دين ودنيا

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في محبته – 11 من 27 – مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

المبحث الثاني

مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم

(كيفية الوصول إلى حب النبي)؟

ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها مظاهر عدة، ومن أهمها:

1- الإيمان به صلى الله عليه وسلم:

وأول هذه المظاهر: الإيمان به صلى الله عليه وسلم، إذ الإيمان به صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان، جاءت بذلك الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}(التغابن:8)، وتوعد سبحانه من لم يؤمن برسوله بالسعير فقال:{وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً}(الفتح:13).

وجميع الخلق مطالبون بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، لأن كل من على ظهر الأرض الآن داخلون في أمته صلى الله عليه وسلم، فمن آمن به فهم أمة إجابة، ومن لم يؤمن به فهم أمة دعوة، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:” وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [1]“. قال صاحب كتاب “طرح التثريب في شرح التقريب”: يتناول جميع أمة الدعوة من هو موجود في زمنه، ومن يتجدد وجوده بعده إلى يوم القيامة، فذكره اليهودي والنصراني بعد ذلك من ذكر الخاص بعد العام، وإنما ذكرهما تنبيها على من سواهما، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى[2].

2-  اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته:

ومن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم: إتباعه في كل ما أمر وأخبر، والقرآن الكريم أمر بهذا صراحة حين قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب:36).

والإيمان به صلى الله عليه وسلم يستوجب الإيمان بكل ما جاء به، وإلا استوجب المرء العذاب الأشد، قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}البقرة:85.

ولذلك لما اعترض المشركون على إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بإسرائه من البيت المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ وأخبروا أبا بكر بما قصه النبي عليهم، قال لهم الصديق: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعيشة، أفلا أصدقه في بيت المقدس[3]، فاستحق رضي الله عنه أن يلقب بالصديق.

كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأمر باتباع سنته؛ فقال: “فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي[4]”، وترجم ذلك الصديق ترجمة عملية حين جاءته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطالبه بميراثها، فقال لها: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ، إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ[5].

ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله: العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه. قالوا يا أبا علي: ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: ما كان لله والصواب: ما كان على السنة.

وإذا كان عشاق الدنيا يتابعون من يحبون، فكيف بحب النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وقد جاء عن مجنون ليلى قوله:

إذا قيل للمجنون ليلى تريـد

أم الدنيا وما في طواياهـا؟

لقال غبار من تراب نعالها

أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها

ورووا عنه أيضا:

أمر على الديار ديار ليلى

أُقَبل ذا الجدار وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا

فإذا كان هذا هو حال عاشق لامرأة؛ مهما علا كعبها: دينا وخلقا، وجمالا ومالا، وحسبا ونسبا؛ فكيف بمن أعطى للإنسان خير الدنيا والآخرة؟!

ويشير أبو الحسن الندوي إلى مدى حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اندفع إليه -أي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم-  الحب الصادق كما يندفع المال إلى الجدور، وانجذبت إليه النفوس والقلوب انجذاب الحديد إلى المغناطيس. كأنما كان من القلوب والأرواح على ميعاد. وأحبه رجال أمته وأطاعوه حباً وطاعة لم يسمع بمثلهما في تاريخ العشاق والمتيمين. ووقع من خوارق الحب والتفاني في سبيل طاعته وإيثاره على النفس والأهل والمال والولد ما لم يحدث قبله ولن يحدث بعده[6].

ولقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتابعونه في كل كبير وصغير، وتتسابق جوارحهم إلى طاعة ما أمر به، فعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعــــالهم، فلما انصرف قال:” لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ ” فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، قَالَ: “إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ، فَلْيَنْظُرْ فِيهَا، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا “[7].

ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم:” كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: “مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى[8]“.

وقد حذّر صلى الله عليه وسلم من مغبة الاكتفاء بالقرآن عن سنته، أو توهم طاعة القرآن دون طاعته فقال:” أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ [9]“.

وفي رواية:” لَا أُلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، وَنَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، وَمَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ [10]“. وهذا مصداق قوله تعالى: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}(الحشر:7).

         وخلاصة الأمر: أن مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ذنب عظيم، وإثم كبير، يستوجب العقاب الأليم من الله القائل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور:63). ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء !! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال: أبو بكر وعمر[11].

3- سرعة تطبيق أوامره:

ومن مظاهر حبه صلى الله عليه وسلم أيضا: تطبيق أوامره، والمسارعة إلى تنفيذ ما أمر به. إن من أعظم مظاهر الحب: أن يتجاوب العبد مع أوامر الله فلا يراه ربه حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره، وإنما ينزل على أمر الله دون تلكأ ولا تلعثم ولا تردد، روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) (التوبة:41)  قال: شبانا وكهولا ما سمع الله عذرا أحد، فخرج – أي أبو طلحة – إلى الشام فجاهد حتى مات رضي الله عنه.

 وروى حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس: أن أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة:41) فقال: أي بني جهزوني جهزوني، فقال بنوه: يرحمك الله لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك. قال: لا جهزوني. فغزا في البحر، فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه فيها ولم يتغير رضي الله عنه.

وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له: يا عم إن الله قد عذرك. فقال: يا ابن أخي قد أمرنا بالنفر خفافا وثقالا[12].

ومن أعجب ما روي في ذلك ما جاء في شأن تحريم الخمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ: الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: «أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» ، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا، فَهَرَقْتُهَا [13].

وذكر ابن كثير في تفسيره: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُدِيرُ الْكَأْسَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، وَأَبِي دُجَانة، حَتَّى مَالَتْ رُؤُوسُهُمْ مِنْ خَليط بُسْر وَتَمْرٍ. فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرّمت! قَالَ: فَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ وَلَا خَرَجَ مِنَّا خَارِجٌ، حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَابَ، وَكَسَرْنَا الْقِلَالَ، وَتَوَضَّأَ بَعْضُنَا وَاغْتَسَلَ بَعْضُنَا، وَأَصَبْنَا مِنْ طِيبِ أُمِّ سُلَيْمٍ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [14].

ومن سرعة الاستجابة ما كان من شأن نساء الصحابة في وجوب الحجاب؛ فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ قالت: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا [15].

 وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَذَكَرْنَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَفَضْلَهُنَّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ لَفَضْلًا وَإِنِّي -وَاللَّهِ -وَمَا رَأَيْتُ أفضلَ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ أَشَدَّ تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ. لَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، انْقَلَبَ إِلَيْهِنَّ رِجَالُهُنَّ يَتْلُونَ عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِيهَا، وَيَتْلُو الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ ذِي قَرَابَةٍ ، فَمَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا قَامَتْ إِلَى مِرْطها المُرَحَّل فَاعْتَجَرَتْ بِهِ، تَصْدِيقًا وَإِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ، فأصبحْنَ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ مُعْتَجَرَاتٍ، كأن على رؤوسهن الغربان. [16]

ولما كان الصحابة في خيبر وكانوا قد طهوا لحوم الحمر نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها فاسجابوا للأمر، يقول أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَبَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ، وَالخَمِيسُ مُحَمَّدٌ، وَالخَمِيسُ، فَلَجَئُوا إِلَى الحِصْنِ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ» ، وَأَصَبْنَا حُمُرًا، فَطَبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، فَأُكْفِئَتْ القُدُورُ بِمَا فِيهَا [17].

فانظر إلى سرعة التطبيق والتنفيذ؛ جعلنا الله مثلهم.


[1]  رواه مسلم في الإيمان (153).

[2]  طرح التثريب في شرح التقريب/ أبو الفضل زين الدين العراقي/ ط دار إحياء التراث العربي (7/ 160).

[3] السيرة النبوية لابن كثير (ج 2 / ص 96).

[4] رواه أحمد في المسند (17144) عن العرباض بن سارية، وقال محققو المسند: حديث صحيح.

[5] رواه البخاري في الخمس (6730) ومسلم في الجهاد والسير (1759).

[6]  ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين/ أبو الحسن الندوي/ ط مكتبة الإيمان، المنصورة – مصر/  / ص97.

[7]  رواه أحمد (11877) وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال مسلم، غير يزيد بن هارون فمن رجال الشيخين.

[8]  رواه البخاري في الإعتصام بالكتاب والسنة (7280) عن أبي هريرة.

[9] رواه أحمد في المسند (17174) عن المقدام بن معد يكرب، وقال محققو المسند: إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير عبد الرحمن بن أبي عروف الجرشي؛ فمن رجال أبي داود والنسائي، وهو ثقة.

[10]  رواه أحمد في المسند (23875) عن أبي رافع، وقال محققو المسند: إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين.

[11]  انظر: تفسير ابن كثير (2/ 348).

[12]  راجع تفسير القرطبي في تفسير قوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}ج 8 / ص 151  .

[13]  رواه مسلم في الأشربة (1980).

[14]  انظر: تفسير القرآن العظيم / ابن كثير / ج2 / ص 95 .

[15]   رواه البخاري في تفسير القرآن (4759).

[16]   انظر: تفسير القرآن العظيم / ابن كثير / ج3 / ص 285.

[17]  رواه البخاري  في المغازي (4199) ومسلم في الصيد والذبائح (1940).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى