بحوث ودراسات

الشرعية الدولية ومعتقل جونتانامو – 3 من 10

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

مصادر القانون الدولي العام:

     مصادر القانون الدولي العام هي الوقائع les faites أو الطرق procedes lesالتي يعترف لها هذا القانون بقوة إنشاء وتعديل وإلغاء قواعده وينصرف هذا التعريف المصادر الرسمية أو القانونية les sources formelles ou jurdiques والتي تختلف عن المصادر الماديةles sources     materielle للقاعدة القانونية التي تنحصر في وسائل عديدة, مثل الضرورات المجردة, والعدالة, وغير ذلك من العوامل التي يمكن أن تلعب دورا ما في نشوء القاعدة القانونية علما بأن هذه العوامل لا تكفي بذاتها لنشوء القاعدة, لأن وجود القاعدة يتم بعد الشعور بهذه الضرورة الاجتماعية في صورة قاعدة قانونية, وذلك عن طريق أحد المصادر الرسمية المعترف بها في القانون الدولي. وسوف نلقي الضوء بإيجاز غير محل بكل مصدر من المصادر السابقة ذكرها:

أولا:المصادر الأصلية:تتمثل هذه المصادر في المعاهدات الدولية والعرف الدولي والمبادىء العامة للقانون.

1-   المعاهدات الدولية: عرفت الشعوب القديمة المعاهدات الدولية كوسيلة لتنظيم علاقاتها الدولية, في زمن السلم و الحرب, لكن العرف كان السائد.ولم يشهد المجتمع الدولي قانونا للمعاهدات إلا في عام 1980.وقد بدأت الجهود الدولية لوضع قانون المعاهدات منذ منتصف القرن العشرين, حيث قامت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة عام 1950 وانتهت عام1966بوضع قانون للمعاهدات, تم مناقشته في المؤتمر الدولي الذي دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في فيينا عامي 1968, 1969, حيث وافقت الدول المجتمعة على إصدار أول اتفاقية دولية لقانون المعاهدات هي (اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات فيما بين الدول ) والتي تم التوقيع عليها في 23مايو 1962م ودخلت حيز النفاذ في 27يناير 1980م.

    وواصلت اللجنة استكمال أحكام قانون المعاهدات, فتمكنت من إعداد مشروع معاهدة دولية في شأن خلافة الدول في المعاهدات ووافقت عليه الدول المجتمعة في مؤتمر فيينا في 22أغسطس1978م.وبناء على توصية واردة في القرار الذي أعتمده مؤتمر الأمم المتحدة لقانون المعاهدات بشأن المادة الأولى من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م, قررت اللجنة في عام 1970م, أن تدرج في برنامجها العام مسألة المعاهدات المبرمة بين دول ومنظمات دولية أو بين منظمتين أو أكثر, وعرض مشروع معاهدة حول هذا الموضوع, ووافقت عليه الدول المجتمعة في فيينا في 21مارس 1986, بذلك أخذت كثير من القواعد العرفية طريقها للتدوين وأصبحت المعاهدات تتقدم مصادر القانون الدولي بعد إزاحة العرف الدولي.(27)

2- العرف الدولي: يلعب العرف الدولي دورا هاما في كل فروع القانون, إلا أن دوره في القانون الدولي العام أكثر أهمية, فقد بدأت قواعد هذا القانون بداية عرفية, و دون ما دون منها, وبقيت قواعد عديدة غير مدونة ولكنها ثابتة في العرف, وتتكون القاعدة العرفية من إتباع تصرف معين خلال مدة طويلة بحيث يتولد الإحساس بأن انتهاج هذا التصرف قد أصبح أمرا ملزما قانونا, فالعرف الدولي يتكون من ركنين مادي هو تكرار تصرف معين ومعنوي اعتقاد الدول بصفتها الإلزامية.(28)

3-المبادىء العامة للقانون:ذهب غالبية الفقهاء إلى أن المقصود بالمبادىء العامة للقانون (مجموعة المبادىء الأساسية التي تعترف بها النظم القانونية الوطنية لمختلف الدول ) يمكن تطبيقها في مجال العلاقات الدولية بين الدول, ما لم تكن هناك قاعدة اتفاقية أو عرفية تحكم الموضوع, وتكون هذه المبادىء ملائمة للنظام الدولي, ومعترف بها من الدول داخل المجتمع الدولي و مسلم بها في الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم منها عدم التعسف في استعمال الحق و المسئولية عن المخاطر. (29)

أما المصادر الاحتياطية فقد أختلف الفقهاء فيها, ويمكن إجمالها في الفقة الدولي (أراء كبار فقهاء القانون الدولي ) وأحكام المحاكم الدولية, ومبادىء العدالة والإنصاف, وقرارات المنظمات الدولية, والتصرف بالإرادة المنفردة والاتفاقيات الدولية الشائعة وسوف نلقي الضوء كل على حدة:

1- الفقه الدولي أو أراء كبار فقهاء القانون الدولي: لعب الفقه في القانون الدولي دورا بارزا وكبيرا, بخلاف فروع القانون الأخرى, يعود ذلك إلى الطبيعة الخاصة بالنظام القانوني الدولي الذي تتولى فيه الأشخاص المخاطبة بأحكامه بالدور الرئيس في صنع وتطبق وتفسير قواعده, و تأثر القانون الدولي بكتابات وأراء كبار الفقهاء القدامى أمثال (جنتيلي) و(جروسيوس) و(فاتل) وغيرهم.

    ولكن بعد التطور الهائل في النظام الدولي في الأشخاص والآليات, انحصر دور الفقه, وظهرت أبحاث ودراسات صادرة عن جمعيات علمية مثل مجمع القانون الدولي وجمعيات القانون الدولي و لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة واللجنة القانونية الاستشارية الآسيوية, وأنشئت الدول جمعيات علمية للقانون الدولي منها الجمعية المصرية للقانون الدولي, رغم أهمية دور الفقه في القانون الدولي, إلا أنه لا ينشأ قاعدة قانونية دولية بل هو دليل على وجودها, فالقاضي الدولي يحتكم إلى أراء كبار الفقهاء في تحديد مضمون القاعدة القانونية الدولية وتفسيرها.(30)

2- أحكام المحاكم: تعد أحكام المحاكم الدولية سواء محكمة العدل الدولية التي أنشئت مع الأمم المتحدة أو المحكمة الدائمة للعدل الدولي المنشأة مع عصبة الأمم و الجهاز الوحيد الذي أستمر عقب انهيار العصبة مع تغيير الاسم فقط مصدرا من مصادر القانون الدولي العام, من خلال تبنيها للقواعد العرفية وتدوينها وإبرازها, وتكوين قواعد دولية جديدة, علما بأن اللجوء للقضاء الدولي اختياري للدول.(31)

3- مبادئ العدالة والإنصاف: بعض الفقهاء قصر هذا المصدر على قواعد العدالة فقط دون الإنصاف, وأعتبر فكرة العدالة من الأفكار الغامضة, إلا أن كثير من الفقهاء يربطها بالحكمة من التشريع أو بمبدأ حسن النية وعرفها بأنها ( مجموعة من المبادىء المتوازنة يوصي بها العقل وحكمة التشريع ), وهي فكرة مرنة تختلف باختلاف الزمان والمكان, ورغم ذلك لم يتفق فقهاء القانون الدولي على تعريف جامع مانع للعدالة ولا على تأثيرها في تسوية المنازعات الدولية, إلا أنه يمكن الاستعانة بها كوسيلة لتخفيف القانون الدولي أو لتكملة أو استبعاد تطبيقه حينما يكون في ذلك ظلم شديد الوطأة, ومصدر مكمل للقانون الدولي, في حالة نقص القانون أو سكوته عن تنظيم مسألة معينة.(32)

4- الاتفاقيات الدولية الشارعه: وهي التي تعقدها جماعة كبيرة من الدول تضع فيها بعض القواعد لتنظيم مسألة هامة تتعلق بالعلاقات الدولية فيما بينهم وتتضمن قواعد قانونية جديدة,و ذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار تلك المعاهدات مصدرا للقانون الدولي العام, شريطة ألا تكون الدول الكبرى قد استغلت هيمنتها وسيطرتها لتقنين وضع يحقق مصالحهم حينئذ لا تعتبر هذه المعاهدات من مصادر القانون الدولي العام. (33)

5- قرارات المنظمات الدولية: أختلف الفقهاء حول اعتبار قرارات المنظمات الدولية مصدرا من مصادر القانون الدولي, واستند جانب من الفقهاء على عدم اعتبار هذه القرارات مصدرا من مصادر القانون الدولي على أساس أن المادة (38)من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لم يرد فيه هذه القرارات, ولكن الجانب الآخر, اعتبر ذلك ليس صحيحا لأن نص المادة السالفة منقول حرفيا من النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي حيث لم تكن المنظمات الدولية قد تطورت وأصبحت من أشخاص القانون الدولي.(34)

    كما أن محكمة العدل الدولية, استندت في العديد من آرائها الاستشارية أو أحكامها القضائية لقرارات المنظمات الدولية باعتبارها مصدر للقانون الدولي, منها الرأي الاستشاري بشأن جنوب أفريقيا, وكذلك أحكام المحكمة الإدارية للأمم المتحدة, و المحكمة الإدارية لمنظمة العمل الدولية (35).

6- التصرف بالإرادة المنفردة: له عدة صور مثل الإعلان والاحتجاج والاعتراف والتنازل والتعهد, ويتميز هذا المصدر بأنه تعبير عن إرادة واحدة, وهذا ما يفرق بينه وبين غيره من التصرفات القانونية الثنائية أو متعددة الأطراف أو الجماعية.(36) وقد اختلف الفقه الدولي حول اعتبار التصرف بالإدارة المنفردة مصدرا من مصادر القانون الدولي, حيث وجد من ينكر كلية أي أثر قانوني للإرادة المنفردة إلا إذا قابلتها أرادات من أشخاص قانونية أخرى تطابقها, بحيث لا تكون الإرادة وحدها مصدرا للقانون بل تقابل الإرادات هو المنشىء للقاعدة القانونية, ويري جانب كبير من الفقه أن التصرف بالإرادة المنفردة يمكن أن يكون مصدر الالتزام على عاتق من صدر عنه أو محددا لموقفه بالنسبة لواقعة معينة في علاقته مع الآخرين, ويتميز هذا التصرف بعناصر ثلاثة تتمثل في أنه لا يتوقف على تصرفات قانونية أخرى وأنه مظهر لإرادة شخص دولي واحد, كما أنه لا ينتج التزامات على عاتق الغير.(37)

    وللتصرف بالإرادة المنفردة عدة صور منها:

– الإخطار Notification ويطلق عليه بعض الفقهاء الإبلاغ.(38) و عرفه البعض بأنه (تصرف ينطوي على إبلاغ شخص قانوني آخر بواقعة أو وضع أو عمل أو وثيقة) وقال آخر هو(تصرف دولي من جانب واحد قوامه الإرادة المنفردة لشخص بعينه من أشخاص القانون الدولي العام إلى إحاطة شخص دولي آخر – وبصورة رسمية – بوضع دولي معين مستهدفا بذلك-تحقيق آثار قانونية بعينها ) وعرفه أنزيلوتي (الإجراء الذي بواسطته تقوم أحدى الدول بأخطار دولة أو دول أخرى بواقعة معينه, يمكن أن عليها آثار قانونية ) والإعلان باعتباره عملا قانونيا دوليا لا يصدر ولا يوجه إلا من أشخاص القانون الدولي العام, وتلجأ إليه الدول في المسائل الهامة مثل الاعتراف, والإعلانات كإعلان الحرب, وإعلان تأميم قناة السويس.

– الاعتراف: recognition-la recomaissance. هو تصرف من جانب واحد ينطوي على إقرار من صدر عنه بوضع أو بواقعة معينة, ويكون هذا الإقرار صريحا وضمنيا يستفاد من تصرفات الشخص الدولي مع الأشخاص الدولية الأخرى, مثل الاعتراف بدولة جديدة, أو الاعتراف بحكومة, أو الاعتراف بالأمر الواقع.

 – الوعـد:promlse-le promesse   هو تصرف يصدر عن الإرادة المنفردة ينطوي على تعهد بالعمل وفق طريقة معينة تجاه شخص أو أكثر من أشخاص القانون الدولي, وينتج أثره القانوني دون توقف على رضا المستفيد منهم بشرط أن تتوافر فيه شروط صحة التصرفات الدولية, بأن يكون من صدر عنه أهلا لذلك ومتمتعا بالشخصية القانونية الدولية, وأن يكون محل الوعد مشروعا وممكنا ماديا, ويترتب على عدم تنفيذه المسئولية الدولية إذا ما تسبب بضرر لشخص من أشخاص القانون الدولي.

– التنازل: Renunciation, la renonciation يمكن تعريفه بأنه (التعبير عن الإرادة التي بمقتضاها يترك أحد أشخاص القانون الدولي العام حقا شخصيا دون حاجة إلى التعبير عن إرادة أخرى من جانب شخص آخر من أشخاص القانون الدولي العام )(39)وعرفه البعض بأنه (تصرف من جانب واحد يتجه المتصرف بمقتضاه إلى التخلي عن حق يملكه أو اختصاص يتمتع به أو ادعاء أو دفع كان له أن يتمسك به) وقال آخر بأنه (تصرف دولي من جانب واحد إلى اتجاه الإرادة المنفردة لأي شخص من أشخاص القانون الدولي العام إلى التخلي عن واحد أو أكثر مما له من حقوق أو اختصاصات أو دعاوى أو دفوع, ثابتة كانت أو مجرد أدعاء, سواء تم التعبير عن إرادة التخلي صراحة أو بأسلوب ضمني قاطع في دلالته عليها).(40)

    و ينتج آثاره القانونية متى توافرت فيه شروط صحة التصرفات الدولية, و أقرت محكمة العدل الدولية إمكانية التنازل الضمني في قضية مضيق كورفو بين ألبانيا وبريطانيا, وأكدت أن التنازل لا يمكن افتراضه, أنما يتعين إثباته بدليل قاطع, كما أن عدم ممارسة الحق مدة طويلة لا تعني التنازل عنه, ولا يقتصر التنازل على الحقوق الشخصية وحدها, فمن الجائز أن يكون محل التنازل حقا أو اختصاصا أو دعوى أو دفعا أو مجرد أدعاء, و التنازل نادر الحدوث في القانون الدولي لأنه من الصعب التضحية بالحقوق دون مقابل.

– الاحتجاج: la protestation-protest هو الوسيلة التي تلجأ الدول إليها ضد انتهاك حقوقها أو التدخل في مصالحها السياسية, ويلعب دورا هاما في تكوين العرف الدولي و يشترط فيه أن يكون صادرا من شخص من أشخاص القانون الدولي, ويقدم إلى الشخص المسئول عن العمل غير المشروع. (41)    والاحتجاج تصرف يصدر عن شخص دولي بإرادته المنفردة يعلن بمقتضاه صراحة رفضه لوضع أو مسلك معين أو تحفظ ذو طابع سياسي, وتكمن أهميته في أن عدم صدوره من جانب صاحب الحق فيه يفيد إقراره للوضع أو المسلك أو التحفظ المعنى, وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية في قضية المصايد بين بريطانيا والنرويج عام 1951م.(42)

    بعد استعراض المصادر الأصلية والاحتياطية للقانون الدولي والتي تعد مصادر للشرعية الدولية يتبين أن الشرعية الدولية لا تختلف عن القانون الدولي بفروعه المختلفة ومصادره المتعددة, بل هي ظل القانون الدولي على الواقع الدولي, فأن لم يمتد الظل إلى التصرف الدولي بات غير مشروع مهما كان مصدره دولة كبرى أو منظمة عالمية مثل الأمم المتحدة بأجهزتها الرئيسية أو وكالاتها المتخصصة.

    إن القانون الدولي لا يتغير, ولكن يمكن أن يضاف إليه و يتطور ايجابيا أما الأسس والمصادر التي قام عليها والمعايير التي جاءت نتيجة التجارب العديدة للبشرية على مر الدهور وكر العصور, فهي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل, وكانت نشأة المنظمات الدولية محاولة ناجحة من المجتمع الدولي لإيجاد قالب تنظيمي لتنفيذ القانون الدولي, وخاصة منظمة الأمم المتحدة التي تشمل في عضويتها كافة دول المجتمع الدولي وهذا القالب التنظيمي قابل للتغيير والتبديل ولكن في إطار الأسس التي قام عليها, أما أن يصبح هذا القالب أداة لتغيير تلك المصادر فأن ذلك يخالف مفهوم الشرعية الدولية (43) ويجعل المجتمع الدولي مختصرا في الأمم المتحدة والأمم المتحدة مختصرة في مجلس الأمن, والمجلس مختصر في دول الفيتو الخمس الكبار ودول الفيتو أصبحت مختصرة في الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تخفي ازدرائها بالمنظمة العالمية كلها.(44) وكل زعماء دول الفيتو الخمس لا يحترمون الأمم المتحدة فالرئيس الروسي الأسبق خرشوف كان يصوت على القرار بحذائه. وقال عنها الرئيس ديجول (الشيء التافه).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى