مقالات

أخرجوا هذا الأزعر من البيت الأبيض (تأملات في ظاهرة الترامبية المزيفة)

فهد السالم صقر

محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية
عرض مقالات الكاتب

جرت العادة منذ إستقلال أمريكا عن بريطانيا في العام 1776  وإعلان الجمهورية ، على أن يأتي الرئيس من خلفية سياسية مخضرمة ذو تاريخ مشرف في العمل العام ،  لديه سيرة ذاتية وخبرة ومؤهلات متميزة.  فالمنصب بلا شك ، كأي منصب رئيس دولة في العالم،  يتطلب الكثير من المهارات الشخصية والقيادية وقدرة على التحمل والجلد ، كما يتطلب الكثير من الكياسة والديبلوماسية والبرجماتية والإخلاص في العمل والذكاء  وقدرا لا بأس به من الكاريزماتية. الرؤساء الأمريكان الأوائل جورج واشنطن وجون آدمز وتوماس جيفرسون والكسندر هاميلتون و جيمز مونرو كانوا  جميعا من الآباء المؤسسين الذين  شاركوا في الثورة  ضد بريطانيا ومفاوضات الإستقلال ثم في صياغة الدستور ، وقد أختُبروا ودعكوا جيدا في العمل السياسي وتقلدوا مناصب حساسة قبل أن يصبحوا رؤساء.

فالرؤساء المتعاقبون بلا إستثناء حتى يومنا هذا  يأتون إما من خلفيات عسكرية كجنرالات في الجيش حققوا إنتصارات في المعارك أو من خلفيات سياسية كوزراء خارجية متميزين  أو نواب رئيس أو حكام ولايات أو أعضاء كونغرس لهم باع طويل في العمل العام. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ، أن الرئيس رونالد ريغان كان حاكما لولاية كاليفورنيا لفترتين قبل أن يترشح للرئاسة في العام 1980، وكان جورج دبليو بوش حاكما لولاية تكساس لفترتين أيضا قبل أن يصبح رئيسا ، أما والده جورش بوش الأب فقد كان طيارا في سلاح الجو ثم عضوا في الكونغرس ثم  مندوبا لبلاده في  الأمم المتحدة ثم  مديرا للسي آي إيه ثم نائبا للرئيس ريغان لمدة 8 سنوات قبل يصبح رئيسا في العام 1988 بينما كان خلفه بيل كلينتون حاكما لولاية أركانساس لفترتين …أما الرئيس المنتخب جو بايدن  فقد إنتخب ممثلا لولايته في الكونغرس منذ العام 1973 ثم عين نائبا للرئيس في عهد  أوباما لمدة ثمان سنوات قبل أن يترشح للرئاسة . وهكذا كل الرؤساء في تاريخ أمريكا، فإما يكون سابقا حاكما لولاية أو نائبا للرئيس أو وزيرا للخارجية أو عضوا في الكونغرس. جميعهم يأتون إلى المنصب بخبرات عريضة ومبهرة.  الإستثناء الوحيد كان الرئيس الحالي المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي جاء من خلفية تجارية بحتة، وإن كانت خلفية غير مشرفة البتة.

فهو تاجر عقارات ورجل أعمال معروف بعدم النزاهة ومطعون بأمانته في كثير من قضايا النصب والإحتيال وخيانة الأمانة التي نظرت بها المحاكم الأمريكية.  وهو صاحب الكازينوهات وأندية القمار والدعارة في أمريكا الذي قام بإعلان إفلاسه عدة مرات للإحتيال على خزينة الدولة ، مستغلا الثغرات القانونية والإجرائية في قانون الضرائب الأمريكي ، وكان يعتبر أن التلاعب والتهرب من الضربية من علامات الذكاء والفطنة عند المرء ، وقد عَبّر عن ذلك صراحة وبدون مواربة أثناء إحدى مناظراته ضد هيلاري كلينتون في إنتخابات 2016، مما حدا ببعض المعلقين السياسيين أن يعتبروا أن ما قاله  بهذا الشأن أغبى خطأ يرتكبه مرشح رئاسي في التاريخ.  كما ان تاريخه االشخصي حافل بالفضائح الجنسية وقضايا  وإتهامات من نساء بالتحرش والإعتداء عليهن .

وفوق هذا السجل المخزي ، جاء دونالد ترامب إلى الرئاسة دون أي خبرة سياسية على الإطلاق ، ودون أن يكون له أي مشاركة في العمل العام قبل ذلك التاريخ ، بإستثناء العمل الخيري ( Trump Foundation) الذي كان يستخدمه كواجهة للنصب والإحتيال ، وقد أدين في إحدى محاكم  نيويورك في العام 2019 وأجبرته المحكمة على إعادة دفع مبلغ 2 مليون دولار لثمان جمعيات خيرية لإسائته إستخدام الأموال لأغراض شخصية،  وأمرته بإغلاق المؤسسة الخيرية التي تحمل إسمه.  وقد كان ترشحه عام 2016 للرئاسة هو أول مرة في حياته يترشح لأي منصب عام على الإطلاق ، مستغلا شهرته في برنامج تلفزيون الواقع )  The Apprentice) وثروته وعقاراته التي ورثها عن أبوه رجل العقارات من بروكلين.

 لا عجب إذن أن الغالبية الساحقة من النخب السياسية الأمريكية سواءا ديمقراطية أو جمهورية ، لم تأخذه في البداية على محمل الجد ،  وإ عتبرت عملية ترشحه مجرد محاولة منه أخرى لكسب المزيد من الشهرة ولتعزيز ملفه الشخصي على الصعيد التجاري “كمرشح رئاسي سابق”. لم يخطر ببال دونالد ترامب أو أحد من مقربيه أبدا ،  حتى أكثر المتفائلين  بينهم بأنه سيفوز في الإنتخابات وسيصبح رئيسا. فقد كانت كافة إستطلاعات الرأي قبيل الإنتخابات في نوفمبر 2016 تشير إلى هزيمة ساحقة له أمام هيلاري كلينتون ، حتى أن جريدة النيويورك تايمز قدرت حظوظة بالفور ب 1%.  ولكن عكس كل التوقعات وإستطلاعات الرأي ، حدثث معجزة لم تكن بالحسبان وحصل ما لم يخطر على بال أحد ، و فاز دونالد ترامب بالرئاسة وأصبح الرئيس ال 45 للولايات المتحدة في غفلة من التاريخ.

تقول هيلاري كلينتون أن ترامب كان مصدوما وغير مصدق لما حدث عندما إتصلت به لتهنأه بالفوز في تلك الليلة  المشؤومة في الثامن من نوفمبر 2016 وتعترف بالهزيمة. ما الذي حدث إذن ؟

هناك الكثير من الأسباب التي سيقت لتفسير هذا النصر الإنتخابي الغريب العجيب ، والذي شكل ظاهرة غربية من نوعها في تاريخ الإنتخابات الأمريكية، وعلى مستوى الديمقراطيات في العالم .  منها على سبيل المثال ، الثقة الزائدة  عن اللزوم بالنصر في معسكر الديمقراطيين حيث أثبتت هذه الثقة أنها كانت قاتلة،  فقد إعتقد الديمقراطيون أن النصر لمرشحتهم هيلاري كلينتون كان مضمونا في الجيب، وأن عملية تنصيب هيلاري كلينتون كأول رئيسة في التاريخ باتت مسألة إجرائية بحتة ، لا يفصلهم عنها إلا الإنتخابات لكي تتوج هيلاري كأول إمرأة رئيس ، فتقاعس الكثير من الديمقراطيين عن الخروج للتصويت بالكثافة اللازمة، بينما حدث العكس تماما في معسكر الجمهوريين ، الذين أستشعروا الهزيمة لمرشحهم وأيقنوا أنه مُستضعَف ،  و بالتالي يحتاج  للدعم ، فخرجوا للتصويت له بكثافة مما قلب الموازين راسا على عقب. أيضا كان هناك إعلان  مكتب التحقيقات الفيدرالي ال FBI  قبل أيام من التصويت عن فتح تحقيق في إتهامات للمرشحة كلينتون في موضوع إستخدامها الخادم الإلكتروني الشخصي  (Private computer server) للقيام بأعمال حكومية تعتبر سرية وإحتمال تسرب معلومات حساسة تخص الأمن القومي من خلالها أثناء عملها كوزيرة للخارجية، الأمر الذي إستغله الجمهوريون ضدها ، و أثر ذلك سلبا على إستطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة من الحملة الإنتخابية.  علما بأن التحقيق تمخض عن لاشيء فيما بعد ، ولكن الضرر  السياسي كان قد حدث وإنتهى.  

بالإضافة لذلك ، فإن طبيعة علاقة الحب والكراهية التي ميزت عائلة كلينتون ( هيلاري والرئيس السابق بيل كلينتون) مع الناخبين الأمريكيين لعبت دورا مهما أيضا في هزيمة هيلاري وفوز ترامب. لقد كان هناك بُغض شديد للعائلة بين الجمهوريين-المحافظين  لأسباب يتعذر شرحها هنا ، للدرجة التي دفعت الكثيرين منهم للوقوف مع  “المرشح الآخر” بالرغم من مساوءه على الوقوف مع هيلاري كلينتون ، مما يضيف تفسيرا آخرا لسبب خروج الناخبين الجمهوريين بكثافة لترامب. هذا لا يعني أن  هيلاري كلينتون لم تحظى بشعبية بين الناخبين الأمريكان العاديين وبين انصار الحزب الديمقراطي، بل على العكس،  فقد فازت بالتصويت الشعبي وحصلت على ثلاثة ملايين صوت أكثر مما حصل عليه ترامب ،  ولكنها خسرت في المجمع الإنتخابي ( The Electoral College) . مما يعني أن إستطلاعات الرأي التي تنبأت بفوز هيلاري قبيل الإنتخابات لم تكن خاطئة تماما ،  ولكنها لم تستطيع  قياس نسبة تركيز هذه الأصوات ، أو التنبؤ بكيفية توزيع هذا الدعم بين الولايات ، وأثرها على المجمع الإنتخابي بدقة.

  بكل الأحوال ،  وبالرغم مما ذكر ، كانت النتائج في 2016 متقاربة ( A close election) ولكن تقديري لو أن المرشح الديمقراطي كان شخصا آخرا أقل إثارة للجدل غير هيلاري كلينتون لما فاز ترامب.  أقول  أن فوز ترامب الذي فاجأ العالم  كان إلى حد ما – جزئيا – تصويتا (ضد  هيلاري) أكثر منه تصويتا (لصالح ترامب) بعض الشيء.  وأيضا ربما (أقول ربما) ، أن الشعب الأمريكي  لم يكن جاهزا بعد لأن تحكمه إمرأة – كرئيس،  أو على الأقل  ليس هذه المرأة بالذات… ولكن قد أكون مخطئا في هذه النقطة.

 بالإضافة لكل ما ذكر ، كان هناك أسباب موضوعية أخرى كثيرة  لا تقل أهمية معقدة تتعلق بالعرقيات والأقليات والتوزيع الديمغرافي للولايات ، وخطوط التماس بين اليمين واليسار الأمريكي ، وعنصرية ترامب وعزفه على وتر الإسلاموفوبيا والخوف من المهاجرين . كل تلك العوامل إجتمعت وتكاتفت عشوائيا ، وبشكل غير متوقع لتنتج رئيسا مُعوقا وعنصريا وغير مؤهل البتة للمنصب ، إسمه دونالد ترامب. وهذ الأمر بحد ذاته هو إحدى مساوئ الديمقراطيات الغربية.

لم تكن قلة خبرة وسذاجة دونالد ترامب أكثر وضوحا منها على الساحة الدولية وعلى مسرح السياسة الخارجية ،  فالرجل كما يقولون في العامية ( ميح) .  يعني لا في العير ولا في النفير.   ليس فقط لا يفقه شيئا ،  بل  لا يريد أن يتعلم ،  ولا يريد أن يقرأ  ، أو أن يستمع للمستشارين والخبراء. فكثير من الرؤساء الذين سبقوه جاؤوا  إلى المنصب بخبرات خارجية قليلة ، ولكنهم أحاطوا أنفسهم برجال دهاة وخبراء سياسة خارجية وديبلوماسين ومستشارين ذووي باع طويل وفوضوا لهم بعض السلطات. و إستطاعوا أن يعوضوا هذا النقص بالخبرة وتمكنوا في فترات وجيزة أن يتمرسوا ويصبحوا أكفاء.  أما دونالد ترامب فقد كان يعتقد أنه يفهم في كل شيء ، وأنه فلتة زمانه ،  وأنه ليس بحاجة لمستشارين.  فقام بدلا من ذلك بالإستعانة بأصدقاءه وأقاربه متخذا الولاء الشخصي له مقياسا ، فعين إبنته إيفانكا وزوج إبنته جاريد كوشنر مستشارين مع أنهم لا خلفية سياسية لكلاهما على الإطلاق.  وغلب التخبط والفوضى والإستقالات المتتالية على عملية إختيار الوزراء والمساعدين في إدارته التي لم تخلو من الفضائح والتسريبات الضارة بالأمن القومي والتحقيقات وأضرت بصورة الرئيس وإدارته بشكل كبير وبسمعة أمريكا في العالم.

  كان الرجل يعمل وفق مبدأ فردي في الإدارة أو ما يسمى ال One man show وليس مهتما بسماع آراء مخالفة أو متناقضه معه، وأحاط نفسه بالمنافقين والمتزلفين الذين يقولون نعم سيدي للرئيس فقط،  مثل أي رئيس عالم ثالثي نمطي.  وأدار البيت الأبيض كرئيس عصابة  بعقلية تاجر غشاش كل همه التنفع الشخصي والإثراء وزيادة ثروته على حساب المنصب.

لقد منحت ظاهرة دونالد ترامب الباحثين في علوم الإجتماع والسياسة درسا كلاسيكيا عن كيفية نشأة الديكتاتوريات في العالم ، وكيف يفكر الطُغاة ، وكيف يتحول الرئيس – أي رئيس- في العالم  من إنسان عادي إلى صنم ثم إله معبود ، وكيف يتحول  إدمان السلطة إلى عبادة الشخصية وظاهرة االزعيم الخالد،  وهي مرض عضال يُصيب كل البشر على ما يبدو، بغض النظر عن الجنسية.   كنا نعتقد خاطئين أن الديمقراطيات الغربية ، و خصوصا الولايات المتحدة محصنة ضد هذا النمط من الحكم الإستبدادي وعبادة الفرد  . لسوء حظ دونالد ترامب ، ولحسن حظ العالم ، أنه ظهر في دولة عريقة في الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة كالولايات المتحدة فيها قوانين ودستور وضوابط وتوازنات داخل النظام السياسي تمنع ظاهرة الطاغية-الديكتاتور.  ولو أنه ظهر في دولة عالم ثاني أو عالم ثالث لأصبح بكل سهولة فلاديمير بوتين ثان أو ربما هتلر آخر.  

على الصعيد االدولي ، إعتقد دونالد ترامب بكل سذاجة أنه هو الذي إكتشف العجلة .  وظن أن طريقته الفظة بالتعامل مع الرؤساء والملوك في العالم من حلفاء وأصدقاء هي الطريقة المثلى التي لم يسبقه بها أحدا من العالمين. إهاناته المتكررة لملك السعودية (المصاب بالزهايمر) على سبيل المثال  ، جعلته يظن أنه هو الذي إكتشف سر العلاقة الحميمة بين آل سعود والولايات المتحدة الأمريكية.  تبجحه الفظ عن مكالمات هاتفية إبتزازية مع العاهل السعودي علنا أمام مناصريه في التجمعات الإنتخابية لم تكن فقط خطأ أخلاقيا وغير لائقة، بل كانت ضارة جدا بالأمن القومي الأمريكي، لأنها ببساطة فَضَحت علاقة تاريخية عمرها حوالي 90 عاما .  

 نشات هذه العلاقة في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت،  منذ أن وقعت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا والملك عبدالعزيز آل سعود إتفاقية التنقيب عن النفط في العام 1933  والتي بموجبها تخلى الملك عبدالعزيز آل سعود ( وخلفاءه وورثته من بعده) عن بعض الحقوق السيادية  لا مجال لذكرها بالتفصيل هنا ، ومنح حق التنقيب عن النفط للشركة الأمريكية– الذي لم يكن مكتشفا بعد- مقابل مبالغ ضخمة من المال و توفير الحماية والوصاية الأمريكية والإعتراف بالملك وورثته كحكام حصريين في الجزيرة العربية. وقعت هذه الإتفاقية أول مرة في العام 1933 وكانت صالحة لمدة 60 عاما ، وتمت بعلم وتدخل مباشر من الحكومة الأمريكية ممثلة بوزارة الخارجية.    

لا زالت هذه الإتفاقية سارية المفعول حتى يومنا هذا بشكل أو بآخر  وقد إستغلها كل الرؤساء الأمريكيين منذ الرئيس هاري ترومان لتعظيم المصالح الأمريكية ولكسب صفة الأفضلية مع الدولة السعودية في علاقاتها التجارية والإقتصادية الثنائية ومع العالم. بديهيا ، إن أي رئيس أمريكي قبل دونالد ترامب كان يملك الحق بموجب هذه المعاهدة  أن يرفع سماعة التلفون ليطلب ما يريد من الملك السعودي في الرياض فيُلَبيّ الأخير طلبه دون سؤال.  فالعلاقة بين الدولتين علاقة تابع ومتبوع  A client State منذ الثلاثينيات من القرن العشرين بموجب الإتفاقية آنفة الذكر،  ولكن دونالد ترامب فضحها على رؤوس الأشهاد و أساء إستخدامها بصورة فجة وغير لائقة وغير ديبلوماسية ، وتصرف بمنتهى الصفاقة،  وكأنه هو الذي إكتشفها.   علما بأن كل الإدارات الأمريكية السابقة  سواءا جمهورية أو ديمقراطية،  كانت تولي للعلاقة مع السعودية معاملة خاصة كدولة تخضع للنفوذ الأمريكي ، ومن خلالها  كانت الإدارات المتعاقبة تحصل على كل ما تطلب وتريد من سياسات وسلوك ومواقف دولية وإقليمية من المملكة العربية السعودية، مع بعض المراعاة للخصوصية الدينية التي ضرب بها ترامب عرض الحائط.

لم يكن دونالد ترامب يعلم أنه عندما تباهى وتبَجّح عن مكالماته مع الملك سلمان طالبا منه الدفع ( خاوة) لأنه بدون حماية أمريكا لا يستطيع ركوب طائرته ، كان يؤذي المصالح الأمريكية ويعرضها للخطر .   فلا يجب أن يظنن أحدا أن الحماية المقصودة هنا هي للدولة السعودية أو للمصالح  الوطنية العليا للدولة السعودية والشعب السعودي، لا أبدا .   بل هي بالتحديد ، حماية العائلة المالكة ( الملك)  ضد أي ثورة محتملة من قبل الشعب السعودي ، أو ضد أي إنقلاب ممكن أن يقوم بها الجيش السعودي ضد العائلة الحاكمة الفاسدة. هذه هي  طبيعة الحماية التي يتحدثون عنها ، ولا أعتقد أن دونالد ترامب لديه من الذكاء بحيث يعرف الفرق بين أن تحمي بلد أو تحمي فرد حاكم أو نظام، بدليل أنه تعامل مع كوريا الجنوبية واليابان بنفس الأسلوب الفظ.

 فمن ناحية ،  فضح دونالد ترامب حلفاء أمريكا ( إقرأ عملاءها)  من آل سعود،  ومن ناحية أخرى خانَ وغدَر بالملك سلمان، فالمجالس أمانات ، وليس من اللائق أبدا ، ولا يجوز عُرفا أن تشي بفحوى مكالمة جرت بينك وبين رئيس دولة أخرى إلا  بإذنه ، اللهم إلا إذا كان يعتبر أن ذلك الرئيس يعمل تحت إمرته كوظف صغير.

أكذوبة القاعدة الإنتخابية ( الخرافة)

في إنتخابات 3 نوفمبر 2020  الأخيرة حصل دونالد ترامب على حوالي 73 مليون صوت بينما حصل منافسه جو بايدن على 80 مليون صوت ، أي أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم بلغ ما يزيد عم 155 مليون ناخب ، و هو النسبة الأكبر للمشاركة في تاريخ أمريكا. يخطئ كل من يظن أن ال 73 مليون ناخب الذين صوتوا لدونالد ترامب يشكلون قاعدة إنتخابية صلبة خاصة بدونالد ترامب ( خَص نَص)… هذا ليس صحيحا على الإطلاق .  وهو خطأ شائع يروج له بخبث دونالد ترامب لخداع الناس وإستغلاله للإستفادة منه ماليا . هناك فرق شاسع بين التصويت لشخص ، و التصويت لحزب ، فالغالبية الساحقة من هؤلاء الناخبين صوتوا لمرشح حزبهم المفضل ، ألا وهو الحزب الجمهوري وليس لشخص بعينه، فمن ال 73 مليون الذين صوتوا لدونالد ترامب في هذه الإنتخابات هناك على الأقل 60-65 مليون منهم كانوا سيصوتوا لمرشح الحزب الجمهوري  بغض النظر عن  إسم االمرشح. ونفس الشيء ينطبق على مرشح الحزب الديمقراطي. هذه هي طبيعة النظام الحزبي والإنتخابي الأمريكي، فهو نظام حزبي ذو قطبين يتجاوز الشخوص ولا يأبه بعبادة الفرد. 

إن الناخبين الجمهوريين الذين صوتوا لجورج دبليو بوش في العام 2000 وفي 2004  وابوه في العام 1988 ورونالد ريغان في العام 1980 و 1984 وريتشارد نيكسون في العام 1968 و1972  وجون ماكين في العام 2008 وميت رومني  في العام 2012 هم أنفسهم الذين صوتوا لدونالد ترامب في 2016 و 2020  ، فلا يجب أن ينخدع أحد بخرافة مفادها أن ترامب يَحظى بدعم نصف الناخبين الأمريكان لأنه هو دونالد ترامب  المقطوع وصفه و (لسواد عيونه).  هذا الأمر غير صحيح البتة ، وغير دقيق في أحسن الأحوال ،  وهو بمثابة إهانة للشعب الأمريكي وللحزب الجمهوري بالذات . لأن الشعب الأمريكي أذكى وأرقى من هيك بكثير ،  ولا يمكن إختزال الحزب الجمهوري بشخص دونالد ترامب، فهو  قبل كل شيء رجل طارئ على السياسة وطارئ على الحزب، ( كما يقولون إبن إمبارح)  والحزب الجمهوري له تاريخ ممتد لمائتي عام وهو باق و دونالد ترامب ذاهب إلى حيث يستحق في مكان ما في التاريخ. فإذا كان ما يتشدق به ترامب وأنصاره صحيح فليتفضل دونالد ترامب وليترشح كمستقل في العام 2024 ولنرى كم صوت سيحصد.   أغلب الظن أنه لن يحصل على أكثر من خمسة أو ستة ملايين صوت في أحسن تقدير. 

إن حكاية ( سولافة)  القاعدة الإنتخابية التي يتبجح بها دونالد ترامب ويحاول بعقلية المحتال النصاب التي تسري في دماءه أن يُرَوِج لها و يُجَيّرها لصالحه و يستفيد منها ماليا (Monetize it ) هي كذبة كبيرة .  خرافة لا أساس لها من الصحة ، للاسف الشديد ، فإن الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية بلَعَت الطُعم وصَدّقت الكذبة. فالذين صوتوا لدونالد ترامب غالبيتهم الساحقة جمهوري الهوى ومحافظون بالفطرة وبالعادة، وقد صوتوا للحزب وليس لدونالد ترامب. ربما يكون هناك قاعدة شخصية لا تتجاوز بضعة ملايين ناخب من غُلاة العنصريين ودُعاة التفوق العرقي الأبيض ،  ولكنهم لا يشكلون قوة كبيرة لدرجة أن يعتمد عليهم في إنجاح مرشح مستقل خارج إطار الحزبين الرئيسيين.

فمن الواضح الآن ، أن رفض  دونالد ترامب غير المسبوق للإعتراف بنتيجة الإنتخابات وبالهزيمة ليست ناتجة عن قناعة أو إعتقاد صادق بأنه فعلا قد ربح الإنتخابات .   ولكنها محاولة منه لإبتزاز النظام السياسي والناخبين وترجمة  دعمهم إلى ثروة و أموال على شكل تبرعات مالية يأمل أن يسدد بها ديونه من ناحية، ومن ناحية أخرى يحاول بذلك الإنكار الإنتقام من الديمقراطيين الذين لم يعترفوا يوما بشرعيته كرئيس وحاولوا عزله، ويُنغص النصر على الرئيس القادم جو بايدن بالإنتقاص من شرعيته. إنه العار  الذي سيلاحقه مدى الحياة وسيسجل التاريخ أن رجل أعمال جشع إسمه دونالد ترامب حاول التنفع ماديا من الناخبين الذين صوتوا له بخداعهم والكذب عليهم ورفض نتيجة الإنتخابات على حساب مصلحة البلاد وقوض الديمقراطية وأحدث ضررا بالغا وشكك في نزاهة النظام السياسي لأغراض أنانية ونرجسية مقيتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى