مقالات

مناهج النقد الغربي للعهد القديم 2 النقد التاريخي (1)

د. أحمد الجندي

أستاذ الدراسات اليهودية والصهيونية
عرض مقالات الكاتب

أشرنا في مقالة سابقة إلى بعض مناهج النقد الغربي للعهد القديم بصورة موجزة، وبدءا من هذا المقال سوف نتناول كل مدرسة من هذه المدارس بشيء من التفصيل، مبتدئين بالنقد التاريخي، محاولين تبسيط المعلومات دون إخلال.

يقوم النقد التاريخي بفحص العوامل المرتبطة بالأصول التاريخية للنص؛ فيحاول التعرف على طبيعة العصر، والأماكن التي كتب فيها النص، ومصادر النص كالأحداث والتواريخ والأشخاص والعادات والأشياء المذكورة في النص أو متضمنة فيه؛ وعلى هذا الأساس فإن مناهج المدارس النقدية الأخرى كالنقد المصدري والأدبي وتحرير النص يمكن اعتبارها مكملة لعمل هذه المدرسة.

ولما كانت الاكتشافات الآثارية تؤثر في النقد التاريخي، كان من المفترض أن تكون هذه الاكتشافات بعيدة عن أي مؤثرات تؤثر في مصداقية البحث، لكن ما حدث أن الأهمية الدينية والسياسية لفلسطين قد أثرت على نتائج البحث التاريخي، وعلى دراسة تاريخ الشعوب التي سكنتها قديما أو حديثا؛ فالمكانة الدينية والصراع عليها كانا عاملين أساسيين في توجيه هذه الدراسات. ويمكن رصد ذلك على النحو الآتي

ا – أثر الدين والأيديولوجيا في الاكتشافات الأثرية وفي وصف التاريخ الإسرائيلي القديم.

دار جدال كبير بين الباحثين في الآونة الأخيرة حول دور المعتقد الديني في البحث التاريخي، والسعي إلى إثبات مصداقية نص العهد القديم؛ ومن ذلك ما أثاره توماس تومسون في “الدورية الاسكندنافية لدراسة العهد القديم Scandinavian Journal of the Old Testament” تحت عنوان “دور المعتقدات في البحث التاريخي The Role of faith in Historical Research” يتحدث فيه عن أن أكثر الجهود التي تثبت التاريخ الإسرائيلي القديم تنطلق من فرضيات دينية بضرورة صحة رواية العهد القديم. وميز تومسون بين نوعين من الباحثين – من يسلم بمصداقية رواية العهد القديم التاريخية ويسعى لإثباتها، ومن يتحرر من هذه المسلمات – طبقا لتوظيف المعتقدات في الدراسة، وعلى هذا الأساس كان هناك ما يعرف بالتاريخ الموضوعي والتاريخ الديني.([1])

وقد استتبع ذلك ردا من ج. ب. كوفود J. B. Kofoed ببحث في الدورية ذاتها بعنوان “الرد على: دور المعتقدات في البحث التاريخي The Role of Faith in Historical Research; A Rejoinder” حيث رفض ما ذهب إليه تومسون والرافضون لمصداقية روايات العهد القديم التاريخية.([2]) ومن ذلك أيضا ما تحدث عنه ليستر جرابه L. Grabbe في بحثه “هل العهد القديم صحيح فعلا؟ نظرة على كتاب ت. ل. تومسون العهد القديم في التاريخ Hat die Bibel doch recht? A Review of T.L. Thompson’s The Bible in History.”؛ حيث رفض جرابه ما طرحه تومسون في كتابه “العهد القديم في التاريخ” وأشار إلى أن تومسون كان انتقائيا في تعامله مع المصادر القديمة حسبما يثبت وجهة نظره،([3]) كذلك ما كتبه تومسون في رده على جرابه تحت عنوان “ليستر جرابه والدفاع عن التاريخ Lester Grabbe and Historiography; An Apologia” تحدث فيه تومسون عن أن رفض جرابه لما تحدث عنه تومسون في أبحاثه لم يكن نابعا من موضوعية، بل هو دفاع عن روايات العهد القديم التاريخية.([4]) هذه المواقف تظهر أننا أمام اتهامات متبادلة بالانتقائية في التعامل مع علم الآثار فيما يرتبط بتاريخ فلسطين.([5]) وصلت لحد اتهام أعمال مدرسة الحد الأدنى minimalist (أي المبالغين في عدم تاريخية أحداث العهد القديم) بالتضليل، وفساد المنطق، والتشبع بالأيديولوجية.([6])

ما سبق يثبت أننا أمام تحكيم الأيديولوجيا أو اللاهوت في التعامل مع هذا التاريخ وأحداثه. يدل على ذلك قول إرنست رايت E. Right “إن علم الآثار لا يؤكد صحة النص، بل يؤكد فقط على ما ذهبنا إليه في تفسيرنا للنص”.([7]) وما الجدال الدائر بشأن التمسك بأن تكون دراسة آثار فلسطين تحت مسمى “آثار العهد القديمBiblical Archaeology” والإبقاء على هذه التسمية، أو ضرورة التخلي عنها باستخدام تسمية تتجنب تدخل العامل الديني في البحث الأثري كأن تكون “آثار الشرق الأدنىNear Eastern Archaeology” أو “آثار سوريا وفلسطين Syro Palestinian Archaeology”([8]) ما ذلك إلا دليل على وجود هذا الشعور، ومحاولة من الساعين لاستبدال التسمية لجعل هذا العلم بعيدا عن تأثير الدين، أو على الأقل جعل الأمر يبدو كذلك.

يضاف لما سبق أن بعض المؤسسات التي كانت تبحث في آثار فلسطين كانت تمول جزئيا أو كليا من مؤسسات دينية غربية. وبعض التنقيبات الأثرية كان ينفق عليها بشكل كامل أحيانا من بعض المتدينين مسيحيين أو يهود؛ فالمدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية ASOR وهي أولى المؤسسات التي عملت في هذا المجال كانت تمول جزئيا من مؤسسات كنسية غربية، وكانت عملية التنقيب في منطقة تل بيت مرسيم كلها تجري بتمويل من أصوليين غربيين مسيحيين ويهود.([9])

ويؤكد هذا الطرح أيضا أن كثيرا من الجمعيات الآثارية التي تأسست للبحث في آثار فلسطين نشأت نشأة دينية أو دعمت من الكنائس الغربية: مثل “المدرسة التوراتية للقديس إيتين”، “والمعهد الإنجيلي الألماني لعلم الآثار القديمة للأرض المقدسة”([10])

يلاحظ أيضا أن كبار الباحثين في مجال علم آثار فلسطين كانوا أصحاب عاطفة دينية قوية، أو لهم خلفيات دينية؛ فأولبرايت وتلامذته كانوا مسلمين بالروايات التوراتية عن تاريخ بني إسرائيل وسعوا لإثباتها من خلال الاكتشافات الأثرية، وأصبحوا داعمين بقوة للصهيونية ومزاعمها بحق اليهود في أرض فلسطين.([11]) وكان بعضهم رجال دين؛ فقد كان نيلسون جلوك N. Glueck أحد علماء الآثار في فلسطين والذي ترأس كلية الاتحاد العبري HUC حتى وفاته عام 1971 يعمل حاخاما،([12]) والذي أعلن أنه “يمكن الاطمئنان بشكل قاطع أنه لم يحدث قط أن تعارض كشف أثري مع معلومة قدمها العهد القديم“، وهو نفس الموقف الذي اتخذه ج. ب. فري J. P. Free حين أكد على أن العهد القديم دقيق في كل شيء، وهو ما عبر عنه في كتابه “علم الآثار وتاريخ العهد القديم Archaeology and Bible History” إذ بين أنه كان يسعى “للوصول إلى كتاب مصدق للكتاب المقدس وأن يكون هذا الكتاب موثقا“.([13])

كذلك كان إرنست رايت أحد أشهر علماء الآثار المتخصصين في آثار فلسطين راهبا، وكذلك، جون برايت، د. ن. فريدمان، ر. إ. براون، ر. ديفو الذي كان يبدأ تنقيبه بتراتيل دينية.. وأمثال هؤلاء كثير، حتى إن الأمر وصل للحد الذي أصبح فيه تاريخ إسرائيل القديم حكرا على كليات الدين واللاهوت وليس أقسام التاريخ طبقا لوصف كيت وايتلام.([14]) ورغم أن بعض هؤلاء العلماء حرصوا على إنكار تأثير الدين على أعمالهم؛ مثلما حاول إرنست رايت في بحث له بعنوان “علم الآثار والعهد القديم Archaeology and the Old Testament” التأكيد على أن الانشغال الأكبر لعلم الآثار في فلسطين هو تجنب التأثر بالدين، والاجتهاد في الإجابة عن الأسئلة التاريخية والثقافية.([15]) لكن هذا القول لم ينف حقيقة تأثر هؤلاء العلماء بالدين وكذلك النتائج التي توصلوا إليها، ولذلك فإن الخلفية الدينية لكثير من علماء الآثار الذين عملوا في فلسطين والنتائج التي توصلوا إليها أدت لوصفهم بأنهم كانوا يمسكون المعول في إحدى اليدين، والكتاب المقدس في اليد الأخرى.

تحفظنا هنا ليس على تدين هؤلاء الباحثين من عدمه، وليس مرتبطا بخلفياتهم الكهنوتية واللاهوتية، بل على أن تنبني نتائج أبحاثهم على هذه الخلفية، وأن تكون خلفياتهم الدينية مسلمات تؤثر في صحة البحث الأثري، وهو ما حدث فعليا.

فأولبرايت وسيروس جوردون، وجون برايت وتلاميذهم كانوا يؤمنون بكل وضوح بأن العهد القديم يحكي تاريخا حقيقيا، وأن كل ما جاء بداية من عصر الآباء(إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام))[16]) وصولا إلى ما تحدث عنه عزرا عن أوضاع يهود فلسطين خلال العصر الفارسي كان حقيقيا.([17])

ويقول أولبرايت صراحة إنه رغم استطاعة علم الآثار توضيح تاريخ فلسطين القديمة فإنه – أي علم الآثار – “لا يمكنه أن يوضح معجزة عقيدة اليهود أو المسيحيين، ولكن علم الآثار يمكنه أن يقدم مساعدة كبيرة في جعل المعجزة مفهومة عقليا للشخص النابه الذي لم تغش بصره النظرة المادية العالمية([18]) وهذا يعني توظيف علم الآثار في إطار ديني يبدأ بمسلمات على عكس المفترض في البحث الأكاديمي، وهذا ما نبه إليه ج. و. آلستروم G. W. Ahlström حين بين أن عملية إقحام النص الديني في علم الآثار تمت بشكل واسع؛ وأنه في أكثر الحالات كانت الروايات التوراتية تستخدم في تفسير الاكتشافات الأثرية وليس العكس.([19]) وهذا كله أدى لتباين واضح في مواقف الباحثين بين القبول التام بالروايات التاريخية التي يقصها العهد القديم، أو الرفض الكلي لها، أو الرفض الجزئي، كما أدى لطرح العديد من الأسئلة التي لم تكن تطرح من قبل حول إمكانية كتابة تاريخ إسرائيل القديمة.

ففي دراسة أعدها ل. جرابه بعنوان “هل يمكن كتابة تاريخ إسرائيل؟ Can A History of Israel be written?” أكد فيها على أن جانبا كبيرا من أوضاع المجتمعات القديمة، بما فيها كثير مما يرتبط بالدين لا يوجد دليل أثري عليه، وأكثرها يعتمد على معلومات مستمدة من العهد القديم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.([20])

كما تحدث روبرت ب. كارول R. P. Carroll عن أن التاريخ لا يقدم دليلا على ما رواه كتاب العهد القديم عن قصة بني إسرائيل؛ إذ يصمت دون أن يقدم شيئا، أما استخدام المصادر فوق النصية والمحتملة كعلم الآثار لإثبات صحة نص العهد القديم،([21]) أو افتراض صحته التاريخية ما لم يثبت غير ذلك، فإن هذا خداع ولا ينتج إلا تاريخا زائفا. ولذلك فإن كارول يرى أن ما يقدمه العهد القديم من تاريخ هو “نسيج من الخيال tissue of fiction”.([22]) بل إن دافيد سبيرلنج يقول صراحة “لا يوجد شيء تاريخي في التوراة“.([23]) كما أنه من الصعوبة بمكان تأكيد أي حدث في تاريخ بني إسرائيل القديم الممتد من سفر التكوين حتى سفري الملوك، بالإضافة لسفري أخبار الأيام من أي مصدر آخر غير العهد القديم.([24]) وقد أعلن فيليب ر. دافيز P. R. Davies أن أدب العهد القديم لم يأت من “إسرائيل” وليس نتاج حياة حقيقية، فهو في الأساس اختلاق كاتب جالس على كرسي الكتابة، فنحن أمام أدب أنتج هوية وهمية.([25])

من ذلك أيضا ما تحدث عنه ج. إ. بارنهارت J. E. Barnhart من اختلاق لأكثر الروايات الواردة في أسفار صموئيل والملوك التي تحكي عن شاؤل وداود وسليمان؛ حتى إنه يرى أن محرري هذه النصوص كانوا على وعي بما يختلقونه.([26])

كذلك تحدث تشارلز إيزبل C. Isbell عن قلة عدد باحثي العهد القديم الذين مازالوا يعتقدون في المصداقية الكاملة في العهد القديم كوثيقة تاريخية. وأن العبارة المتكررة “وبقية أعمال …. مدونة في سفر ….”، والتي كثيرا ما تتكرر في أسفار الملوك الأول والثاني وأخبار الأيام الأول والثاني، تبرهن على أن مدوني النص لم يكونوا يقصدون كتابة تاريخ؛ فقد أدركوا أنهم لم يسجلوا العديد من الحقائق التي يحتاج المؤرخون لمعرفتها، وسبب ذلك أن الأنبياء المحررين – حسب تعبيره – كانوا يقدمون تقييما أخلاقيا عن كل ملك وليس تاريخا لحياته وأعماله، مما يعني أن ما احتواه العهد القديم من تاريخ ليس مكتملا. طبقا لهذه الرؤية فإن هؤلاء المحررين وجدوا أن الحقائق التاريخية لا تتناسب مع رؤية الأنبياء عن طاعة الرب؛ ومن ثم رأوا استبعادها. ومن الممكن أن نفترض أيضا أن ما ضمنوه من معلومات ربما كان به كثير من الخلل.([27])

أما نيل لامكه N. P. Lamche، و ج. جاربيني G. Garbini وآخرون من أتباع المدرسة التعديلية revisionist (الذين يعيدون تفسير الأحداث التاريخية وفق العديد من المعطيات والمستجدات) فرأوا أن أغلب العهد القديم من إنتاج كهنة أورشليم الذين عاشوا في العصر اليوناني.([28]) وقد لاقت هذه الرؤية رفضا كبيرا في الأوساط العلمية وفي الدوريات المحكمة، وأصبح أتباع المدرسة التعديلية، وكذلك المبالغين في عدم تاريخية أحداث العهد القديم minimalist يتهمون بأنهم غير أمناء، وبأن عملهم يشوه التاريخ، وبأنهم معادون للسامية، وأنهم أصحاب توجهات ماركسية، وأتباع أحزاب يسارية، بل وصل الأمر إلى حد رفض نعتهم بأنهم يهود أو مسيحيون.([29]) ويشير هذا الأمر إلى مدى تأثير الانتماء الديني على البحث؛ فالوصول إلى نتيجة تخالف نص العهد القديم قد يعني بهذا الشكل الإبعاد من الدين كله.

ويرد إيزبل أسباب الجدال بين أصحاب الموقفين المتطرفين قبولا أو رفضا للروايات التاريخية في العهد القديم إلى التطرف في الإيمان بشيء بعينه؛ فإذا كان من الطبعي أن يؤمن الباحثون بشيء ما للبدء في عملهم؛ كالإيمان بنص العهد القديم، أو بجدوى منهج معين أو دليل، أو بتفسير نص ما، فإن المشكلة تبدأ حين يأخذ ذلك الإيمان منحى متطرفا فيُعمي عن أي دليل لمجرد أنه ضد ما يحاول الباحث إثباته.([30])

وقد يؤدي هذا الإيمان إلى مناداة بعض المتمسكين بصحة الروايات التاريخية للعهد القديم بضرورة التسليم بهذه الروايات إلى أن يثبت العكس،([31]) ويعتبر يان بروفان I. Provan أن مبدأ التحقق من الرواية مبدأ مبالغ فيه وغير عملي إذ أنه يعرض النص المقدس للخطر.([32])

بمنطق مشابه يتخوف و. ديفر W. G. Dever من ضياع الحقيقة نتيجة الشك المتزايد في روايات العهد القديم، ويتعجب ديفر من منطق المدرسة التعديلية أو هذا الجيل من العلماء الذين لا يثقون في روايات العهد القديم minimalist ويعتقدون بأن أغلب ما توصل إليه من أرخوا لتاريخ بني إسرائيل قائم على الأيديولوجية، ويتساءل ديفر ما “العالم الحقيقي” إن لم تكن هناك حقائق؟ وإذا كان كل شيء خاضعا للأيديولوجيات من وجهة نظر هؤلاء الباحثين، فما الذي يجعل أيديولوجيتهم أفضل من أيديولوجيات غيرهم؟.([33])

في نفس الإطار انتقد أ. ه. ميلارد A. H. Millard موقف الرافضين لروايات العهد القديم التاريخية بأن هؤلاء الباحثين رفضوا هذه الروايات لأنها كتبت لأغراض دينية بينما كان لديهم شغف كبير بقبول روايات الشرق الأدنى القديم على الرغم من أن العامل الديني كان بارزا فيها بوضوح أيضا.([34])

لكن المنطق الذي يتحدث به ديفر ينطوي على خطأ منهجي واضح من وجهة نظرنا؛ إذ أن الرغبة في الإيمان بشيء ما والتسليم بأنه حقيقة قد يدفع للقبول بروايات ضعيفة أو دون سند حقيقي، وهذا لن يوصل إلى “العالم الحقيقي” الذي تحدث عنه ديفر، وأفضل مثال على ذلك هو حالة التاريخ الإسرائيلي القديم. فالتسليم بمبدأ صحة الرواية إلى أن يثبت العكس، أو الإبقاء على الرواية التاريخية للعهد القديم والتسليم بصحتها خوفا من ضياع الحقيقة طبقا لقول ديفر يمثل خطورة حقيقية في مجال البحث في التاريخ الإسرائيلي القديم. وانتقاد هذه الرؤية ينبع في الأساس من أن علم الآثار أثبت عدم صحة العديد من الروايات التاريخية داخل العهد القديم؛ ومن ثم يكون التسليم بصحة غيرها من الروايات أمرا غير مقبول، خاصة إذا كانت كتابة تاريخ بني إسرائيل قد تمت وفق المنهج نفسه وبنفس الأسلوب والأدوات. وحسب وصف د. هنيج D. Henige فإن التسليم بالرواية إلى أن يثبت العكس هو طرح ساذج.([35])

نتيجة لهذا الجدال المحتدم أصبحت عملية كتابة تاريخ إسرائيل المستند إلى تراث العهد القديم أمرا محل شك، كما أن السؤال عن إمكانية كتابة مثل هذا التاريخ أصبح مجالا للتشويق بين الباحثين،([36]) في ظل آراء متباينة على هذا النحو تقودها أيديولوجيات أصحابها.

ينبغي أن نشير هنا أيضا إلى دور الصهيونية في بناء التاريخ الإسرائيلي القديم، وتشكيله وكيف أثرت في كتابة هذا التاريخ، وهذا حديثنا القادم..


[1] – T. L. Thompson: The Role of faith in Historical Research. SJOT. 19/1, 2005. pp. 111-134.

[2] – J. B. Kofoed: The Role of faith in Historical Research; A Rejoinder. SJOT. 21/2, 2007. pp. 275-298.

[3] – L. L. Grabbe: Hat die Bibel doch recht? A Review of T.L. Thompson’s The Bible in History. SJOT. 14/1, 2000. pp. 117-140.

[4] – T. L. Thompson: Lester Grabbe and Historiography; An Apologia. SJOT. 14/1, 2000. pp. 140-161.

[5] – W. G. Dever: Histories and Nonhistories of Ancient Israel. BASOR. No. 316. 1999. p. 92.

[6] – J. Barr: History and Ideology in the Old Testament. Oxford University Press, New York 2000. p. 72.

[7] – T. W. Davies: Shifting Sands, the Rise and Fall of Biblical Archaeology. Oxford University Press, New York 2004. p. 140.

[8] – يمكن الرجوع لجانب من هذا الجدال في:

– J. C. H. Laughlin: Archaeology and the Bible. Routledge, London 2000. pp. 10-12.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن مصطلح آثار العهد القديم استخدم عنوانا لعدد من الدراسات المشهورة سواء تلك التي تعود إلى منتصف القرن العشرين وقبله، أو ما كتب مؤخرا، من هذه الدراسات:

– G. E. right: biblical Archaeology. The Westminster Press, Philadelphia 1960.

– E. H. Cline: Biblical Archaeology, A Very Short Introduction. Oxford University Press, Oxford 2009.

ومن ذلك أيضا: تخصيص دوريات بنفس الاسم مثل “The Biblical Archaeologist” التي تصدرها “المدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية ASOR”

هذا فضلا عن توظيف المصطلح نفسه داخل الدراسات والمؤلفات المتعلقة بمجال البحث في آثار فلسطين القديمة.

[9] – T. W. Davies: p. 125.

[10] – أحمد محمود هويدي: معالم تاريخ الشعوب العربية القديمة. القاهرة ـ دار الثقافة العربية 2003. ص 26.

[11] – J. J. Collins: The Politics of Biblical Interpretation. In: Biblical and Near Eastern Essays. Ed. C. McCarthy & J. F. Healey. JSOTSup. 375. T & T Clark, London 2004. p. 200.

[12] – E. B. Smith: Bible, Archaeology, and the Social Sciences. In: The Hebrew Bible: new insights and scholarship. Ed. F. E. Greenspahn, New York University Press 2008. P. 25.

[13] – T. W. Davies: pp. 125, 126-127.

[14] – وايتلام: ص. 27.

انظر أيضا:

– T. W. Davies: p. 131.

[15] – Ibid: p. 124.

[16] – لا تنظر الديانة اليهودية بمصادرها المختلفة إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام على أنهم أنبياء، بل تعتبرهم فقط آباء لبني إسرائيل.

[17] – G. A. Rendsburg: Israel Without the Bible. In: The Hebrew Bible: new insights and scholarship. Ed. F. E. Greenspahn, New York University Press 2008. P. 3.

[18] – و. ف. أولبريت: آثار فلسطين. ترجمة: زكي اسكندر، محمد عبد القادر. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة 1971. ص. 249.

[19] – G. W. Ahlström: The Role of Archaeological and Literary Remains in Reconstructing Israel’s History. In: The Fabric of History, Text, Artifact and Israel’s Past. Ed. Diana V. Edelman. JSOTSup. 127, Sheffield 1991. P. 121.

[20] – L. L. Grabbe: Are Historians of Ancient Palestine Fellow Creatures or Different Animals?. In: Can a History of Israel be written?. Ed. L. L. Grabbe. JSOTSup. 245, Sheffield Academic Press. Sheffield 1997. pp. 24, 35.

[21] – يقصد بالمصادر فوق النصية تفسير النص سواء كان اكتشافا أثريا أو أي نص آخر؛ حيث يكون معنى النص احتماليا إلا أنه يتم ترجيح معنى بعينه يتوافق مع ما يريده الباحث، وهذا تم بصورة واسعة في التعامل مع آثار فلسطين نتيجة ميول وأهواء الباحثين التي كانت مرتبطة بالصهيونية، أو بالمؤسسات الدينية التي تمول أبحاثهم.

[22] – R. P. Carroll: Madonna of Silences: Clio and the Bible. In: Can a History of Israel be written?. Ed. L. L. Grabbe. JSOTSup. 245, Sheffield Academic Press. Sheffield 1997. pp. 93, 102.

[23] – C. Isbell: Minimalism; the Debate Continues, Part 2. Jewish Bible Quarterly. 32/4, 2004. p. 212.

[24] – P. R. Davies: Method and Madness: Some Remarks on Doing History with the Bible. JBL. Vol. 114, No. 4, 1995. p. 702.

[25] – P. R. Davies: In search of Ancient Israel. JSOTSup 148, 2nd ed. Sheffield 1995. P. 154.

[26] – J. E. Barnhart: Acknowledged Fabrication in 1 and 2 Samuel and 1 Kings 1-2. SJOT. 20/2, 2006. pp. 231-236.

[27] – Isbell: pp. 143-144.

[28] – P. N. Lemche: Ideology and the History of Ancient Israel. SJOT. 14/2, 2000. P. 165.

– G. Garbini: Myth and History in the Bible. JSOTSup. 362. Sheffield Academic Press. Sheffield 2003. P. 100.

[29] – P. N. Lemche: Ideology and the History of Ancient Israel. pp. 167 – 170.

[30] – Isbell: p. 144.

[31] – Rendsburg: pp. 6 – 7.

[32] – D. Henige: In Good Company; Problematic Sources and Biblical Historicity. JSOT. 30/1, 2005. pp. 29-30.

[33] – W. G. Dever: Did God Have a Wife? Archaeology and Folk Religion in Ancient Israel. W. B. Eerdmans publishing, Michigan 2005. p. 83.

[34] – Henige: p. 30.

[35] – Ibid: p. 31.

[36] – T. L. Thompson: An Introduction; Can a History of Ancient Jerusalem and Palestine be written?. In: Jerusalem in Ancient History and Tradition.  Ed. T. L. Thompson. JSOTSup. 381. T & T Clark International, London. 2003. p. 1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى