مقالات

نظرية المؤامرة بين مشكك ومهول

علي الصالح الظفيري

ناشط سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

المؤامرةُ والجدلُ فيها ، والذي يصلُ أحياناً إلى أن يكون عقيماً بين من يشكك بوجودها بالمطلق ، وبين من يحاول أن يثبت بأن كل مانمرُ به هو بسببها .
وما أراه أننا نضيع في هذا الأمر بين الإفراط والتفريط .
فإن أردنا السير في طريق من يعتقد بأن المؤامرة تعيثُ بنا فسادً وظلماً ونهباً فسنجد أن مايطرحه فيه الكثير من الواقعية والمنطق الذي نلمسه بأيدينا ، فكم من الدلائل الثابته عن وجود مؤامرات واتفاقات بين أجهزة استخبارات عالمية ومنظمات سرية بات يُعرَفُ بعضها بالإسم والبعض مايزال مجهولاً ، وكل تلك المؤامرات تدور حول التحكم في مقدرات البشر و فرض ثقافات معينة على الإنسان ، والعمل على خلق نزاعات وحروب على أساس ديني أو عرقي أو طبقي يكون المستفيد الأكبر بها تلك المنظمات ومن يقف بِصفها ، ولعل مايدعمُ تلك النظرية من الجانب الديني أن العداوة والبغضاء التي تبناها إبليس لآدم عليه السلام وذريته ووعيده لهم بعد حصوله على الوعد من الله تعالى بأن يُنظَر إلى يوم القيامة بأنه سيحاربهم ويغويهم ليخرجهم عن جادة الصواب فنَقَلَ القرآنُ بأنه توعد بني آدم فقال :
﴿قَالَ فَبِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَ ٰ⁠طَكَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾ [الأعراف ١٦]وكما وضح لنا القرآن أن هناك رابط وصلة تصل إلى حد التحالف بين إبليس وذريته وبين من وصفهم القرآن بشياطين الأنس فقال : ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ یُوحِی بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ﴾ [الأنعام ١١٢]وكما يؤيده الكثير من التسريبات الصحفية أو الإستخباراتية ومذكرات بعض من كانوا في هرم السلطة والإستخبارات .
وأما الطرفُ الآخر والذي ينفي تلك النظرية بالمطلق ويعتبرها مجرد انهزام ثقافي وضعف مع فشل في النهوض ، يرافقه محاولة في تبرير التقصير الذاتي بنسبته إلى قوة خارجية ، وغالباً مايستشهدون بأمثلة كثيرة عن بعض الشعوب والأمم التي نهضت‌ وصارت في صدارة الأمم بعدما كانت ضعيفة ولا يؤبه لها ، فإن الأمم كأجساد البشر تكون بكامل صحتها وعافيتها منيعة ضد الجراثيم والأمراض أما عند إصابتها بجروح فسيكون من الطبيعي دخول الجراثيم التي تسبب لها الأمراض والوهن وهنا يحتاج الجسد إلى العلاج ثم الشفاء من الأمراض الذي سيقضي على الجراثيم في داخله ويكون حصيناً من العوارض الخارجية للمرض .
وبين الرأيين تدور رحى حرب فكرية ضروس وأرى أن الطرفين يبالغُ في تقييم الموضوع فإنكار المؤامرة نهائياً واعتبرارها ضرباً من الخيال خطأٌ فادح ، كم أن الركون والاستسلام بحجة أن هناك من يُسيطرون على البشر ولا طاقة لأحد بهم ، فهذا خطأ أيضاً .
فعلينا أن نقتنع بوجود أعداء للبشرية بشكل عام من الأنس والجن ، وأعداء للمسلمين لكونهم مسلمين ، وأنهم يملكون القوة والسيطرة لكن ليست مطلقة وليست مستمرة ، لذا من هنا نستطيع العمل على كشف مخططاتهم ما أمكن ، وتوحيد الجهود والعمل على التصدي لهم بعد التخطيط والاستعداد العلمي المُتقن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى