دين ودنيا

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في محبته – 13 من 27 – حب آل بيته ومعاداة من عاداه والصلاة عليه والعمل على خدمة دينه

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

ثالثا: حب آل بيته[1] عليهم رضوان الله تعالى:

ومن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم: حب آل بيته، حيث إن حبهم: دين وعقيدة وعبادة، ولا يمكن أن يكتمل حب المرء للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يكمن حب آل بيته في قلبه، ولذلك فقد جاءت الوصية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته ومن ذلك حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي[2]“.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُبْغِضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ رَجُلٌ إِلَّا أَدْخَلَهُ الله النار[3]“.

وما أعظم هذا الصنيع الذي كان يقوم به الفاروق عمر، والحيي الكريم عثمان بن عفان؛ ذكر صاحب (سير أعلام النبلاء): أن العباس كان إذا مرَّ بعمر أو بعثمان، وهما راكبان، نزلاَ حتى يُجاوِزهما إجلالاً لعمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم[4].

ولهذا عاقب عثمان رجلا استخف من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، روى ابن الأثير: استخف رجل بالعباس بن عبد المطلب فضربه عثمان فاستحسن منه ذلك، فقال: أيفخم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عمه وأرخص في الاستخفاف به! لقد خالف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من فعل ذلك ورضي به[5].

7- معادة من عاداه صلى الله عليه وسلم:

ومن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم: معاداة من عاداه؛ قال ابن رجب: فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه؛ أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله…[6].

إن بغض أعداء الله دين، وكره أعداء رسوله عبادة، أيما كان هذا المرء، وقد ضرب لنا الصحابة أروع الأمثلة في معاداة من عادوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لما بلغه مقالة أبيه: ]لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ َ[ المنافقون: 8. ويقصد أنه العزيز وأن الذليل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  جاء عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتُ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْك رَأسه، فو الله لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ، فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ رَجُلًا مُؤْمِنًا بِكَافِرِ، فَأَدْخُلَ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ نَتَرَفَّقُ بِهِ، وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا [7].

ولئن أقدم عبد الله بن أبي بن سلول على قتل أبيه فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم فإن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قتل أباه يوم بدر، والحق يقال: إن أبا عبيدة ما قتل أباه وإنما قتل الكفر في صورة أبيه. أورد أبو نعيم في الحلية: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لابنه أبي عبيدة يوم بدر فجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه: ]لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [ المجادلة: 22. [8]

لقد عادى كل واحد من هؤلاء أقرب الناس إليه، لكونه عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآذاه؛ وهذا هو دور المرء المسلم على مر الدهور.

8- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:

ومن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه ؛ بل الإكثار منها. إن البشر يلحظون جميعا: أن من أحب شيئا أكثر من ذكره، حتى يعرف به، ومن يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم فواجب عليه الإكثار من ذكره والصلاة عليه.

وقد جاء الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56). وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:” أَكثُروا الصَّلاة عليّ، فإنَّ الله كَّل بي ملكا عنْد قبري، فإذا صلَّى عليَّ رجلٌ من أمتي قال ذلك الملك: يا محمد! إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة[9]”.

كما جاء الحض عليها وعلى الإكثار منها، ومن ذلك ما رواه أبو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا[10]“، وفي رواية عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ[11]“.

 وفي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ”. قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: “مَا شِئْتَ”، قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ” قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: “إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ[12]”.

والمعنى: كما قال المنذري: أكثر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك[13].

وقد ذكر ابن القيم فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعدد وأطنب في كتابه ” جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام” وأذكر هنا مختصرا لها للفائدة:

  • امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، موافقته في الصلاة عليه.
  • موافقة ملائكته فيها.
  • حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
  • يرفع عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات، ويمحي عنه عشر سيئات.
  • يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه.
  • سبب لشفاعته إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفردها.
  • سبب لغفران الذنوب.
  • سبب لكفاية الله العبد ما اهمه
  • سبب لقرب العبد منه يوم القيامة.
  • تقوم مقام الصدقة لذي العسرة.
  • سبب لقضاء الحوائج.
  • سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه.
  • زكاة للمصلي وطهارة له.
  • سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته.
  • سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.
  • سبب لرد النبي الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.
  • سبب لتذكر العبد ما نسيه.
  • سبب لطيب المجلس وان لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.
  • أنها سبب لنفي الفقر.
  • تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره.
  • ترمي صاحبها على طريق الجنة.
  • سبب لوفور نور العبد على الصراط.
  • يخرج بها العبد عن الجفاء.
  • إنها سبب لابقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض.
  • سبب البركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه.
  • سبب لنيل رحمة الله له.
  • سبب لدوام محبته للرسول وزيادتها وتضاعفها.
  • سبب لهداية العبد وحياة قلبه.
  • سبب لعرض اسم المصلي عليه وذكره عنده.
  • سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه.
  • أنها أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا.
  • أنها متضمنة لذكر الله تعالى وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده.[14]

9- العمل لخدمة دينه:

         ومن مظاهر محبة صلى الله عليه وسلم: العمل لخدمة لدينه؛ فلا يعقل أن يؤمن المرء بقضية دون أن يعمل لها، إذ العمل برهان ودليل على كل دعوى، وكل دعوى لا عمل يصدقها بعيدة عن الحق. وقد قيل:

والدعاوى إن لم يقيموا عليها                     بيناتٍ فأصحابها بها أدعياء

روى ابن أبي شيبة في مصنفه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل حارث: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَ بْنَ مَالِكٍ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا , قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ؟» قَالَ: أَصْبَحْتُ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا وَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي ; وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي قَدْ أُبْرِزَ لِلْحِسَابِ , وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ , وَكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهْلِ النَّارِ, قَالَ: فَقَالَ لَهُ: «عَبْدٌ نُورُ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ , إِنْ عَرَفْتَ فَالْزَمْ [15].

وهذا يجعل كل مسلم حريصا على العمل لهذا الإسلام، حتى يأتي ببرهان يصدق به قوله.

وكل مطالب بالعمل لنصرة هذا الدين، كل حسب قدراته، وإمكانياته، ولا يعذر أحد أبدا، فالغني مطالب كما الفقير، والصحيح مطالب كما السقيم، والشاب مطالب كما العجوز، والرجل مطالب كما المرأة، كلٌّ بالذي يحسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً [16]”.


[1]  لا شك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من آل البيت، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] هذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح. تفسير ابن كثير (6/ 410).

[2]  رواه مسلم في فضائل الصحابة (2408).

[3]  رواه ابن حبان (6978) وقال الألباني في الصحيحة: صحيح لغيره (2488).

[4]  انظر: سير أعلام النبلاء/ الذهبي/ ط الرسالة ط 1985م (2/ 93).

[5]  الكامل في التاريخ/ ابن الأثير/ ط دار الكتاب العربي، بيروت/ ط أولى، 1997م (2/ 547).

[6]  جامع العلوم والحكم/ ابن رجب (2/ 396).

[7]  سيرة ابن هشام (2/ 293).

[8]  انظر: حلية الأولياء/ أبو نعيم / ج1 ص 101 .

[9]  رواه الديلمي في مسند الفردوس (1/ 93) وحسّنه الألباني في الصحيحة (1530).

[10]  رواه مسلم في الصلاة (408).

[11] رواه البخاري في الأدب المفرد (643) وصححه الألباني في الصحيحة (829).

[12]  رواه الترمذي في أبواب الزهد (2457) وحسنه الألباني في الصحيحة (954).

[13]  انظر: الترغيب والترهيب/ المنذري/ ج2/ 327 .

[14]  انظر: جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام/ ابن القيم/ ص445، وما بعدها باختصار.

[15]  مصنف ابن أبي شيبة (6/ 170).

[16]  رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3461).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى