مقالات

التطبيع ، حين يتحالف الاحتلال والاستبداد لتدميرنا!

ياسر سعد الدين

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

العلاقة بين حكام الإمارات وبالتحديد حكام أبوظبي ما بعد الإعلان الرسمي عن التطبيع مع الصهاينة، تعتبر غير مسبوقة بين الدول قديما ولا حديثا، فما هي الروابط والقواسم المشتركة ما بين الإمارات والدولة العبرية حتى يتحول العداء الرسمي المعلن إلى اتفاقات متسارعة في جميع الأصعدة وإعلانات استثمارية متعجلة وعلاقات حميمية ساخنة أشبه ما تكون بعلاقات عشاق كاد يقتلهم الشبق وليست علاقات بين دول تراعي مصالحها وماضيها وجوارها ومستقبلها، والمقصود هنا حكام ابوظبي بكل تأكيد.

طبيعة هذه العلاقات تذكرنا بإنفاق الإمارات المتعاظم على التسلح ودورها “التوسعي” في المنطقة وسياستها بالغة العدوانية والدموية والتي تجعل من دولة صغيرة تقحم نفسها في ملفات دول كبيرة وتلعب فيها أدوار عسكرية وإرهابية، كما في اليمن حيث تم الكشف عن استئجار مرتزقة غربيين لتصفية مفكريين وسياسيين وعلماء ودعاة هناك والعبث في أمن ومستقبل مصر وليبيا وسوريا ومالي والصومال وفلسطين وغيرهم. ويلاحظ أن الإمارات عندها ومن سنوات (وبفضل الدعم الصهيوني) حصانة إعلامية وسياسية وحتى جنائية، فلا أحد تقريبا يتناول ملف المعتقلين السياسيين من خيرة وصفوة رجالات الإمارات ولا تجاوزاتها والتي وصلت إلى حد تسليح جماعات محسوبة على القاعدة في اليمن بأسلحة أمريكية متطورة كما أفاد تقرير بثته قناة سي إن إن في فبراير 2019.

من الواضح أن دور الإمارات التدميري في المنطقة ومحاولاتها المحمومة لتدمير ثورات الشعوب العربية وإعادة الاستبداد وتثبيته في المنطقة كما حصل في مصر، تم ويجري بالنيابة عن الدولة العبرية وبتوجيه ودعم مخابراتي وسياسي وإعلامي منها. ما حصل مع الإمارات ويتكرر مع دول عربية في هرولة مذلة ومهينة للتطبيع (بل وأكثر منه وبكثير) مع الاحتلال توقيتا وكيفية، يوضح بجلاء أن غالبية الأنظمة العربية هي أنظمة وظيفية وأن نجاحها غربيا وصهيونيا إنما يكون في فشلها الذريع والمبرمج –بتقديري- في الحكم وتدمير مقومات الدول التي تحكمها (وكالةً) وتدمير الإنسان والبنيان.

ما الذي تغير في منطقتنا حتى تبدل أنظمة عربية مواقفها من النقيض إلى النقيض، من عداوة معلنة مع الصهاينة لعلاقات شبق وثيقة مشبوهة ومحمومة معهم؟ وكيف تثق الشعوب بحكام وحكومات كانوا يخدعونها سنوات وعقود بإعلان معاداة الاحتلال، وها هم يعلنون بصفاقة ووقاحة أن علاقاتهم الشخصية مع الاحتلال تعود لعقود طويلة. ما تغير هو إدارة أمريكية تعلن مواقف داعمة للاحتلال وتتبنى وجهة نظره في ما يخالف القانون الدولي من ضم القدس والجولان والمستعمرات (المستوطنات) في الضفة الغربية، ما تغير هو استعلاء إسرائيلي واستهانة صارخة بحقوق الفلسطينيين وحتى باتفاقيات السلام والتي وقعها الصهاينة مع الفلسطينيين ومع دول عربية آخرى، فأين المبرر المنطقي للتطبيع إذا!؟

توقيت اعلان التطبيع مع الصهاينة يتم بعد تدمير دول عربية كبيرة وبشكل مبرمج ومتعمد مثل سوريا والعراق وليبيا ومصر والسعودية، وهو بتقديري تمهيد لإعلان إسرائيل الكبرى إن لم يكن في الحدود (وهو أمر غير مستغرب) فبهيمنة اقتصادية وسياسية وعسكرية والتي تجعل للصهاينة الكلمة الأولى والعليا بالمنطقة، وتجعل الطائرات والصواريخ الإسرائيلية تضرب وتعربد في سوريا والعراق وإيران بكل حرية وأريحية بعدما نجحت تل أبيب وحلفائها في جر إيران إلى دور طائفي إجرامي قذر ومنحط في المنطقة.

حين دخلت مصر 1979 والأردن 1994 في سلام مع إسرائيل، كان التسويق الأكبر لذلك السلام هو في السعي لتحسين اقتصاد الدولتين بعدما أستنفذهما “حالة الحرب” والعداء مع الصهاينة كما كان يعلن وقتها. الآن وبعد عقود من السلام كيف هي الأحوال الاقتصادية والسياسية في الدولتين؟ ما يسمى مرحلة التطبيع المذل مع إسرائيل وحكومات عربية، هي مرحلة مؤلمة ومهينة من هيمنة إسرائيلية على المنطقة، تمتص خيراتها وتستعبد شعوبها بل وحتى تلك الأنظمة المستبدة والفاسدة ستكون من ضحايا الهيمنة الإسرائيلية القادمة. يكفي أن تستمع لحاخات يهود مشاركين في حكومة نتيناهو وتتأمل كيف ينظرون للعرب ومن خلال قراءات توراتية على أنهم جوييم وأقل من الصراصير والحشرات حتى توقن بمستقبل من رضي أن يكون كذلك من حكام العرب وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأنهم قادة كبار في المنطقة ويحسب لهم الف حساب!

هل تظنون أن فشل غالبية حكوماتنا العربية في الحكم أو في النهوض باقتصاديات دولهم أو ببناء صناعات أو نهضة علمية محض صدفة؟ هل تلاحظون كيف ينعي قادة الغرب حكام عرب حين يموتون ويصفونهم بصفات رفيعة ويمتدحونهم بمديح عجيب، رغم فشل أولئك الحكام المريع في الحكم والإدارة ونجاحهم في القمع ونشر الفساد والإفساد؟ من هل تذكرون كيف أشادت مادلين أولبرايت (كانت وقتها وزير خارجية أمريكا) بسلاسة نقل السلطة في سوريا بعد هلاك حافظ وتعديل الدستور الهزلي لينتقل الحكم إلى نيرون سوريا بشار الأسد؟

لقد تم زرع إسرائيل في المنطقة وتم دعمها بحكومات فاسدة دمرت الإنسان والبنيان، حاربت تلك الحكومات إسرائيل ظاهريا وفشلت، وسالمتها وطبعت معها وفشلت، وها هي حكومات تسارع في تطبيع مخالف لمبادئ الدين ومنطق السياسة والمصالح وهي تمضي وقد بددت الثروات، وأنشات كما في الإمارات إقتصاد مبني على الدعارة وغسل الأموال وتجارة الرقيق الأبيض رغم أن الله حباها بثروات ضخمة، اقتصاد مبني على جرف هار، وسياسة تدميرية سترتد على المنطقة أحقادا ونيران وهو المطلوب صهيونيا وصليبيا.

الاستبداد في المنطقة والحكام المستبدبن صناعة دولية صهيونية، لتبقى الهيمنة الغربية والصهيونية على دولنا ومقدراتنا ولنبقى سوقا استهلاكية تستورد كل شيء وتصدر للغرب فقط خيرة عقول ابنائها وأهم كوادرها العلمية والفكرية، بثمن بخس جنسية وجواز سفر وحياة إنسانية طبيعية أصبحت من الإحلام والأماني في دنيا العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى