مقالات

ذكرياتي مع الصادق المهدي

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

التقيت بالمفكر والداعية السوداني الصادق المهدي في عدة مؤتمرات دولية في عمان وصنعاء والقاهرة، ففي مؤتمر المنتدى العالمي للوسطية في عمان بالأردن كانت البداية، حيث كانت لنا جلسات مطولة معه رسمية وغير رسمية، وشكّل مفاجأة سارة بالنسبة لي، فقد كنت أظنه شخصا تقليديا لكونه يتزعم طائفة الأنصار ذات العمق الصوفي، لكنه كان يهطل أفكارا جديدة وفق رؤية كلية بارزة المعالم ترى الإسلام دينا شاملا لصناعة الحياة وقيادة نهوض حضاري شامل في سائر أنحاء الحياة، وكان يتدفق بفصاحة تتحرر من اللهجة السودانية التي لا يستطيع الانفلات من أسرها إلا القليل من السودانيين!

وفي مؤتمر دولي آخر انعقد في صنعاء كان يستمع لورقتي باهتمام بالغ، وحينما نزلت من منصة الإلقاء وجلست في مقعدي جاءني سكرتيره وأهداني كتابه (الإنسان بُنيان الله) وطلب مني كتابي (تدبر القرآن ودوره في النهوض الحضاري بالمجتمعات الإسلامية) الذي أشرت إليه أثناء كلامي، ومن حسن الحظ أنني كنت أحتفظ ببضع نسخ منه في الفندق، فأهديته إياه.

وفي القاهرة التقينا في مؤتمر تأسيسي لمنتدى كتاب التجديد وفي آخر جلسة انتخب ممثلا للسودان وانتخبت ممثلا لليمن، بجانب مفكرين آخرين ينتمون لأحد عشر بلدا عربيا، لكن هذا المنتدى لم تكتب له الحياة للأسف الشديد.

وبعد أن ذهبت إلى السودان في آخر عام ٢٠١٦م وتعاقدت معي جامعة الجزيرة كأستاذ زائر، وجدت عددا من كتبه في مكتبة معهد إسلام المعرفة التابع لجامعة الجزيرة فقرأتها كلها؛ فوجدت إنتاجا يمزج بين عقلانية المفكر ووجدان الداعية، حيث يوازن في كتبه بين النقل والعقل، ويعدل بين الأصالة والمعاصرة، حيث لا يفارق مربع الثوابت قيد أنملة ولا يكاد يفارق عصره بعقله المستنير ورؤاه المتفتحة؛ إذ لم يكن أسيرا للتراث رغم نشأته في بيئة شديدة المحافظة، ولم يكن أسيرا للحداثة رغم دراسته في الغرب!

كان منحازا للإسلام والمسلمين وللعروبة، دون أن يتخلى عن دائرته الإنسانية أو يتنكر لانتمائه الإفريقي. ورغم زعامته لأكبر طائفة في السودان وهي طائفة الأنصار التي تنتمي إلى جده محمد أحمد المهدي رائد الثورة ضد الإنجليز والعثمانيين، إلا أنه اجتهد في التأصيل لحقوق المواطنة المتساوية في بعض كتاباته وحاول أن يطبقها في رئاسته للحكومة السودانية.

تغمده المولى بواسع رحمته وتقبله قبولا حسنا وأكرم نزله ووسع مدخله وحرم وجهه على النار وعظم الله أجر أسرته ومحبيه جميعا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى