مقالات

غبار يثار …حول خطاب بشار الأسد في حضرة موظفي الأوقاف!!

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي
عرض مقالات الكاتب

تابعت منذ نحو أسبوع خطاب بشار الأسد في حضرة موظفي الأوقاف التابعين عبر وزيرهم ، لما يسمى الحكومة الأسدية..
قرأت ما فيه ، ولفتتني فيه أفكار وعبارات تستحق الالتفات ، ولكن لعلمي بالقائل أسقطت القول ، وأدرت ظهري له ، وتجاهلت ما قيل ، وقلت لا يحسن أن نضيع وقتنا في حديث يرويه مسيلمة عن سجاح ..
ولكنني فوجئت أن ذاك السحاب الخلّب ، أصبح مادة لمطر أسود ، يمطرنا به بعض البعض من البعض ، المعادين لسورية المجتمع والحضارة والثقافة والتاريخ ، المتمسكين بعصبوية تاريخية زميتة ضيقة ، لم يبق منها إلا ما يدلل على جمال الحضارة الأم التي منها يتهربون ، ولو على غير ضفاف هذا النهر عاشوا لعدت عليهم العوادي منذ قرون ..وقديما قالت العرب : ” من كانت له شعرة في جمل أناخه ” . فأي إنصاف لدى قوم هذه ثقافتهم
من متابعة عابرة لصفحات الموالين ، وجدت بشار الأسد قد تعرض لحملة غير هينة من أنصاره ومواليه، لحديث الدهان ، الذي ألقاه في حضرة شريحة هو حريص على مواصلتها والصلاة ، ولو بدون وضوء ، خلفها . مع علم الجميع أنه ينام حقيقة في مخادع المحتجين على كلامه ، من كان منهم في الداخل أو الخارج على السواء .
ثم تتابعت ردود الفعل على الطرف الأخر ممن يسمون أنفسهم معارضين ، واتخذت من حديث بشار الأسد ، جسرا للنكران والجحود والادعاء والافتراء وللغمز واللمز من هوية سورية المتمثلة في إسلامها ” دينا وقيما وحضارة ” وفي عروبتها ” ” انتماء وثقافة ” ..
ولم يبق حسب تعبير الكتاب المقدس ” قائد عشرة ” ولا ” قائد مائة ” إلا وأصدر بيانا يحتج ويرتج ، ويندد ويسخر ، ليس من بشار الأسد ، فلسنا في وارد الدفاع عنه ولا عن قول قاله في شيء ، ولكن من الحقائق التاريخية والكونية ، التي طالما استهلكها بشار الأسد وهو يتخفى خلفها ، ويتستر بها..
بشار الأسد الذي مازال العالم يعترف به، ويتعامل معه، ويمكنه ويحميه لأنه ” حامي الأقليات” أي حامي ما مجموعه ” 20% ” في المائة من السوريين ، ومدمر 80% منهم . بشار الأسد الذي لم نسمع من مرجعية دينية ولا مذهبية ولا عرقية البرااءة منه ، ولا الثورة عليه ، بل ما زالت المرجعيات المعتمدة ، منها تنافح عنه وتعيد تسويقه ، ومن ثار عليه منها ثار لمصلحة أجندة فئوية تستهدف وحدة سورية أرضها وإنسانها ..
إن لعبة توزع الأدوار ” قرص في كل عرس ” سياسة معروفة وممجوجة ، لا تخفى على الذين ، يراقبونها ولو صمتوا . حتى الأسر الكبيرة في أحيائنا الشعبية ، كانت تجيد أن يكون من أبنائها رجال في كل حزب وتجمع سياسي أو شعبي ، ، ثم يلتقي الجميع ليلا في الديوان وتحت إمرة كبير الأسرة أو المختار ..
ولا نستطيع أن نغفل – في هذا السياق – أن كل ما بتنا نسمعه اليوم من تراتيل وهمهمات ما يسمى ” معارضة أو مطاولة ” يأتيينا برموز ملحونة ليس للثورة ولا للثوار ، ولا لسورية الهوية المستهدفة المقتولة المعتقلة المهجرة المضطهدة فيها شروى نقير .
ولن نختم المقال قبل هذه المقاربة الرياضية البينة الواضحة ..
ووصل الفاتحون المسلمون العرب إلى بلاد الشام ، في القرن السابع للميلاد وسكانها أخلاط من عرب / غساسنة في الجنوب ومناذرة في الشمال الشرقي/ وآراميون – سريان- ، وآشور وكلدان وبقايا رومان لم يغادروا مع المغادرين ، وذاب كثير من هؤلاء في بوتقة الدين الرحمة، والثقافة السائدة، الثقافة القابلة، الثقافة المتطورة ، الثقافة المتعالية ، وبقي بفعل الحرية التي كان يتمتع بها الجميع هوامش أصغر من كل هذه الفئات ، على ما ورثوه ..وما زال بقاؤهم على ما يحبون حقا لهم محترما ومشروعا ، ولا منّة لأحد عليهم فيه .
وسؤالنا المشهر والمفتوح هل الأرامي – السرياني – الآشوري – الكلداني – الذي أسلم ، فقد حقه في التعبير عن هويته الأصلية ، وأن التعبير عن هذه الهوية هو حكر فقط على من أبى ..؟؟!!
مسلمون ونعتبر إسلامنا امتدادا لقيم جاء بها إبراهيم وموسى وعيسى وبشر بها من الأنبياء يونس وصالح وداود وسليمان وزكريا ويحيى ..
عرب ونعتبر عروبتنا البوتقة الثقافية الحضارية المتعالية التي اندمجت في بوتقتها الأعراق ، وامتزجت في إطارها الثقافات ..
الفخر بالمكون الحضاري التاريخي بكل تجلياته في بلاد الشام حق لكل سوري ، وليس حكرا على فئات محدودة تريد أن تحتكر وراثة قوم أو ثقافة أو حضارة . فنحن المسلمين العرب السورييين ، الحاملون الحقيقيون لإرث الفينيقيين والكنعانيين والعموريين والآشور والكلدان وكذا مكونات ما بعد الفتح الإسلامي إرث السلاجقة والكرد والشركس من فرسان الإسلام ، حمولة يشاركنا فيها من رغب عن حب ، ولكن لا ينازعنا فيها أبدا أحد ..
لستُ عربيا أكثر منكَِ ، ولا أنتَِ سرياني أو آرامي أو فينيقي أو كلداني أو سلجوقي أو كردي أكثر مني . وهذه لجاجة يجب أن تخصم …
وأعود إلى خطاب بشار الأسد لأذكّر بقول العرب ” وقد يصدق الكذوب ” وفي قول بشار الأسد إن الدين هو جوهر الفكر في المنطقة والشرق لأنه يدخل في كل جوانب الحياة . حقيقة تستحق التأمل ..وهي تنطبق على الذين يوافقون وعلى الذين يخالفون، على السواء ..
حتى الذين ينازعون في هذا ، إنما يفعلون ذلك بخلفيات دينية مدغمة ، مموهة بكلام ليس له إتاء .
وقديما قالت العرب :
وبعض القول ليس له عناج …كمخض الماء ليس له إتاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى