مقالات

التّنين الصّينيّ و الثّور التّركيّ

محمد بشير الخلف

كاتب وسياسي
عرض مقالات الكاتب

الرّمز عند الشّعوب تكثيف عالٍ لمشاعر جمعيّة، صُبّت في قوالب شكليّة للتّعبير عن وحدتها و خصوصيّتها أمام نفسها و أمام الأمم الأخرى.
و التّنّين رمز صينيّ قديم يلخّص تجربة أجدادهم في فترة تاريخيّة عظيمة التّمثيل للذّات الصّينيّة، و إن احتوى على إشارات خرافيّة تتقصّد إرهاب العدوّ.
و الثّور رمز تركيّ في غابر الأزمان أيّام البداوة والزّراعة، و لا أدري مدى صلته باسم هذا الشّعب حسب ما تدّعي بعض الرّوايات الشّفهيّة، و هي وسمة على مايتميّز به هذا الحيوان الأليف من قوّة وصبر وجلد كما هو موجود لشعوب الأمم الأخرى، من رموز مثل الجمل للعرب والحمار للحزب الجمهوريّ الأمريكيّ.. ووووو.
لقد وهن محراث المذهب الّذي اتّكأ الأتراك عليه في عباب العرب، وشعاب مياههم لازدحامه بالضّواري المتعاركة فوق بساطه،
فاستدار الأتراك وحرّكوا تربة القوميّة في سهوب وجبال “القوقاز” بعد أن طمت عليها نفايات الشّوعيّة قرناً، و أكثر من الزّمان كان إقليم “ناغورني كارباغ” بمثابة القفل للباب المفضي إلى جمهوريّات تربطها بتركيا وشائج القربى من جهة القوم، و اللّغة .مغرية باتّساعها الجغرافيّ و بتعدادها السّكانيّ، وبحاجاتها إلى روافع اقتصاديّة تدعمها في الانتقال الحضاريّ من مجتمعات رعويّة زراعيّة إلى مجتمعات صناعيّة و ما بعد صناعيّة.
لم تصرخ إيران قويّاً نتيجة القرصة الجيوسياسيّة الّتي ألحقتها تركيا بها في مجالها الحيويّ، حيث غالبية الأذر على المذهب الشّيعيّ، و إن كانوا من العنصر التّركيّ، فهي تخشى الحتّ الجغرافيّ تحت أيّ عنوان كان.
لإن الأتراك أدركوا الحاجة الإيرانيّة لهم في هذه الظّروف العصيبة، الّتي وضعت إيران نفسها بها من عداء لكلّ محيطها، إضافة إلى الحصار الأمريكي الخانق.
أمّا الرّوس فيعتقدون أنّ الجمهوريات التّركيّة لا تستطيع الذّهاب بعيداً في علاقاتها مع تركيا لحسابات إقليميّة، و دوليّة غير مواتية للرّياح السّياسيّة التّركيّة المتّجهة شرقاً وقد اخطأوا التقدير.
مؤكّد أنّ التّنّين الصّينيّ يتوجّس من اقتراب الثّور التّركيّ من مجاله الجيواقتصاديّ، ليس لذاته و إنّما لعلمه أنّ هذا الثّور قد يهيج بتغذية من النّاتو، الّذي تجمعه به باحات مؤسسات الاتّحاد الأوربيّ، و الممثّلة عسكريّاً بالنّاتو، فيخشى التّنّين أن يحاصر من الجنوب بقوّات أمريكيّة ناتويّة، و من الشّمال بقوّات تركيّة ناتويّة فيطبقوا على طريق حريره الممتدّ من الصّين إلى إيران كمرحلة أولى .
لا شكّ أنّ الحرث باتّجاه الشّرق يجد مباركة واسعة من أمريكا و غيرها، و يخفف من حدّة التّوتر، الّتي نشأت في عهد ترامب المتغاضي عن بعض السّياسات التّركيّة، إلّا أنّ بايدن الرئيس الامريكي الجديد الذي سيباشر مهامه في ٢٠/١/٢٠٢١ مشمّر عن زنوده لملاقاة الأتراك، غير أنّ استدارة الاتراك و تغيير ساحة المعركة سوف يكسبون تأييده، و خاصّة فيما يخصّ ضبط الإيقاع الصّينيّ في المنطقة، و قصقصة أطرافه و إن اكتمل بقصّ الرّأس في إيران، فستكون تركيا المرشّح لحصاد إرث الشّرق كاملاً.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تفاؤل جميل لعله يتحقق على الرغم من الصعوبات الجمة التي تعترض سبيل النهضة التركية الجديدة

  2. الأمور داخلة ببعضها و مرحلة عض الأصابع و الجميع يتوجع و كل ينتظر غيره يسحب إصبعه…
    و يبقى الأمريكي منفردا في الساحة لم يدخل لعبة عض الأصابع و يتابع المشاهد عن كثب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى