بحوث ودراسات

الحماية القانونية للأوقاف الإسلامية بالقدس في القانون الدولي – 3 من 5

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

المطلب الثاني

الوضع القانوني لمدينة القدس في القانون الدولي

     القدس المدينة المباركة محط أنظار وأهتمام الإسلام وما سبقوه من رسالات سماوية اليهودية والنصرانية، الكل يتمسك بحقه في أمتلاكها والسيطرة عليها، لأنها أرض الأنبياء، العرب سكنوا وأقاموا فيها منذ نشأتها حتي تم احتلالها من قبل الغرب النصراني، والمسلمون يتمسكون بها لأنها مسري رسول الله صلي الله عليه وسلم وبها أولي القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصي المبارك وقبة الصخرة، ولأنهم يؤمنون بكافة أنبياء الله ورسله، دون التفرقة بين أحد منهم، لذلك يجب بيان الوضع القانوني للقدس في القانون الدولي العام وقانون المنظمات الدولية وأهمها الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الإقليمية منها جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي.

     نستعرض في هذا المبحث الأسس القانونية لبيان وضع القدس الحالي في القانون الدولي، والحديث هنا عن القدس الموحدة الكاملة وليست المقسمة من قبل قوات الاحتلال، وذلك لعدم شرعية وقانونية هذا التقسيم، بداية فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر بما فيها القدس أرض عربية بشهادة التاريخ والواقع، والقانون الدولي، وكانت ولاية من ضمن ولايات الخلافة العثمانية، وفي التاسع من ديسمبر عام 1917م تمكن البريطانيون من دخول القدس واحتلالها، ووضعوا نهاية للسيادة العربية والإسلامية التي أمتدت لثلاثة عشر قرنا من الزمان، ومكث البريطانيون فيها وبقيت فلسطين التاريخية بما فيها القدس الشريف حتي عام 1948م، تحت الاحتلال البريطاني، بزعم الانتداب عليها من قبل عهد عصبة الأمم، ثم الوصاية من الفئة (أ) طبقا لميثاق الأمم المتحدة.        

     وبالتآمر والتواطئ بين بريطانيا الدولة المنتدبة علي فلسطين والعصابات الصهيونية، أصدر وزير الخارجية البريطانية (بلفور) وعدا بإنشاء وطن قومي ليهود في فلسطين، وهذا الوعد منعدم قانونا لأن بريطانيا كانت دولة احتلال في فلسطين، كما أن هذا الوعد يخالف عهد عصبة الأمم التي نظمت الأنتداب في المادة (22) منه، التي نصت في بنودها التسعة علي استراتيجية يجب اتباعها من قبل دول الانتداب مفادها حماية حقوق الدول الواقعة تحت الانتداب ومساعدة شعوبها علي التقدم والرقي، ونصت علي أن هذه الدول أمانة في اعناق الدول صاحبة الانتداب، ولم تنص المادة (22) من عهد العصبة بفقراتها التسعة علي حق دولة الانتداب في التصرف في أقاليم الدول الخاضعة للانتداب، ولقد وضت فلسطين تحت الأنتداب البريطاني في 25/مارس/ 1920م بقرار المجلس الأعلي للحلفاء في سان ريمو، وفي العاشر من أغسطس من نفس العام، استطاعت دول الحلفاء تضمين معاهدة سيفر المادة (95) التي نصت علي موافقة الأطراف المتعاقدة علي أن يعهد بإدارة فلسطين إلي دولة منتدبة شريطة تنفيذ وعد بلفور، ولكن تركيا رفضت التوقيع علي المعاهدة فبقيت غير ملزمة، وفي 24/يوليو عام 1922م أقر مجلس عصبة الأمم صك الأنتداب البريطاني علي فلسطين، وتتمثل أهم أحكامه في الآتي([1]):

1 – تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن وضع البلاد في الأحوال السياسية والإدارية والاقتصادية بشرط أن تضمن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وألا يخل ذلك أو ينل من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية في فلسطين، وقد ورد ذلك في ديباجة القرار، وهذا يعد مخالفة صريحة لنص المادة (22) سالفة الذكر، كما أنه يمثل اعتداء علي السيادة وحق تقرير المصير.

2 – تسعي الدولة المنتدبة إلي ترقية مؤسسات الحكم الذاتي في فلسطين وتشجع الاستقلاب المحلي علي ما تسمح به الظروف.

3 – الأعتراف بالوكالة اليهودية كهيئة عمومية، لإسداء المشورة إلي سلطة الأنتداب فيما يتعلق بإدارة فلسطين والتعاون معها في الشئون الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأمور التي تؤثر في إنشاء الوطن القومي لليهود ومصالح السكان اليهود في فلسطين، هذا البند يمثل قلبا للحقائق والألترامات الدولية، ومخالفا لأبسط المبادئ القانونية المعروفة، لأنه يؤكد علي أن هدف الانتداب ليس مصلحة الشعب الفلسطيني بل تمكين العصابات الصهيونية من احتلال فلسطين، ولماذا لم يطلب ذلك للشعب الفلسطيني صاحب الأرض.

4 – إلتزام سلطة الأنتداب بتسهيل هجرة اليهود إلي فلسطين، والتعاون مع الوكالة اليهودية من أجل حشد اليهود في الأراضي الأميرية والأراضي الموات بشرط عدم الإضرار بحقوق ووضع فئات الأهالي الأخري، هذا البند أكبر أعتداء علي الحقوق الفلسطينية، حتي هذا البند لم ينص صراحة علي الشعب الفلسطيني بل ذكر (فئات الأهالي الأخري) دون الإشارة إلي الفلسطينين.

5- إصدار قانون للجنسية يكون من شأنه تسهيل اكتساب الجنسية الفلسطينية، من قبل اليهود الذين يتخذون من فلسطين مقرا دائما لهم، هذا الشرط يؤكد علي عدم شرعية الكيان الصهيوني في فلسطين، لأنه لم يدل علي قيام دولة غير الدولية الفلسطينية في أرض فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر بما فيها القدس الشريف.

6 – السماح لسلطة الأنتداب بالاتفاق مع الوكالة اليهودية، لكي تقوم هذه الأخيرة بإنشاء أو تسيير الأشغال والمصالح والمنافع العمومية وترقية مرافق البلاد الطبيعية بشروط عادلة ومنصفة([2]) هذا تنازل عن أهم التزامات الدولة المنتدبة لصالح عصابات صهيونية محتلة.     

      وقد ظهرت في الفكر القانوني والسياسي عبارة عن وعد بلفور هي اصدق تعبير عن عدم مشروعيته ( أعطي من لا يملك لمن لا يستحق)، وقد أعترف عهد العصبة بأن الجماعات التي كانت تابعة للأمبراطورية العثمانية قد صارت أمما مستقلة، وحصر مهمة دول الأنتداب في مجرد ترقية شعوب الأقاليم الخاضعة للأنتداب دون الأعتراف لها بالسيادة، يدل ويؤكد علي أن بريطانيا دولة الأنتداب ليس لها التنازل أو التصرف بأي تصرف قانوني سواء التنازل أو الرهن أو البيع لأي جزء من فلسطين، وأن السيادة علي فلسطلين التاريخية من النهر إلي البحر بما فيها القدس الشريف لسكانها العرب الذين كانوا يقطنون فلسطين عند إبرام عهد عصبة الأمم عام 1919م. 

     وخلال الفترة التي احتلت بريطانيا فيها فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر وهي من عام 1917م حتي عام 1948م، حدث تآمر واضح وجلي يخالف عهد العصبة وخاصة المادة (22) منه، كما أنه يخالف ميثاق الأمم المتحدة خاصة أحكام الوصاية الدولية، الواردة في الفصول الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بالميثاق، حيث كانت فلسطين بما فيها القدس الشريف تخضع للوصاية فئة (أ) مثل سورية، مما يجعل الوجود الصهيوني في فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر مخالف للقانون الدولي.

     أن السيادة على الأقاليم الخاضعة لنظام الانتداب أو نظام الوصاية تبقى لشعوب هذه الأقاليم ولا تنتقل إلى الدولة التي تتولى الإدارة والتي يقتصر دورها على إدارة الأقاليم وفقاً لشروط الوصاية ، وبدرجة تختلف باختلاف تقدم سكان كل إقليم ، ولا يمكننا أن نعتبر الإقليم المشمول بنظام الوصاية قد فقد سيادته بحيث أصبح يخضع لسيادة الأمم المتحدة فالمنظمات الدولية لا تتمتع بسيادة إقليمية وكل ما تمارسه إزاء الأقاليم الخاضعة للوصاية هو نوع من الإشراف على مصالح شعوب هذه الأقاليم بغية تقدمها وتطورها وصولاً إلى استقلالها التام وهذه الشعوب إذن هي صاحبة السيادة القانونية على هذه الأقاليم([3]) وأن السيادة في الأقاليم الخاضعة لنظام الانتداب أو المشمولة بنظام الوصاية ثابتة لشعوب هذه الأقاليم ولا تنتقل للدولة صاحبة الانتداب أو التي تباشر الوصاية وأن الأمم المتحدة لا تمتلك صلاحية تقسيم فلسطين([4]) وهذه السيادة هي لشعوب الأقاليم الخاضعة لنظام الوصاية وليست للدولة التي تباشر الوصاية أو للأمم المتحدة ولكن هذه السيادة تظل موقوفة لحين استقلال هذه الأقاليم([5]).

     أما بالنسبة للأقاليم التي كانت خاضعة لنظام الانتداب فإن الإقليم الخاضع للانتداب يحتفظ بكيانه المنفصل ولا يعد جزءاً من إقليم الدولة المنتدبة فلا يخضع لسيادتها ولا يتجنس سكانه بجنسية تلك الدول ويقتصر دور الدولة المنتدبة على الإشراف على إدارة الإقليم أو إدارته فعلاً تحت الإشراف الدولي لعصبة الأمم، وقد نصت المادة 13 من صك الانتداب على ما يلي :

 (تأخذ الدولة المنتدبة على عاتقها مع ضمان جميع مقتضيات الأمن والنظام كل مسؤولية بشأن الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية في فلسطين وصيانة جميع الحقوق المرعية وتأمين حرية السلوك إلى الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية وحرية العبادة ولا تكون مسؤولة عن جميع الحقوق المتعلقة الاتجاه بها جمعية الأمم على أنه ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة المنتدبة من أن تتفق مع الحكومة على ما تراه ضرورياً لأجل تنفيذ أحكام هذه المادة على أن تفسر أحكام صك الانتداب هذا بأنها تخول الدولة المنتدبة حق التعرض لجوهر أو إدارة المقامات الإسلامية البحتة المقدسة المصونة امتيازاتها) وقد نصت المادة 14 من صك الانتداب على ما يلي : ( تعين الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدرس وتعريف وتحديد جميع الحقوق والادعاءات المختصة بالأماكن المقدسة والعائدة لمختلف الطوائف الدينية في فلسطين وتعرض شكل تعيين أعضاء اللجنة وتأليفها ومهامها على عصبة الأمم للموافقة عليها ولا تعين اللجنة ولا تقوم بمهامها بغير موافقة المجلس).

    الانتداب البريطاني بالنسبة للسيادة الإقليمية هو توزيع ممارسة هذه السيادة بين الدولة المنتدبة وعصبة الأمم والإقليم توزيعاً تختلف نسبته وفقاً لنوع الانتداب ويبقى الإقليم محتفظاً بكيانه القانوني الخاص فلا يتبع الدولة المنتدبة كمستعمرة أو ولاية ولا يعتبر أهله من رعاياها ولهذه الدول فقط حق الإدارة الذي يتسع مداه كلما تأخرت درجة مدنية سكان الإقليم فهي تشير وترشد في الانتداب ( أ ) وتتولى الإدارة في الانتداب ( ب ) وتدير الإقليم كجزء من أرضها في الانتداب ( ج ) وذلك تحت إشراف ورقابة الأمم المتحدة([6]).

     أما بالنسبة لأثر الوصاية على السيادة الإقليمية، فلا بد من الرجوع إلى اتفاق الوصاية الذي تم بموجبه تطبيق نظام الوصاية على الإقليم الخاضع لهذا النظام وذلك لمعرفة مدى ما يحتفظ به هذا الإقليم المشمول بالوصاية من أعمال السيادة والمعروف أن هذا المدى يختلف من إقليم إلى لآخر باختلاف تقدم الإقليم وموقعه الاستراتيجي، ومهما كانت الشروط التي ينص عليها الاتفاق فهي لا تعطي للدولة صاحبة الوصاية الحق في السيادة على الإقليم، ويقتصر دورها على الإدارة لتحقيق أهداف الوصاية مع احتفاظ الإقليم بكيانه القانوني واحتفاظ السكان بجنسيتهم([7]).

     توزيع ممارسة السيادة بين الدولة المنتدبة وعصبة الأمم والإقليم، إنما يقصد السيادة الفعلية وليس السيادة القانونية والذي أراه أن التكييف القانوني للسيادة في الأقاليم التابعة والمحمية والواقعة تحت الإشراف الدولي كالانتداب والوصاية والتي يطلق عليها الدول ناقصة السيادة هو أن السيادة القانونية في هذه الأقاليم ثابتة لشعوبها ولكن ممارسة هذه السيادة تقوم بها الدولة المنتدبة أو الدولة التي تباشر الإدارة الفعلية في الإقليم فالتمييز بين السيادة القانونية والسيادة الفعلية هو المعيار الذي يوضح ما إذا كانت السيادة تامة أو ناقصة فالسيادة التامة هي التي تجمع بين قانونية هذه السيادة وممارستها فعلاً([8]) .

     وبناءً على ذلك فإن السيادة على فلسطين في عهد الانتداب والوصاية لم تنتقل إلى الدولة المنتدبة ولا إلى عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة من بعدها تظل للشعب الفلسطيني، بالرغم مما حدث بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وصدور توصية التقسيم ونشوب حرب 1948 وظهور إسرائيل على المسرح الدولي واستيلائها على أراض تزيد عما قررت لها توصية التقسيم ثم غزوها للأراضي العربية عام 1967 واحتلالها لكامل التراب الفلسطيني بالإضافة إلى أراض في دول عربية أخرى، على الرغم من ذلك فإن السيادة لم تنتقل من الشعب الفلسطيني إلى إسرائيل لأنه لا يترتب على الاحتلال نقل السيادة، وقد تأكد ذلك في قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة والتي اعتبرت إجراءات ضم مدينة القدس لإسرائيل باطلة، وأن ما تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة وفقاً لقانون الاحتلال الحربي لا يتجاوز الإدارة والسلطة الفعلية وليس السيادة.

     ويؤكد عدم شرعية الكيان غير الشرعي في فلسطين المحتلة بما فيها القدس، مخالفته لمبدأ حق تقرير المصير الوارد في المادتين الأولي الفقرة الثانية والمادة الخامسة والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ تحريم الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة، وهما من المبادئ العامة والقواعد الآمرة في القانون الدولي، وقد اعتبرت الأمم المتحدة الاحتلال في حد ذاته جريمة دولية، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1514 لعام 1960م الذي حرم احتلال أراضي الغير بالقوة وضرورة انهاء الاحتلال في المجتمع الدولي، مما يؤكد علي أن القدس الموحدة سواء الشرقية أو الغربية أرض محتلة، وقد طبقت عليها الأمم المتحدة وخاصة محكمة العدل الدولية اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م وخاصة الاتفاقية الرابعة والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م باعتبار القدس محتلة.

     ولم يعترف القانون الدولي استعمال القوة لإغراض توسعية أو كأداة لتحقيق السيادة القومية من جانب الدول أو وسيلة لاكتساب الأقاليم، ومن الوثائق الدولية التي تؤكد ذلك مشروع رقم «30» الخاص بتقنين القانون الدولي الذي اقترحه مؤتمر الدول الأمريكية عام «1925» والذي أكد بطلان «كل ضم أو اكتساب الأقاليم عن طريق الحرب أو التهديد بها، أو في إثناء وجود قوة مسلحة أو كان نتيجة لوضع اليد الذي تم بالقوة « وترفض نصوص عهد عصبة الأمم وميثاق باريس عام 1928 الحرب كوسيلة لتحقيق السياسة الوطنية، وبناء عليه أصدرت جمعية عصبة الأمم في 11اذار / مارس 1932, بخصوص منشوريا قراراً يقضي بأن «كل معاهدة أو اتفاق يخالف عهد عصبة الأمم أو ميثاق باريس يكون باطلاً ([9]).

     من مبادئ القانون الدولي مبدأ ستمسون (1932) الذي يقضي بعدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية الجديدة إذا كان في إنشائها مخالفة للالتزامات الدولية العامة أو الخاصة، ويقوم المبدأ على أساس عدم الاعتراف بالتغيرات الإقليمية التي تنشأ بالقوة وعدم الاعتراف بأي كسب يتم عن طريق القوة وأيضا تصريح ليما ( 1938) القائل بان الاحتلال أو اكتساب الإقليم أو إي تعديل للأوضاع الإقليمية والحدود، تتخذ عن طريق الغزو بالقوة، أو بغير الوسائل السليمة هي غير قانونية ولا تولد آثارا قانونية، وقد تمسك الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية بقاعدة عدم الاعتراف بأية سيادة على أراض احتلت بقوة السلاح في إشارة إلى الاحتلال العسكري للقوات الألمانية وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قرر المجتمع الدولي بصورة قاطعة عدم مشروعية الحرب كما يستفاد ذلك من مقدمة ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق( بوغوتا ) بتاريخ 30نيسان /ابريل 1948 قضى مادته الخامسة بان ( النصر لايخلق الحقوق ) وفي مادته السابعة عشرة بان «الفتوحات الإقليمية والمزايا الخاصة التي يتم الحصول عليها بطريق القوة، أو أية وسيلة أخرى من وسائل الإكراه تكون باطلة، وبمقتضى القانون الدولي فان الضم الذي تقوم به الدولة المنتصرة بإرادتها المنفردة يكون باطلاً ، لأنه ترتب على إجراء غير مشروع في القانون الدولي العام وهو استعمال القوة، ومن ثم لا تكون له أية آثار قانونية في حق شعب الإقليم المحتل، وبالتالي فان لا سيادة لدولة الاحتلال على الأرض المحتلة، وتمنع الدولة المحتلة بمقتضى القانون الدولي من أجراء أية تغييرات في المعالم العمرانية والسكانية والاجتماعية والثقافية للأراضي والمدن المحتلة.

      وتعتبر مدينة القدس بشقيها : القدس الغربية والقدس الشرقية، مدينة محتلة فالقدس الغربية قامت إسرائيل باحتلالها عام 1948م، والقدس الشرقية احتلت عام 1967م، خلافاً لقرارات الأمم المتحدة، وبعدها أعلن الكيان غير الشرعي/ إسرائيل سيادته على القدس الشريف كلها، ولم يعترف المجتمع الدولي بذلك، وكان مشروع بيل لعام 1937 ومشروع الأمم المتحدة لعام 1947 حول القدس هما مشروعان دوليان للتقسيم قد أوصيا بعدم ضم المدينة للدولتين اليهودية والعربية المقترح أقامتهما ووضع المدينة تحت السيادة الدولية، ونصت توصية التقسيم الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) الصادر في 29/11/1947 علي تقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية، وإخضاع مدينة القدس لنظام دولي خاص تدار بموجبه من جانب الأمم المتحدة، وان يقوم مجلس الوصاية بتعيين مسؤوليات الجهة المديرة للمدينة وواجباتها ونص مشروع التدويل على عدم جواز اتخاذ أي طرف من الإطراف المتنازعة القدس عاصمة له وأكدت إسرائيل في إعلان استقلالها الصادر في 15/5/1948 التزامها بذلك، ولم تعلن إسرائيل لدى قيامها مدينة القدس عاصمة لها بل عمل الكنيست والوزارات الحكومية على مدى سنة ونصف السنة في تل ابيب.

      وفي نهاية عام 1949م قررت الحكومة الإسرائيلية إعلان القدس عاصمة لإسرائيل, ونقل الكنيست إليها خلافاً لقرار الأمم المتحدة والشرعية الدولية، كما لا يتفق وأحكام القانون الدولي العام ما أعلنته إسرائيل في شباط /فبراير 1968بعد انتصارها في حرب 5حزيران /يونيو 1967 من تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس الشرقية وكذلك فان القانون الأساسي الصادر عن الكنيست الإسرائيلي سنة 1980 بضم القدس الشرقية واعتبار مدينة «القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل» إنما هي قرارات مؤسسة على أمر واقع أنشأه استعمال غير مشروع للقوة ومن ثم تكون بمثابة مطالب غير محقة وغير مشروعة طبقاً للقانون الدولي العام، لذا لم يعترف المجتمع الدولي بالإجراءات الإسرائيلية لتعارضها مع الشرعية الدولية وعلى وجه الخصوص لم يعترف المجتمع الدولي بالسيادة الإسرائيلية على القدس الغربية، كما لم يعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية التي تعد من الناحية القانونية جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية المحتلة عام 1967 وقد اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار رقم « 3753» الذي تم تبنيه في 2 كانون الأول 1998 بأغلبية ( 149) صوتاً مقابل صوت واحد ونص على أن الجمعية العامة تقرر أن قرار إسرائيل فرض قانونها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس غير قانوني لذا فانه لاغ وليس له أية صلاحية من أي نوع.

     وقد أصدرت الأمم المتحدة سواء عن طريق الجمعية العامة أو مجلس الأمن العديد والعديد من القرارات التي تؤكد علي أن الوجود الإسرائيلي في القدس وجود غير قانوني، واعتبرت القوات الموجودة قوات احتلال، وطبقت علي القدس اتفاقية جينف الرابعة بوصفها أرض محتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتلك هي خلاصة القول في هذا المبحث.


[1] –  الدكتور/ حسام أحمد محمد هندواي، الوضع القانوني لمدينة القدس، دراسة تطبيقية لواقع الاحتلال الإسرائيلي في ضوء أحكام القانون الدولي، القاهرة، بدون تاريخ، ص: 84/85.

[2] – الدكتور/ سالم يوسف الكسواني، المركز القانوني لمدينة القدس، رسالة دكتوراه كلية الحقوق جامعة القاهرة، عام 1977م، ص: 466- 473. راجع نص صك الأنتداب.

[3] – الدكتور سالم الكسواني ، المركز القانوني لمدينة القدس ، المرجع الذي سبقت الإشارة إليه ، ص 288.

[4] – الدكتور حامد سلطان ، القانون الدولي العام في وقت السلم ، الطبعة الثانية ، 1965 .

[5] – الدكتور محمد حافظ غانم ، الوجيز في القانون الدولي العام ، القاهرة 1973 ، ص 124 – 125، ص 136 – 137 .

[6] – http://yabad.org/vb4/showthread.php?4021-%C7%E1%E6%D6%D 4

[7] – الدكتور علي صادق أبو هيف ، القانون الدولي العام ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، الطبعة 11 ، 1975 ، ص 155 ، 162.

[8] –  الدكتور سالم الكسواني ، المرجع الذي سبقت الإشارة إليه ، ص 290 .

[9] – الأستاذ/ أيمن شموط ، القدس في ميزان القانون الدولي علي شبكة الأنترنت علي الرابط التالي:    http://www.jor-son.com/vb/showthread.php?t=28916 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى