمع، والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً التي تتظاهر بالعداء لنظام الملالي وتطبّق عليه عقوبات إقتصادية تقول عنها ” غير مسبوقة” !!!.

لم نفهم ذلك السلوك الغريب الذي اتبعته الولايات المتحدة والغرب عموماً طوال عشر سنوات تقريباً ، ولماذا وقفوا عاجزين أمام التدخل الروسي والإيراني لتثبيت حكم بشار الأسد الذي فقد شرعيته الشعبية وحرم من مقعده في جامعة الدول العربية وأصبح مداناً أمام العالم بارتكابه جرائم حرب واستخدامه الأسلحة المحرمة بما فيها غاز السارين.

لم نفهم إلّا عندما انطلق قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني ، بعد أن استبشرت إسرائيل بأنّها لم تعد العدو رقم واحد للعرب وحلّ محلّها عدو أخطر وأكثر دموية منها بأشواط ، عدو يحمل إرثاً تاريخياً من الأحقاد التي تدعو لإراقة الدماء تحت عناوين عقدية تجذب الجهلة من العرب أنفسهم ليتحوّلوا إلى طابور خامس في كلّ البلدان العربية، وبذلك تكون الطريق قد مُهّدت لها لتفتح سفاراتها في العواصم العربية ، مقابل تصدّيها للتمدد الإيراني بمساعدة الغرب وتأمين الحماية لعروش الخليج .

وليس مستغرباً أن تلجأ إسرائيل إلى ” رشوة” الشعوب العربية مقابل التطبيع ، لأنها لا تثق بتطبيع الحكومات وهي تعلم أنها بعيدة عن شعوبها ولا تعبّر عنها بالمطلق .

لعل الرشوة تكون ب “ضبضبة” الحوثي بعيداً عن حدود المملكة العربية السعودية ، وإعادة الاستقرار إلى لبنان ورفع الوصاية الإيرانية عنه ، ومن ثم الموافقة على الإطاحة بنظام الأسد ، ولكنّ تلك الرشوة لن تأتي في يوم وليلة وإنّما على مراحل يسبقها تصاعد في المعاناة المعيشية إلى حدّ كبير في كل من اليمن ولبنان وسوريا في ظلّ غياب للأمن والخدمات الأساسية شبه تام ، ليأتي الفرج على يد أعداء الأمس ، وتبدأ عملية إعادة الإعمار بمساهمة كبيرة من الشركات الإسرائيلية والأمريكية وبنسبة أقل للشركات الأوربية ، ولن يكون للروس أي دور في إعادة الإعمار وستكتفي بالقرم كجائزة لها على دورها في الشرق الأوسط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى