لا أحد يشك بأن ما تعرض له الشعب السوري الثائر فاق الخيال حقيقةً و توصيفاً. بدءاً من الاعتقال، و القتل، و الحصار، و ليس انتهاءً بالتهجير. و ما مورس بحقه من قهر، و حرمان، و إذلال؛ بمشاركة و تواطئ إقليمي، و دولي. و على رأسهم المنظمة الأممية التي لم تكن طرفاً محايداً منذ نشأتها. بل كانت طرفاً في كل الأحداث التي عصفت في العالم، و زعزعت أمنه، و استقراره. و لم يكن آخرها الوقوف إلى جانب العائلة الحاكمة في الصراع الدائر بين الثوار و آل الأسد، و ساندت الأخير بكل وسائل الدعم، و تغاضت عن جرائمه، و تستَّرت على انتهاكاته المتعددة، و المستمرة للقانون الدولي، و لاتفاقية حقوق الإنسان، و للعهدين الدوليين لحقوق الإنسان. فتحَّمل الشعب السوري ما لم يتحمله شعب في الألفية الثالثة، و ما قبلها.
إنَّ استمرارية الثورة السورية التي وصفت بالعظيمة طيلة ما يُقارب عشرة أعوام؛ و لا زالت مستمرة لها مقومات، و أسس، و مبادئ، ومسارات ساهمت ببقاء الثورة، و لا زالت تسعى لتحقيق أهدافها عبر نشطاء ثوريين كانت سمة الصدق، و الإخلاص، و الشرف في النشاط الثوري هي في مقدمة، و أولى أولويات الثوار. و الأهم من هذا و ذاك؛ ما تمتلكه هذه الثورة من إرادة صلبة، و عزيمة قوية، و يقين كبير من قبل الحاضن الثوري بحتمية التحرير، و النصر تحدّتَ من خلالهما القوى العالمية التي حاولت الهيمنة على الثورة، و القضاء عليها عبر أشخاص، و مؤسسات وصفت بالثورية لاغتصاب القرار الثوري السوري سياسياً، و بما استخدمته من أسلحة محرمة دولياً ضد الشعب الأعزل في منازله، و أسواقه، و مشافيه، و مدارسه عسكرياً.
و لو عدنا لمراجعة بسيطة للصراع الدائر بين آل الأسد، و الثوار؛ لوجدنا أنَّ الحاضنة الثورية، و من يحملون أهداف الثورة المحقة هم الأكثر عدداً، و الأشدُّ ثباتاً، و تأثيراً في المشهد السوري. رغم العداء الذي يكنه أصحاب الأطماع، و المصالح في سورية، و رغم كل المضايقات التي يتعرض لها السوريون في أماكن نزوحهم، و تهجيرهم. و أنَّ ما يمتلكونه من الإيمان بحتمية النصر، وتحرير سورية من الاحتلالات المتعددة محفوراً في قلوبهم، و مغروساً في أدمغتهم. و يسعون لتحقيقه بجميع الوسائل مهما طال الزمن، و مهما غلت فاتورة الدماء لنيل الحرية، و استعادة الكرامة. و أنَّ نضج الوعي السياسي لدى الحاضن الثوري جعلهم على يقين بأنَّ الحلول التي تقدم من قبل الإقليمي، و الدولي عبر الهياكل المصنعة من قبل هؤلاء؛ لا تصب إلا في خانة آل الأسد. مما استوجب عليهم رفض الحلول، و الهياكل المصنعة لهم من قبل أجهزة الاستخبارات المتعددة. و رغم الكم الهائل من الاختراقات في الصفوف القيادية سياسياً، و عسكرياً بمختلف أنواعها، و الضغوطات التي تمارس على الثوار لثنيهم عن المطالبة بأهداف الثورة، أو التنازل عن قسمٍ منها؛ إلا أنَّ أحداً لم يستطيع أن ينعيها، أو أن يقضي على بوارق الأمل، و التفاؤل المعششين في قلوب أبنائها، أو أن يثنيهم عن متابعة مسارهم لتحقيق أهداف ثورتهم، أو أن يُدخل اليأس، و القنوط إلى قلوب، و عقول حملة راية الثورة، أو أن يدحض طموحات الشعب السوري الذي بذل كل نفيس في سبيل نيل حريته، و استعادة كرامته. خاصةً أنَّ الشعب السوري وجد نفسه في صراع عالمي ضده، يساند عدوه بكافة أنواع الدعم.
و لا نغالي إذ نقول أنَّ المجتمع الدولي بجميع مؤسساته، و هياكله، و هيئاته الداعمة لحكم آل الأسد؛ لم يستطع الانتصار على الثوار جغرافياً على الرغم من السماح للأول باستخدامه لكافة الأسلحة المحرمة دولياً، و حصارٍ للمدن، و القرى للموت جوعاً، و استهداف للمدنيين، و قصفهم بالأسلحة التي حرمها القانون الدولي. و ما تمَّ انحساره على الأرض كان بتنفيذ اتفاقيات الإذعان، و الاستسلام، و الخيانة التي وقعت عليها المعارضات السورية بشقيها السياسي، و العسكري. و لولا ذلك؛ لما استطاع أحد إيقاف معارك التحرير، أو حماية حكم الأسد من السقوط و الانهيار.
إنَّ الثورة السورية تمتلك أسس, و مقومات للتحرير، و النصر أكثر مما تفتقده. و هي ليست بحاجة إلا لدينامية تستطيع من خلالها الانتقال إلى الواقع التطبيقي و الذي عبره تسير بخطى واثقة نحو التحرر من الخارجي، و تحرير سورية بعيداً عن الرهانات، و الارتهانات، و التجاذبات المحلية، الإقليمية، و الدولية.
فالثورة السورية تعجُّ بعلماء الدين الأحرار، و هم الأشد تأثيراً بأي منحى من مناحي الحياة الإنسانية، و لهم تأثير كبير على حياة النظم السياسية للدول، و عند الحكام، أو في حال حدوث ثورات. و عليهم أن يستنهضوا من دخل الياس، و القنوط إلى قلبه، و أن يستمروا بشحذ الهمم، و استنهاض الشباب لإكمال مسيرة الثورة نحو التحرير، و النصر. كما أنَّ الثورة غنية بالأدمغة، و المفكرين، و الرواد الثوريين الذين لا يؤمنون بأنصاف الحلول، و هم موزعون بمختلف العلوم الإنسانية، و التطبيقية و الذين لهم باع كبير في استمرارية الثورة، و تصويب مسارها، و إذلال العقبات التي تعترضها. و هدم الحواجز، و إزالة العقبات التي يضعها ما بين الفينة، و الأخرى عملاء الخارج، و جواسيسهم، لمنع إنتاج قيادة ثورية تمثل تطلعات الشعب السوري الثائر، و أنَّ النخب الثورية قادرة أن تستثمر ما لديها من طاقات، و أن تتمرد ، و ترفض ما يُملى عليها من إملاءات. كما أنها تمتلك القدرة على وضع المخطط البنائي لجمع شمل الثوار، و رصِّ صفوفهم، و توحيد رايتهم، و تنظيف القيادات الحالية من الدخلاء، و العملاء. و لا يغفل على أحد؛ أنَّ الثوار السوريين اكتسبوا خبرة قتالية بمختلف أنواع القتال، و الأسلحة. ناهيك عن امتلاكهم للإيمان، و العزيمة، و الإرادة التي قد لا يمتلكها شعب ثار ضد حكامه، الأمر الذي يسهل تنفيذ الأعمال الحربية في المعارك القادمة. و سيكون لهم الدور الريادي في التحرير, و النصر, و إسقاط حكم آل الأسد. كما تمتلك الثورة الكوادر الإعلامية التي بدأت تصوب مسارها, و تستفيد من أخطائها، متجاوزةً ما وقعت به من مطبات، و عثرات وُضعت في طريقها فكانت تؤذي الثورة بطرق مباشرة، و غير مباشرة. زد على ذلك أنَّ سلاح الإرادة، و الأمل الذي يمتلكه السوريون؛ هو من أقوى الأسلحة التي تمتلكها، دولاً، و مجتمعات. و أن السوريون متمسكون بهما للاستمرار بالثورة، و التشبث بها. و أنَّ كل ما خسرناه من أرواحٍ، و دماءٍ، و تضحيات؛ يقوي الله إيماننا بأنه لن يخذلنا.
ختاماً؛ نحن في الثورة نقول؛ إن كل ما حصل في سورية عبر المستويات الثلاثة السياسية، و العسكرية، و الإنسانية؛ لم يكن عجزاً من المجتمع الدولي، و منظمته الأممية. بل كان إرهابا دولياً منظماً، و ممنهجاً من قبل قوى الإرهاب، و الشر العالميين. فمن المفارقة أن قوى التحالف لم تتعرض للقضاء على داعش، و فراخها مثلما استهدفت المدنيين العزل، و الثوار المطالبين باستعادة حريتهم، و كرامتهم. لا بل دعمت الأولى، و سلمتها الكثير من العتاد الثقيل، و الذخائر. في حين مورس التضيق، و الخناق على المدنيين، و الثوار، و فُرض عليهم الحصار الجائر الذي لم يُمارس على شعب في تاريخ البشرية من قبل.