مقالات

في وداع الراحلين : الأخ الدكتور الداعية محمد سعيد درويش رحمه الله تعالى.

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي
عرض مقالات الكاتب

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا :
إنا لله وإنا إليه راجعون . وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
الأخ الداعية العامل الدكتور محمد سعيد دروش / أبو عمار في ذمة الله ..
وتصبح الحياة بعد فقد مثل أبي عمار رحمه الله تعالى ، مخوفة أكثر ، موحشة أكثر ، كئيبة أكثر ..
رحم الله أخي أبا عمار ، كان القريب من الروح ، والقلب ، والعقل مع بعد الدار ، وشط المزار ..
حتى وهو على فراش الوداع ، أرسل له مطمئنا ، فيرد عليّ ، يحمد الله على ما هوفيه ، بصوت ينبئك عن حقيقة الحال ، ورحم الله الأخ أبا عمار ..
وعرفت وتعرفت في نصف قرن من الحياة الخاصة والعامة برجال ورجال ورجال ..وكان أبو عمار واحدا من مجموعة عندي عنوانها ” رجال من الطراز الأول ” خُلقا والتزاما وقوامة على حق، واستقامة عليه ، وأخوة ومودة وتقوى وإخلاصا.
ورجال الطراز الأول عندي لا يبلغون العشرة ، مع كثر ما علمت من الرجال الرجال ..واختار الأخ أبو عمار جوار الحبيب فكان كالعود الطيب يغمس في معدن الطيب .
مضت ساعات وقد بلغني النعي ، أستجمع نفسي لأكتب عن الأخ الراحل الحبيب ، ومع أن الأخ أبا عمار لم يكن يشغل حيزا في فضاء الناس ، ولكنه بالنسبة إلى رجل ضعيف مثلي كان حالي على ماقال الأول : بنيان قوم تهدم ، وما أكثر ، ما اتصلت به في ساعات الليل والنهار أستمد منه نورا لظلمتي ، وقوة لضعفي ..وحزما وعزما لترددي فأجد كل ذلك عنده ينفحه بكلمات من ضياء ..ورحم الله أخي أبا عمار ..
والأكثر منه ما كان يطرق عليّ هاتفه ، في أطراف الليل والنهار ، يقول لي : ذكرتك فأحببت أن أسلم عليك ، فينفث القوة في ضعفي ، والأمل في يأسي، ويزودني ويزيدني ، فأخرج بعد كلامه إنسانا آخر ، وإذا أنا ، وقد نيّفت على الستين ثم على السبعين ، بين يديه تلميذا صغيرا يحتاج إلى التشجيع وإلى الترغيب والتثبيت فيستشعر حاجتي وقد خفيت على الكثيرين فيمدني . وطالما اعتقدت أن أجمل بيت قالته العرب :
أرى حاجتي من حيث يخفى مكانها ..فكانت قذى في العين حتى تجلت
ورحم الله الأخ الحبيب محمد سعيد درويش ، رحم الله الأخ أبا عمار ..
وكان رجلا من ” الطراز الأول ” ولا يبلغ عديد الساعات التي عشتها قريبا منه ، المائة ساعة ، فقط . مائة ساعة توثقت فيه عرى عهدنا الأول يوم نودينا ” ألست بربكم ” فقلنا بلى ، إلى أن نلقى الله على الحب فيه إن شاء الله . وكثير من الرجال الذي أصنفهم رجال ” الطراز الأول ” لم أعايشهم في عالم الفيزياء طويلا ، ولكن كانت ألفتنا امتداد لتعارفنا الأول وتوطيدا لما نطمع فيه ، ونظل ندندن وصحبنا عليه .
منذ عشرين سنة تقريبا ، اتصل بي الأخ أبو عمار ، رحمه الله تعالى ، من دار إقامته في المدينة المنورة ، وقال لي بلهجته الديرية المحببة ” أخوي أريد أن تطلب مني حاجة فأقضيها لك ” قلت مبتهجا غير متردد : أريد أن تسلم باسمي على صاحب الحضرة الشريفة حيث أنت ، فقال يصل إن شاء الله . وكان في علمي من حال الأخ أبي عمار ، أنه ينتظر القائمين على المسجد النبوي حتى يفتح عند الفجر ، فيكون من أول الداخلين في الصيف والشتاء ..ثم مرت بضع سنين وعاد أبو عمار رحم الله الأخ أبا عمار يتصل ، ويقول: ذكرتك فأحببت أن أسلم عليك ، ثم يضيف : أخوي أريد أن تطلب مني حاجة فأقضيها لك . وعدت إلى حاجتي الأولى ، فقال تلك حاجة في ذمتي ما زلت أقضيها منذ أوصيتني بها أول مرة …وكم كان يمدني بالعزم والحزم أن أعلم أن سلاما يرفع باسمي إلى حضرة رسول الله ، صلى وسلم وبارك على رسول الله كل يوم ..ورحم الله أخي أباعمار ..
لن يقرع جرس الهاتف فتسمع صوتا عذبا حنونا يقول لك ، في وحشة هذا العالم : أحببت أن أسلم عليك . وأحببت أن أطمئن عليك ، فقد رحل اليوم الأخ الأستاذ المعلم ألحبيب الغالي أبو عمار ، ورحل قبله الأستاذ المعلم الأخ الحبيب الغالي الدكتور علي الهاشمي ، ورحل قبلهما الأستاذ المعلم الأخ الكبير الغالي عادل كنعان ،، ورحل قبلهم الأخ الأستاذ الأديب المعلم هاني الطايع رحمهم الله تعالى جميعا . ثم رحل ورحل اللهم احفظ لنا البقية ممن بقي وأمتع بهم وأجر الخير على أيديهم ..
اللهم اغفر لأخينا الراحل الحبيب أبي عمار وارحمه وأعل نزله . اللهم إنه قد وفد عليك فاجعل قراه منك الجنة . وتقبل منه واقبله . وزده إحسانا وعفوا وغفرانا. اللهم وأورثنا معه منابر المتحابين فيك ، المتصافين فيك ، المجتمعين على الدعوة لدينك ، ونصرة شريعتك . ربنا إنك تعلم أننا اجتمعنا عليك ، على غير نسب قريب ، ولا أموال نتعاطاها ، ولا دنيا نصيبها ، ولا مكاسب نتطلع إليها ؛ اللهم فاحشرنا على منابر النور التي وعدنا نبيّك،
ونعزي بالأخ أبي عمار أنفسنا ، اللهم فاجبر كسر قلوبنا ، وثبتنا على الطريق الذي مضى عليه أولنا ، اللهم واجعل عزاؤنا فيه مزيدا من الحب فيك ، والوفاء لك ،ومن الثبات على أمرك ودعوتك . اللهم آجرنا في مصيبتنا خيرا ، واخلفنا خيرا فيها ..
والعزاء موصول لأسرة الفقيد ولأخينا الحبيب ابن الراحل الحبيب عمار ولا نقول إلا ما يرضي ربنا : إنا لله وإنا إليه راجعون ..وحسبنا الله ونعم الوكيل .
لندن 21/ ربيع الثاني / 1442 – 7/ 11/ 2020
زهير سالم : مدير مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى