بحوث ودراسات

الشرعية الدولية ومعتقل جونتانامو – 4 من 10

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

المطلب الثالث

الشرعية الدولية والنظام العالمي الجديد

    هذا المطلب يتناول العلاقة بين الشرعية الدولية والواقع الدولي الحالي وما العلاقة بينهما وما هي طبيعة النظام الدولي الجديد وما تكييفه القانوني ؟وهل هناك نظام عالمي جديد من عدمه ؟

    إن فكرة النظام الدولي أو العالمي الجديد, ليست جديدة في إطار العلاقات الدولية, ويمكن إرجاعها إلى العهد الروماني حين فرضت روما (السلام الروماني)على العالم القديم, وخلال الحقب الزمنية الطويلة التي امتدت ما بين(السلام الروماني) وبين ما يقال له اليوم النظام الدولي الجديد أو(السلام الأمريكاني), ظهرت عدة أنظمة عالمية متعاقبة (45) فبعد خروج المسلمين من الأندلس, نادوا بعالم دولي جديد, وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قالوا بنظام دولي جديد, وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, فرضوا نظاما دوليا.

    وشاع استخدام مصطلح(النظام الدولي الجديد) بعد سقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989م, واستخدامه الرئيس الأمريكي بوش الأب أبان حرب الخليج الثانية, فالمجتمع الدولي اليوم يعيش مرحلة تاريخية مهمة من التحولات والمستجدات السريعة المتلاحقة ذات تأثيرات واضحة عديدة ومختلفة, تظهر آثارها علي كافة جوانب العلاقات الدولية.(46)

    إن الغموض المتعمد يحيط بمعنى ومضمون(النظام الدولي الجديد), هل المقصود به العودة إلى ما قبل التنظيم الدولي؟ و القضاء علي كافة المكاسب التي حققها المجتمع الدولي في هذه الفترة و المبادىء العامة في القانون الدولي منها مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول, وحق تقرير المصير وغيرها أي العودة إلى القانون الدولي التقليدي, وتسخير القانون الدولي لتحقيق أهداف الدول الكبرى, واحتكار عضوية المجتمع الدولي وإسباغها على من يشابها من دول العالم الثالث وحجبها عمن سواها, وعودة الحكومة الدولية الواقعية من خلال مؤتمر الدول الصناعية السبع الكبرى الذي تأسس عام 1975.(47)

    ولتحديد ماهية النظام الدولي القديم والجديد, ينبغي التفرقة بين (النظام الدولي) و(المجتمع الدولي) وهو الإطار الذي يشكل بنيان النظام الدولي تبعا لحقائقه, كما أن النظام الدولي يعد مجاله التطبيقي المجتمع الدولي, والتفرقة بين (التنظيم الدولي)و(النظام الدولي)فالأول يمثل التعبير المؤسسي للثاني, ولكنه ليس هو وكذلك فإن القانون الدولي ليس هو النظام الدولي, فالقانون الدولي بمصادره المختلفة قد يعبر عن حقائق المجتمع الدولي ولكنه لا يمثل صورة صادقة عن العلاقات في هذا المجتمع. (48)

    أما النظام الدولي عموما فيعرفه البعض بأنه(مجموعة الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والسياسية التي تحكم علاقات المجتمع الدولي بكل أشخاصه ومؤسساته, وبكل الأنساق القيمة والقانونية التي تعبر عن هذه الحقائق والتي تنظم علاقات الدول بعضها ببعض وعلاقات الدول والمجتمع الدولي بالطبيعة, وآليات التنفيذ لهذه العلاقات) (49) وعرفه آخر بأنه(مجموعة قواعد التعامل الدولي الناتجة عن التفاعلات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية الحاصله بين القوى الدولية الكبرى وآثرها على العالم كله في مرحلة تاريخية معينة).(50) وعرف البعض هيكل النظام الدولي ( توزيع القدرات في هذا النظام وبالتالي ترتيب الوحدات المكونة له بعضها بالنسبة إلى البعض الآخر, وانعكاسات مثل هذا التوزيع على سلوك الوحدات الدولية, وقدرة إحداها أو البعض منها على السيطرة على توجيهات الفاعلين الآخرين ).(51)

تكييف النظام الدولي الراهن:

    اختلف فقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية, حول طبيعة النظام الدولي الراهن فمن قائل بأنه أحادي القطبية, ومن قائل بأنه متعدد الأقطاب ومن قائل بأنه ثنائي القطبية ولكن بدلا من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق, أصبح الشمال المتقدم والجنوب المتخلف، ومن قائل بأن النظام الدولي لم يتشكل بعد, مما يصعب تحديد ماهيته وطبيعته و شكله بعضها بالنسبة إلى البعض الآخر, وانعكاسات مثل هذا التوزيع على سلوك الوحدات الدولية, وقدرة إحداها أو البعض منها على السيطرة على توجيهات الفاعلين الآخرين ).(52) و النظام الدولي يأخذ أحد الأشكال التالية:

 ( أ ) النظام الدولي متعدد الأقطاب: وهو النظام الذي تتعدد فيه القوى التي تقوم بالوظيفة القيادية, وهو ما يعرف بنظام توازن القوى وهو النظام الذي ساد في القرنين السابع والثامن عشر.

(ب) النظام الدولي ثنائي القطبية: وهو النظام الذي تمارس القيادة فيه دولتين أو فاعلتين دوليين كبيرين, و ساد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى عام1989, أي فترة الحرب الباردة ويطلق عليه نظام(توازن القطبين أو نظام القطبية الثنائية).             

(ج) النظام الدولي أحادي القطبية: هو النظام الذي تنفرد بقيادته دولة واحدة أو منظومة دول وساد في ظل الإمبراطورية الرومانية, ويعتبر البعض النظام الدولي الراهن كذلك.(53) وسوف نتعرض بالدراسة لكل صورة من هذه الصور

    وتعرف القطبية الواحدة بأنها ( بنيان دولي يتميز بوجود قوة أو مجموعة من القوى المؤتلفة سياسيا تمتلك نسبة مؤثرة من الموارد العالمية تمكنها من فرض إدارتها السياسية على القوى الأخرى دون تحدي رئيسي من تلك القوى ). ويري البعض أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم القوة الواحدة والتي لا تتحداها أية قوة أخرى (54) بحكم ما تمتلكه من كافة جوانب القوة العسكرية و الاقتصادية والدبلوماسية والجاذبية الحضارية التي لا تتوافر لدى قوة أخرى, الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأن (القرن العشرين كان قرنا أمريكيا, وسيكون القرن الواحد والعشرين كذلك قرنا أمريكيا).(55)

    وقد تصور أصحاب هذا الرأي, أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت عقب انتهاء الحرب الباردة عملاق وحيد ( Comely Giant ) في النظام الدولي, بانتصارها على الشيوعية, وهي حاليا تستطيع أن تهزم أي تهديد محتمل, ولا تخشى من أية قوة جديدة ذات بعد واحد – غالبا الاقتصادي – في قارتي أوربا ممثلة في الاتحاد الأوربي أو آسيا سواء اليابان أو الصين.(56)

    وقد تعرض هذا الرأي لانتقادات عديدة تتعلق بحالة الولايات المتحدة عقب الحرب الباردة, خاصة جوانب القصور الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية, وقد أعتمد هذا النقد على ان صراع الحرب الباردة جعل الولايات المتحدة الأمريكية تواجه الكثير والكثير من الاعتمادات المالية للجوانب العسكرية خصما من الموارد المخصصة للحاجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, مما شوه الاقتصاد الامريكى وأضعف السوق الأمريكي, وأدى إلى عجز الميزانية وضعف الاستثمار وتحلل البنية التحتية, حيث بدأت تظهر عوامل الضعف والتخلف في مجالات مهمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية.(57)

    كما أن انتهاء الحرب الباردة أدى إلى اهتزاز النفوذ السياسي على الصعيد الدولي للولايات المتحدة وخاصة تجاه حلفائها من أوربا واليابان, الذي تمثل خوفهم من القوة السوفيتية السابقة التي انهارت, مما أدي إلى تصدع الائتلاف السياسي الأمريكي مع كل من أوربا واليابان, وأصبحت الولايات المتحدة لا تستطيع تمويل عجز ميزانيتها المزمن عن طريق شراء الأوربيين و اليابانيين أذونات الخزانة الأمريكية, و لا تستطيع أن تقوم بتداخلات عسكرية على نطاق واسع بدون مساهماتهم المالية كما حدث في حرب الخليج الثانية والثالثة.

    ومثل انتهاء الحرب الباردة أيضا, انحدارا دراميا في قدرة الولايات المتحدة على تقرير اتجاهات الأحداث على الصعيد الدولي والإقليمي, وفشلت في أن تكون القوى العظمى في عالم تتعدد فيه أدوات القوة, ودللوا على ذلك بفشل الولايات المتحدة في مؤتمر البيئة العالمي عام 1992م. في أن تشكل ائتلافا من الدول الغنية يؤيد موقفها المحافظ من قضايا البيئة, و في حرب الخليج الثانية والثالثة احتاجت لشركاء معها, مما جعل البعض يقول أن التفوق الأمريكي هو(واقع ووهم معا) Reality and Illusion ).(58)

     ويذهب جانب آخر إلى أن النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب, لم تنفرد به وعليه الولايات المتحدة بل هناك عدة أقطاب تعتبر متساوية القوى منها اليابان والصين والاتحاد الأوربي.(59) ولكن هذا الرأي تعرض للنقد, فقد رأى البعض أن تلك الأقطاب أو القوى ليست مؤهلة للعب دور على الصعيد الدولي ومنها من لم يرغب في ذلك مثل الصين واليابان, بينما أوربا لم تتحد بعد وقد فشلت في معالجة بعض قضاياها الداخلية مثل البوسنة والهرسك وكوسوفا.ولم تتفق على الدستور الأوربي الموحد.واليابان ليس لها قوة عسكرية, فهي من هذه الناحية تابعة وتعيش تحت مظلة الحماية الأمريكية.(60)

    ويرى جانب من الفقهاء بأن النظام الدولي الراهن ثنائي القطبية. ولكن القطبان أحدهما الشمال المتقدم بزعامة الدول الصناعية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة. والجنوب المتخلف ويضم الدول النامية, ولكن القطب الأول مسيطر ويكاد يهيمن على القطب الثاني مع اختلاف واضح في موازين القوى بين القطبين. ولكن هذا الرأي تعرض للنقد من ناحية أن بعض دول الجنوب النامي يقف مع القطب الآخر وبعض دول الشمال المتقدم تعتبر من وجهة نظر الدول الصناعية الكبرى دول نامية تنتمي إلى عالم الجنوب.فضلا عن استحالة تقسيم العالم عمليا إلى ذلك.

    ورأى جانب آخر أن النظام الدولي الراهن يشهد حالة من السيولة, لم تظهر بعد ماهيته وحدوده, وأن هذا الأمر سوف يستمر ربما لحقبة قادمة من الزمن, كما أن معايير التصنيف المتبعة في الحرب الباردة سوف تتغير, وفي ضوء ذلك يبدو النظام الراهن غريبا يصعب تحديده, ففي الحرب الباردة كانت الدولتان القائدتان في خصومة لأن كل منهما كان يعتبر الآخر خطرا عليه, أما بعد الحرب الباردة, فأن العلاقات بين أشخاص وآليات النظام الدولي تغيرت.(61)

    وهناك تصنيف آخر للنظام الدولي الراهن, يتلخص في ثلاثة اتجاهات رئيسية الأول: يرى وجود نظام دولي جديد و الثاني: ينفي وجود نظام دولي جديد و الثالث: يرى أن النظام الدولي لازال قيد التشكيل وسوف نلقي الضوء على كل اتجاه مما سبق.

( أ ) الاتجاه الأول: يؤكد وجود نظام دولي جديد مختلفا عن القديم, وأستند على انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفيتي وبروز دور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة, وتدعيم دور الأمم المتحدة باعتبارها تجسيد للشرعية الدولية. وظهور مجموعة من المشكلات والتحديات الدولية الجديدة التي تتطلب جهدا دوليا لمواجهتها, وثمة اتجاهات فرعية داخل هذا الاتجاه, فهناك من ينظر ويركز على الجوانب الإيجابية للنظام العالمي الجديد, وهناك من يفتقد الأسس التي يستند إليها هذا النظام باعتباره يسعى لتحقيق مصالح قوى معينة. ويخلص أنصار هذا الاتجاه إلى أن وجود النظام العالمي الجديد لا يحمل بالضرورة وعودا بعالم أكثر أمنا وعدلا, أو كونه أفضل من القديم, وأن كان النظام الدولي الراهن به فروق عميقة وجوهرية في أسسه وقواه وقضاياه عن النظام العالمي السابق.               

(ب) الاتجاه الثاني: إن أصحابه ينكرون ويشككون بوجود نظام عالمي جديد, برغم ما جرى في الساحة الدولية من تحولات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة, و الحديث عن ذلك وهم وخدعة, وهناك اتجاهان داخله الأول يُنكر وجود نظام دولي جديد ويسمى ما يحدث الآن (الفوضى الدولية الجديدة)والتي سوف تستمر حتى يتم التوصل إلى ترتيبات دولية جديدة وترسيخ في صيغة نظام عالمي جديد.والثاني يقر بوجود متغيرات دولية جديدة, كما ورد في الاتجاه الأول. إلا أن ما يعرف بالنظام العالمي الجديد ليس جديدا في مضمونه أو أهدافه, إنما هو اقرب إلى الترتيبات الجديدة التي يستخدمها النظام العالمي القديم ليعيد بها تأكيد دوره في ظروف متغيرة.

 (ج) الاتجاه الثالث:يري إنه من السابق لأوانه الحديث عن نظام عالمي جديد بالمعنى العلمي الدقيق فهو لا يزال قيد التشكيل والتبلور, ولم تستقر معالمه بصورة واضحة بعد, وأن المرحلة الراهنة من مراحل تطور النظام الدولي تمثل مرحلة انتقالية, تشهد اندثار بعض أسس وقواعد النظام الدولي القديم وظهور أسس وقواعد لنظام دولي جديد و سوف تستغرق بعض الوقت وتتسم بحالة من الفوضى الدولية, و يكتنفها غموض واضطراب ومظاهر لعدم الاستقرار في مناطق عديدة من العالم, ويرى أن القطب الأمريكي سوف يهيمن لمدة من الزمن. بالرغم من تعدد الاتجاهات الفكرية السالفة إلا أن هناك اتفاقا عاما بين الباحثين في مجال العلاقات الدولية على وجود متغيرات وتحولات جديدة, جعلت العالم يبتعد تدريجيا عن النظام الدولي السابق الذي ظهر عقب الحرب العالمية الثانية والذي أستند على نظام القطبية الثنائية ودخل العالم مرحلة جديدة, وهذا رأى غالبية الباحثين والفقهاء.(61)

     ويرى أحد الفقهاء أن للنظام الدولي بعد الحرب الباردة ملامح تتلخص في ما يأتي:(62)

1-    وجود قوة عظمى واحدة.

2-    استخدام القوة العسكرية كوسيلة لبسط الهيمنة الأمريكية على دول العالم الثالث.

3-    العمل على إيجاد وسيلة لحل المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي عن طريق بيع الحماية لأغنياء وحكام دول العالم الثالث.

4-    قيام أوربا واليابان ببعض المهام لاستكمال عملية الاختراق للإتحاد السوفيتي السابق وتحويله إلى كيانات متناحرة على غرار النمط السائد في أمريكا اللاتينية.

5-    اعتماد الخطة الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة العربية بهدف إضاعة فلسطين ثم الأردن بوضعه الراهن من خلال مؤتمر دولي تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية في مجرياته.

6-    يتميز النظام الدولي الراهن بكونه ثلاثي الأقطاب على الصعيد الاقتصادي أوربا الموحدة واليابان, بزعامة وهيمنة الولايات المتحدة, وأحادي القطبية عسكريا.         

    وأضاف أحد الفقهاء ملامح أخرى تتمثل في الآتي: (63)

1- أنه عالم القطب الواحد.

2- التدخل عسكريا لحماية مصادر الطاقة في العالم حتى لو تم احتلالها

3- التدخل في الشئون الداخلية للدول بزعم حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان تحت شعار التدخل الإنساني.

4- فرض الوصاية الدولية على دول العالم الثالث وخاصة الإسلامية.

5- تعظيم دور الأمم المتحدة باستغلالها عن طريق إصدار قرارات من مجلس الأمن تضفى الشرعية

    على تصرفات الدول الكبرى غير الشرعية.

    وقد انتهى أحد الفقهاء أن النظام الدولي الراهن هو نظام الهيمنة الأمريكية, أو كما أشتهر في الساحة السياسية بأنه (النظام العالمي الجديد)الذي قام عقب انتهاء الحرب الباردة بسقوط الإتحاد السوفيتي, فقد روج أصحابه والمستفيدون منه بأنه سيقوم على حماية الشرعية الدولية, وسيادة مبادىء القانون الدولي وتطبيق نظام الأمن الجماعي تطبيقا عادلا. أشاعوا ذلك في حرب الخليج الثانية, ولكن ما إن انتهت الحرب حتى ظهر على حقيقته وانكشف وجهه القبيح, واثبت تخاذله وتراجعه, وأخذ ينقض ويهدم بنفسه المقومات الدولية التي قام عليها بصورة تدعو إلى إسقاط وزواله, على الأقل في عين القانون الدولي أو الشرعية الدولية, وبان ذلك جليا في القضية الفلسطينية واحتلال أفغانستان 2001والعراق 2003.(64)

     ونحن نرى أن التكيف الصحيح – من وجهة نظرنا- للنظام الدولي الحالي أنه نظام لم يتشكل بعد ولم تتضح معالمه وحدود, فالعالم اليوم يشهد حالة من عدم الثبات لم يشهدها منذ فترة من الزمن.ومن ملامح هذه الحالة ظهور ما يطلق عليه البعض (الشرعية الدولية الجديدة) (65) والتي تتمثل في القرارات التي يصدرها مجلس الأمن منذ عام 1990.والتي تناقض كافة مبادىء وأهداف منظمة الأمم المتحدة. ولكن هذه القرارات تصدر صحيحة من حيث الإجراءات فقط. ولكن مضمونها مناقض تماما لكافة مبادىء وأهداف المنظمة العالمية. وخير مثال على تلك القرارات ما صدر بخصوص العراق منذ عام1990 حتى الآن وكذلك القرارات الصادرة بشأن دار فور وأزمات السودان الداخلية (66) والقرارات بشأن لبنان وسوريا(67).

     وقد أدى تواتر صدور هذا النوع من القرارات المستندة للفصل السابع إلى ظهور ما يطلق عليه أحد الفقهاء (الشرعية الدولية الجديدة) و ازدياد القلق من استخدام المجتمع الدولي للتداخل في شئون العالم العربي وتمرير المشروعات الأمريكية في المنطقة.

     وتتميز الشرعية الدولية الجديدة بأنها تستند على قرارات مجلس الأمن الصادرة وفق الفصل السابع والتي تقف خلفها أو بجوارها أو من ورائها الولايات المتحدة, وتصدر هذه القرارات بتوافق الآراء دون معارضة بعد مفاوضات بين أعضاء المجلس, بحيث ترضى كل الاتجاهات فضلا عن أنها تصدر وفق قواعد الإصدار الصحيح في الميثاق الواردة في المادة(27/3)منه فهي تصدر بإجراءات صحيحة قانونيا, ولكنها تعبر عن إرادة أعضاء مجلس الأمن وتجاوز حدود الشرعية في الميثاق(68) ويعتبر العالم العربي التربة الخصبة التي زرعت فيه هذه الشرعية.

    وتتميز هذه الشرعية الجديدة بأنها انتقائية وتتبع سياسة الكيل بمكيالين أو عدة مكاييل, فهناك قرارات صدرت عن ذات المجلس تعبر عن الشرعية الدولية الحقيقية ومع ذلك لا تنفذ منها القرارات الخاصة بفلسطين, كما أن قرارات الشرعية الدولية الجديدة تهدم القواعد الآمرة في القانون الدولي العام منها مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ومبدأ السيادة, ومبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية, مما جعل البعض يقرر أنه ليس هناك نظام دولي جديد ولكنها ترتيبات جديدة للعالم, وأنه في الحقيقة (اتفاق جديد على مناطق نفوذ ومصالح) (69) ووصفه آخرون بأنه النظام الدولي الجديد هو نفسه (النظام الإمبريالي القديم الذي نعرفه جيدا, ولكنه يجيء اليوم على فوهة مدفع).(70)

    وقد أختلف في المصطلح الذي يطلق على هذا النظام, فمن قائل بأنه نظام دولي جديد ومن قائل بأنه (العولمة)نسبة إلى العالم حيث يشمل النظام العالم كله, بينما أطلق عليه البعض (الأمركة)نسبة إلى دعوى ومزاعم باطلة بأن الولايات المتحدة هي القطب الوحيد الذي يقف على قمة هذا النظام,  ومن قائل بأنها ترتيبات جديدة لعالم ما بعد الحرب الباردة, ونكتفي من جانبا أن نطلق عليه مصطلح (نظام ما بعد الحرب الباردة) حتى يتشكل ويتضح معالمه.

  الخلاصة: نرى أن الشرعية الدولية السابق بيانها ماهية ومصادر لا توجد في نظام ما بعد الحرب الباردة, بل الموجود (لا شرعية ولا دولية) ولكنها تصرفات دول قوية عن رغبتها في الهيمنة والسيطرة على العالم شعوب ودول وموارد لا نقول هيمنة أمريكية فقط ولكنها هيمنة وسيطرة قوى الشمال الغنية ممثلة في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي تأسست عام 1975م, حيث تسخر الشرعية الدولية في غير ما شرعت له, وتوظفها لتحقيق أهداف ورعاية مبادىء لم تدر بخلد من صاغوا ميثاق الأمم المتحدة, حيث يجري حاليا استخدام الأمم المتحدة كأداة رئيسية في أعادة صيغ العالم بلون واحد وتمهيده لاستقبال قواعد سلوك جديدة, فهي ( تصدر) قرارات خطيرة مناهضة تماما لأهداف ومبادىء الأمم المتحدة يتفق عليها وتصاغ خارج مقر المنظمة, أي خارج إطار الشرعية الدولية نحن نعيش الآن مرحلة انتقالية, فالميثاق القائم, لا يتناسب مع الواقع الراهن وخصوصا ما يتعلق منها بالأمن والسلم الدوليين والتنمية, (71) بإيجاز شديد, أن النظام العالمي الراهن, ليس سوى اغتصاب الولايات المتحدة – مؤيدة من الغرب – الشرعية الدولية لتحقيق سياساتها وأهدافها في العالم كافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى