بحوث ودراسات

مبادرة طهران :هل يُطلقها نظام الملالي فتشتعل حرب إقليمية ؟ 2من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

المهدي يواصل رحلاته بين عواصم الدُّول الإسلاميَّة لتأسيس دولة خلافته

يتأمَّل حميد الحسيني، المرشد الأعلى للثَّورة الإيرانيَّة، صاحب الشَّخصيَّة الموازية لشخصيَّة علي الحسيني الخامنئي، المرشد الأعلى الفعلي للثَّورة الإيرانيَّة منذ عام 1989م، ما حدث، ونجاح أخيرًا في إخضاع خصمه القديم، إمام أهل السُّنَّة، كما يصفه روزنبرغ، العاهل السَّعودي، الملك عبد الله محمَّد جدَّاوي، وإجباره على الانحناء للإمام الثَّاني عشر، الذي ظهر بعد انتظار طويل. يرى الحسيني أنَّ المهدي بدا أكثر وسامة ونُضرة وقوَّة ممَّا روي له عنه منذ كان طفلًا، بينما بدا الملك جدَّاوي أشد هرمًا ممَّا سبق، بعد أن أُجبر على إخضاع مملكته لسُلطان إمام الشِّيعة. يسترجع المرشد الأعلى للثَّورة والمرجع الشِّيعي ما قاله المهدي في خطبته أولى في مكَّة، عن ضرورة توحيد الصَّف الإسلامي، وتحالُف المسلمين، سُنَّةً وشيعة، لإنهاء زمن الفُرقة والضَّعف. أُعجب الحسيني بجرأة الإمام الثَّاني عشر عند إعلانه استحواذه على نصف إنتاج النَّفط والغاز الطَّبيعي في العالم، وتلويحه باستخدام السّلاح النَّووي في مواجهة العصاة، الذين قد يفضي عصيانهم إلى “حرب إبادة” (ص50). يتابع ديفيد شيرازي في تلك الآونة تحرُّكات المهدي بين البلدان العربيَّة، ويتعجَّب من سبب انتقاله من السَّعوديَّة إلى لبنان، بدلًا من عودته إلى إيران، ليدرك لاحقًا أنَّ الإمام الشَّاب أراد التَّأكُّد من استعدادات حزب الله اللبناني لمواجهة إسرائيل، والاطمئنان على جاهزيَّة ترسانة الحزب الشِّيعي، التي تزخر بما يزيد على 50 ألف صاروخ وقذيفة، للانطلاق صوب إسرائيل، إذا تطلَّب الأمر. فوجئ ديفيد لاحقًا بأنَّ المهدي بعث برسالة إلى ولسم جاكسون، أراد من خلالها تعزية الرَّئيس الأمريكي والتَّعبير عن أسفه حيال الحادث الإرهابي الذي استهدف أمريكا، معلنًا أنَّ “الآن وقت السَّلام، وليس إراقة الدّماء”، كما طلب التَّواصل عبر الهاتف مع جاكسون للتَّفاوض بشأن برنامج إيران النَّووي؛ ففطن العميل الاستخباراتي إيراني الأصل إلى أنَّ ما قاله المهدي تنطبق عليه المقولة الفارسيَّة “الوعد مثل السَّحابة، والتَّنفيذ مثل المطر” (ص59).

يصل المهدي إلى لبنان، وتتسابق وسائل الإعلام لأخذ كلمة منه، وبخاصَّة عن رأيه في العمل الإرهابي الذي استهدف الرَّئيس الأمريكي وضيفيه، رئيس الوزراء الإسرائيلي والرَّئيس المصري، وراح الأخير ضحيَّته؛ فأجاب المهدي بقوله “الإسلام يتنقَّل في أنحاء العالم، وخلافة جديدة تنشأ، وهذا قدر البشريّة، وهذه إرادة الله، وليس لبشر القدرة على تغييرها…وصلنا إلى آخر الزَّمان، وحُكَّام العالم صاروا آثارًا بالية للعصر البائد العتيق. لا يعبأ هؤلاء بالفقراء والبسطاء، وتعاني مجتمعاتهم من الفساد والدُّيون القاصمة، وعملاتهم تنهار، وجيوشهم عاجزة، وأنظمتهم الخبيثة تزول، ولا بدَّ أن تزول. وحده الإسلام يمكنه أن يمنحنا الأمل” (ص63). وبسؤاله عن رأيه في خروج الجماهير في شتَّى مدن مصر ابتهاجًا بموت الرَّئيس عبدل رمزي، واستنفار الجيش بنشر قوَّاته ودبَّاباته في الشَّوارع لإحباط مساعي التَّمرُّد الشَّعبي، يردِّد المهدي شعار جماعة الإخوان المسلمين، وهو “الله غايتنا. الرسول قدوتنا. القرآن دستورنا. الجهاد سبيلنا. الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، في إشارة من روزنبرغ إلى انتماء تلك الجماعة إلى نفس الفكر المتطرِّف الذي يعبِّر عنه المهدي، وتشجعيه صعودهم إلى السُّلطة تمهيدًا لإخضاعه مصر لسُلطانه، ويعترف المهدي بنفسه بترحيبه بوصول الجماعة إلى الحُكم لتطبيق الشَّريعة وإنقاذ البلاد من التَّدهور (ص63). وبسؤاله عمَّا إذا كان يدعو المصريين إلى الانضمام إلى خلافته، يردُّ المهدي قائلًا “أدعو كافَّة دول العالم إلى الانضمام إلى دولة الخلافة. فلهذا جئت؛ لتحرير المظلومين في الأرض وإرشادهم إلى طريق النَّصر والوحدة؛ لقد جئت لأعلن أنَّ الإسلام هو دواء كلَّ أدواء العالم. الإسلام سيكفل نشْر السَّلام؛ الإسلام سيكفل التَّحرُّر من الخوف، والتَّحرُّر من العوز، وحريَّة معرفة الله الخضوع لمشيئته…حكومتي لن تكون كسائر الحكومات، فهي ستكون حكومة إسلاميَّة، تقوم على تطبيق الشَّريعة، وستمنح الشَّرف والكرامة لمن يخضع لها. من ثمَّ، لا تخطئوا؛ فمعارضة تلك الحكومة يعني معارضة الشَّريعة الإسلاميَّة، ولا تهاون في ذلك؛ فالتَّمرُّد على حكومة الله يعني التَّمرُّد على الله، ولذلك عقوبته في شريعتنا. ولا داعي لسوء الفهم، فهي عقوبة غليظة” (ص64). يستعدُّ المهدي بعد ذلك لإلقاء خطاب جماهيري في أحد أكبر الملاعب الرّياضيَّة في بيروت. ويواصل ديفيد شيرازي مهمَّة التَّجسس على كبار رجال الدَّولة في إيران، أملًا في التَّصدي لأي عمل متهوّر من جانبهم، إن لم يكن منعه قبل تنفيذه.

يتعرَّض المهدي لمحاولة اغتيال تنذر باشتعال حرب مع أمريكا أو إسرائيل، أو كليهما، وقد يُستخدم فيها سلاح نووي. غير أنَّ الانتقام تأجَّل إلى الوقت المناسب، حتَّى يُحكم الإمام الثَّاني عشر سيطرته على العالم الإسلام لتطويق إسرائيل من كافَّة الجهات. يسافر المهدي إلى مصر، التي تختلف عن إيران تمام الاختلاف، سواءً في المذهب الإسلامي أو الأصل؛ فمصر عربيَّة وتعتنق المذهب السُّنّي، بينما تكون إيران فارسيَّة شيعيَّة. ومع ذلك، يثق المهدي في قدرته على إقناع المصريين بالانضمام إلى دولة خلافته؛ ذلك “لأنَّ الزُّعماء الإيرانيين الآخرين، بطبيعتهم، كانوا فُرسًا، أمَّا أنا (المهدي)، فعربيٌّ من بلاد ما وراء النَّهرين” (ص168). يتوجَّه المهدي إلى ميدان التَّحرير في قلْب القاهرة، ليجد جماعة صاخبة تنشد وترقص ابتهاجًا بقدوم الإمام، ويُقدَّر عدد هؤلاء بمليون بشخص. يعلن المهدي من الميدان أنَّ “تشكيل نظام عالمي جديد له الأهميَّة القصوى…لقد طلب قادة مصر الانضمام إلى دولة الخلافة، وسعدتُ جدًّا بمنحهم قبولي…هذه مجرَّد بداية. ولَّى عهد الظَّالمين. وأتى عهد التَّحرُّر. النَّصر المؤزر بات قريبًا” (ص172). 

هل المهدي هو ضدّ المسيح الذي يُري بني إسرائيل “سنوات المحنة العظيمة”؟

 يُسقط روزنبرغ على شخصيَّة المهدي نبوءات الكتاب المقدَّس بخصوص ضدِّ المسيح، مستخدمًا إحدى شخصيَّات الرُّواية، هي مارسيل هاربر، ابنة الزَّوجين الأمريكيين اللذين هرَّبا والدي ديفيد شيرازي من إيران عام 1979م، واللذين راحا ضحيَّة اعتداءات سبتمبر، بموت الزَّوجة في التَّفجيرات وانتحار الزَّوج حزنًا عليها.  تعبّر مارسيل عن ذلك، بالإشارة إلى تطابُق مواصفات المهدي مع ملك يُذكر في سفر دانيال، يقهر بعض ملوك زمانه “وَيُذِلُّ ثَلاَثَةَ مُلُوكٍ“، ويحارب المسيحيَّة ويطارد أهلها “وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ ضِدَّ الْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي الْعَلِيِّ“، ويُمكَّن له في الأرض لفترة، لكنَّه سرعان ما يُقضى عليه وبشكل مفاجئ “فَيَجْلِسُ الدِّينُ وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ”، كما يصعد نجمه بشكل مفاجئ. تخبر عن ذلك الآيات “وَالْقُرُونُ الْعَشَرَةُ مِنْ هذِهِ الْمَمْلَكَةِ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ، وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ الأَوَّلِينَ، وَيُذِلُّ ثَلاَثَةَ مُلُوكٍ. وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ ضِدَّ الْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي الْعَلِيِّ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالسُّنَّةَ، وَيُسَلَّمُونَ لِيَدِهِ إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ. فَيَجْلِسُ الدِّينُ وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ لِيَفْنَوْا وَيَبِيدُوا إِلَى الْمُنْتَهَى” (سفر دانيال: إصحاح 7، آيات 24-26). تُسقط على شخصيَّة المهدي كذلك ما يُذكر في السّفر ذاته، في الآيات التي تقول وَفِي آخِرِ مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ وَفَاهِمُ الْحِيَلِ. وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقُوَّتِهِ. يُهْلِكُ عَجَبًا وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ الْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ الْقِدِّيسِينَ. وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا الْمَكْرُ فِي يَدِهِ، وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الاطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ كَثِيرِينَ، وَيَقُومُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ (سفر دانيال: إصحاح 8، آيات 23-25). تتحدث الآيات عن ملك شديد القسوة والمكر “مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ وَفَاهِمُ الْحِيَلِ”، يعظم سلطانه بفضل استعانته بألاعيب شيطانيَّة “وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقُوَّتِهِ”. يسلّط ذلك الملك سيفه على أتباع المسيح “يُبِيدُ الْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ الْقِدِّيسِينَ”، وتزداد قوَّته بفضل دهائه “وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا الْمَكْرُ فِي يَدِهِ”. غير أنَّ الأمر لا يستتب له طويلًا؛ حيث يهلك بعد ظهور الرَّب “رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ”، الذي يفنيه بيده “وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ”، أي لا يفنى بيد بشر، إنَّما بيد الرَّبّ.

يبدو أن هاجس ما يُعرف بـ “سنوات المحنة العظيمة” (Tribulation Years)، التي تدخل ضمن عقائد الصُّهيونيَّة المسيحيَّة، يسيطر على روزنبرغ، الذي يقرُّ ضمنيًّا بإيمانه بمرور اليهود والمسيحيين بتلك الفترة من البلاء العظيم قبيل ظهور المخلِّص بالنّسبة إلى اليهود، والمجيء الثَّاني للمسيح بالنّسبة إلى المسيحيين. يروي سفر دانيال في الآيتين “وَيَفْعَلُ الْمَلِكُ كَإِرَادَتِهِ، وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلهٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلهِ الآلِهَةِ، وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ الْغَضَبِ، لأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ يُجْرَى. وَلاَ يُبَالِي بِآلِهَةِ آبَائِهِ وَلاَ بِشَهْوَةِ النِّسَاءِ، وَبِكُلِّ إِلهٍ لاَ يُبَالِي لأَنَّهُ يَتَعَظَّمُ عَلَى الْكُلِّ” (سفر دانيال: إصحاح 11، آيتان 36-37)، عن تسلُّط ملك جبَّار على الأرض “وَيَفْعَلُ الْمَلِكُ كَإِرَادَتِهِ، وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلهٍ”، ويتطاول على الرَّبّ يسوع بالقول “وَيَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلهِ الآلِهَةِ”، ويواصل تسلُّطه إلى الأجل المقدَّر له “وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ الْغَضَبِ، لأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ يُجْرَى”.

يواصل دانيال رواية خبر ذلك الملك، فيقول “يَدْخُلُ إِلَى الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ فَيُعْثَرُ كَثِيرُونَ، وَهؤُلاَءِ يُفْلِتُونَ مِنْ يَدِهِ: أَدُومُ وَمُوآبُ وَرُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ. وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى الأَرَاضِي، وَأَرْضُ مِصْرَ لاَ تَنْجُو. وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَلَى كُلِّ نَفَائِسِ مِصْرَ. وَاللُّوبِيُّونَ وَالْكُوشِيُّونَ عِنْدَ خُطُوَاتِهِ. وَتُفْزِعُهُ أَخْبَارٌ مِنَ الشَّرْقِ وَمِنَ الشِّمَالِ، فَيَخْرُجُ بِغَضَبٍ عَظِيمٍ لِيُخْرِبَ وَلِيُحَرِّمَ كَثِيرِينَ. وَيَنْصُبُ فُسْطَاطَهُ بَيْنَ الْبُحُورِ وَجَبَلِ بَهَاءِ الْقُدْسِ، وَيَبْلُغُ نِهَايَتَهُ وَلاَ مُعِينَ لَهُ” (سفر دانيال: إصحاح 11، آيات 41-45). كما يروي النَّبيُّ، يدخل ذلك الملك الأرض المقدَّسة، المفترض أنَّها إسرائيل في علوُّها الأخير “يَدْخُلُ إِلَى الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ”، ويقتَّل أهلها “فَيُعْثَرُ كَثِيرُونَ”، ويبسط سلطانه على الدُّول المحيطة “وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى الأَرَاضِي، وَأَرْضُ مِصْرَ لاَ تَنْجُو”، وينهب ثرواتها “وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ”. تتعاظم المحنة على ذلك النَّحو حتَّى يظهر الربُّ، الذي يفني ذلك الملك الجبَّار ” وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي السِّفْرِ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ” (سفر دانيال: إصحاح 12، آيتان 1-2). تنفرج الكربة وينتهي الضِّيق الذي لم تعرفه أمَّة من قبل “ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ”، بظهور الرَّبّ، الذي يحيي الموتى من المؤمنين به ليتنعَّموا إلى الأبد ” وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ”، بينما يهلك غير المؤمنين به وبألوهيَّته، وعلى رأس الملك الظَّالم “هؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ”.

تجد مارسيل السَّلوى في معرفة مصير الملك الظَّالم، الذي “يَبْلُغُ نِهَايَتَهُ وَلاَ مُعِينَ لَهُ”، لكنَّها سرعان ما تدرك صعوبة موقف أبناء عقيدتها، المهدَّدين بالفناء خلال سنوات المحنة العظيمة، خاصَّة بعد مراجعتها نبوءة عن ذلك الفناء في سفر الرُّؤيا “وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ الْخَرُوفُ وَاحِدًا مِنَ الْخُتُومِ السَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!». فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا، وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ. وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّانِيَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّانِيَ قَائِلًا: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!». فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَلِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أُعْطِيَ أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأُعْطِيَ سَيْفًا عَظِيمًا” (رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 6، آيات 1-4). ترتعد مارسيل عند قراءة النُّبوءة عن نزول 4 أفراس من السَّماء، يحمل الفرس الأبيض محاربًا “وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا “، والأحمر حربًا عالميَّة “يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ “، والأسود مجاعة عالميَّة “وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا فِي وَسَطِ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا: «ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا»” (رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 6، آيتان 5-6). وأمَّا الأخضر، فيحمل الموت بكافَّة أشكاله، منذرًا بإفناء ربع أهل الأرض، كما تقول الآية “وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ” (رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 6، آية 8). تتساءل مارسيل، إذا كان عدد سكَّان العالم يُقدَّر بـ 7 مليارات إنسان، فهل هذا يعني أنَّ 1.75 مليار منهم سيهلك خلال سنوات المحنة؟ “هل حان ذلك الوقت؟ هل ظهور الإمام الثَّاني عشر سيأذن بخروج الفرسان الأربعة” (ص89).

تداعيات الهجمة الإرهابيَّة على أمريكا

يعتبر زاك زالنسكي، المشرف على عمل ديفيد شيرازي الاستخباراتي، أنَّ الهجمة التي شُنَّت على أمريكا، وراح ضحيَّتها الرَّئيس المصري، عبدل رمزي، كانت بمثابة “مبادرة أطلقها الإمام الثَّاني عشر”، أي أنَّها ضربة استباقيَّة استفزازيَّة من شأنها جرّ المنطقة إلى الحرب (ص104). وكما سبقت الإشارة، يتَّهم زالنسكي جماعة الإخوان المسلمين بالتَّواطؤ مع نظام ملالي إيران في تدبير الهجمة التي أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلي بحروق من الدَّرجتين الثَّانية والثَّالثة، وأنهت حياة الرَّئيس المصري، حليف إسرائيل وأمريكا وشديد العداء تجاه الجماعات الإسلاميَّة. أشعل مقتل الرَّئيس المصري ثورة شعبيَّة، أخرجت الملايين إلى الشَّوارع للمطالبة برحيل النّظام البائد وتسليم السُّلطة للإمام المهدي. يتسلَّم السُّلطة نائب رئيس الجمهوريَّة، وهو منصب لم يشغله في عهد الرَّئيس المخلوع مبارك إلَّا رئيس جهاز المخابرات العامَّة، عمر سليمان، ولفترة لم تتجاوز 13 يومًا (29 يناير 2011-11 فبراير 2011م)؛ ويتعارض ذلك مع الدُّستور الذي ينصُّ على تولّي رئيس البرلمان الرّئاسة لفترة انتقاليَّة. أمَّا عن تداعيات الهجمة في إسرائيل، فقد بدأ رئيس وزرائها في دراسة الرَّد على إيران بشنّ ضربة وقائيَّة لتدمير منشآتها النَّووية، ويبرّر له روزنبرغ ذلك بقوله “لا أحد يمكنه أن يقول له ألَّا يفعل” (ص112).

ما يفاقم الأزمة أنَّ إيران ترسل سفنًا حربيَّة إلى البحر المتوسّط، ويشكُّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، آشر نفتالي، أنَّها تحمل رؤوسًا نوويَّة، رافضًا الإذعان إلى طلب مدير وكالة المخابرات المركزيَّة، الذي يزور إسرائيل في أعقاب الهجمة، بالتَّروّي وعدم الاستعجال في شنِّ ضربة وقائيَّة، ويطلب منه أن يجعل الرَّئيس الأمريكي يغلق قناة السُّويس، ويمنع السُّفن الحربيَّة الإسرائيليَّة من الوصول إلى البحر المتوسّط، ملفتًا أنَّ عمليَّات الاغتيال وإرسال سُفن حربيَّة لا يوحي بنيَّة إيران خفض التَّصعيد. غير أنَّ رئيس وكالة المخابرات يبلغ نفتالي بإصرار الرَّئيس الأمريكي على رفْض أيِّ ضربة وقائيَّة تحت أيَّ ظرف؛ وحينها يتساءل نفتالي “هل يريد الرَّئيس أن يملي على دولة ذات سيادة كيف تدافع عن شعبها وتمنع محرقة جديدة؟”، لتفاجأ بعرض مغرٍ من الرَّئيس الأمريكي، بدعم عسكري بقيمة 250 مليار دولار، وبدفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) لقبول عضويَّة إسرائيل خلال 6 أشهر، وبدفعه كذلك لمنح الكيان الصُّهيوني مزيدًا من الحماية والتَّحالف معها في أيّ حرب ضدَّها، وفوق ذلك “تعهُّد من الولايات المتَّحدة ببناء سفارة أمريكيَّة جديدة في القدس خلال 18 شهرًا من قبول العرض، وعلى الرَّئيس الأمريكي الإعلان رسميًّا عن القدس ‘عاصمة أبديَّة وموحَّدة لدولة إسرائيل’” (ص121). يتردَّد نفتالي في قبول العرض السَّخي؛ لأنَّ قبوله والتَّراجع عن الضَّربة الوقائيَّة من شأنه تشجيع ملالي إيران على مزيد من التَّهوُّر، لكنَّ مدير المخابرات المركزيَّة يحذّر من عدم الامتثال لرغبة الرَّئيس الأمريكي، وشنّ ضربة ضدَّ إيران من شأنها أن “تعرِّض الأمن الأمريكي وأمن المنطقة كلّها للخط”، وحينها سيتحتَّم على إسرائيل قبول توقُّف الدَّعم العسكري الأمريكي (ص122).

يقع نفتالي في حيرة، خشية الإذعان لطلب الرَّئيس الأمريكي، ممَّا قد يعرِّض بلاده لتهديد بمحرقة جديدة. يتذكَّر نفتالي أنَّ 80 بالمائة من النَّاخبين الأمريكيين غير راضين سياسة فرْض عقوبات ماليَّة على نظام ملالي إيران والسَّعي إلى التَّفاوض السّلمي معهم، وأنَّ 85 بالمائة من النَّاخبين الأمريكيين يخشون تسليم إيران سلاحًا نوويًّا إلى الجماعات المتطرّفة. يتشاور نفتالي مع ليفي شمعون، وزير الدّفاع في حكومته، بشأن العرض الأمريكي، ليرفض شمعون، ويلفت إلى أنَّ الرَّئيس الأمريكي، وليم جاكسون، “ضعيف، وسيعرِّضنا جميعًا للقتل”، مضيفًا “علينا أن نبادر بضربتنا قبل أن يجد الأمريكان طريقة لإيقافنا” (ص132). يشور شمعون على نفتالي بأن يوصل إلى الرَّئيس جاكسون رغبته في تكوين “تحالف حديدي مع الولايات المتَّحدة” من شأنه أن يجعل أيَّ اعتداء على دولة إسرائيل من دولة إيران أو أيّ دولة أو كيان في منطقة الشَّرق الأوسط بمثابة اعتداء على الشَّعب الأمريكي”، مع التَّشديد على “ضرورة أن تردّ معنا (إسرائيل) في عمليَّة عسكريَّة مشتركة” (ص132).

يترفَّع نفتالي عن خداع الرَّئيس جاكسون بقوله “نحن إسرائيليون. لا تسير الأمور هكذا”، ردًّا على اقتراح وزير الدّفاع بشنّ ضربة ضدَّ إيران تضع إدارة جاكسون أمام الأمر الواقع (ص133). يشير نفتالي إلى أنَّ قراره يحكمه هدفاه؛ الأوَّل هو تعهُّده بحماية 6 ملايين إسرائيلي باتّباع كافَّة السُّبل الممكنة لإيقاف المهدي ونظام الملالي من تدمير إسرائيل الآن ومستقبلًا؛ أمَّا الثَّاني، فهو اتّخاذ كلّ تدبير ممكن للحفاظ على متانة العلاقة الاستراتيجيَّة مع أمريكا، داعيًا ألَّا يتعارض الهدفان مستقبلًا (ص133). لعلَّ من أهم تداعيات الهجمة الإرهابيَّة على أمريكا الصُّعود الجنوني لسعر برميل نفط برنت الخام من 69.41 دولار إلى 143.74 دولار، ما يعني زيادة 107 بالمائة في يومين؛ نتيجة ترقُّب اندلاع حرب في منطقة تشكّل عائدات النَّفط نسبة كبيرة من إيراداتها الثَّابتة. يعتقد الرَّئيس الأمريكي أنَّ شنّ إسرائيل ضربة وقائيَّة ضدَّ إيران من شأنها رفْع سعر برميل النَّفط بنسبة يصعب التَّنبُّؤ بها؛ ومن ثمَّ، لا يمكنه المغامرة بالموافقة على التَّصعيد العسكري في منطقة الشَّرق الأوسط، خاصَّةً إذا وضع في اعتباره حالة الرُّكود التي كان الاقتصاد الأمريكي يعاني منها.

يصرُّ وزير الدّفاع الإسرائيلي، ليفي شمعون، على ضرورة ردْع إيران بضربة قاسية، محدّدًا بضعة أهداف، هي تدمير كافَّة الأسلحة النَّووية لإيران، وتدمير كافَّة المنشآت النَّووية لإيران، وتدمير مصانع إنتاج القذائف، وتدمير القطع البحريَّة الإيرانيَّة في الخليج العربي والبحر المتوسّط، واغتيال كبار علماء الطَّاقة النَّوويَّة الإيرانيين، وإصابة أهداف رئيسيَّة في طهران (وزارة الدّفاع، وفيلق الحرس الثوري الإيراني، ومقر المخابرات)، والاستعداد لحرب الصَّواريخ الخاطفة، والاستعداد لتحييد القدرات الانتقاميَّة في لبنان وسوريا وغزَّة، إلى جانب الحدِّ من خسائر قوَّات الدّفاع الإسرائيلي (ص139). احتفظ شمعون بخطَّة مُحكمة لضرب إيران، استهلكت سنوات من جهد قادته في إعدادها، وكان يريد المسارعة في تنفيذها قبل نفاد الوقت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى